ارتمى فينسينت على الارض وهو يبحث عن الهواء، وبجانبه الفتحة التي خرج منها وهي مليئة بالماء.
كان الهواء باردًا وثقيلاً في رئتيه، كأنما الغرفة بأكملها ترفض إطلاق سراحه. ارتطم جسده المرهق بالأرض الرطبة عند الفتحة الضيقة التي عبر منها، وما زال الماء يتدفق خلفه كأنه يلاحقه حتى اللحظة الأخيرة.
أجبر نفسه على النهوض، جسده يكاد ينهار من الإجهاد والبرودة التي تسللت إلى عظامه. نظر إلى النصل الفضي بين يديه؛ رغم أنه كان مغطى بالدماء والماء، إلا أنه ما زال يلمع في هذا الظلام كأنه يرفض أن يخفت نوره.
"هل... انتهى الأمر؟" سأل نفسه بصوت خافت، لكن الصدى تردد حوله بطريقة غريبة، كأن الأصوات تتلاشى قبل أن تكتمل.
رفع رأسه ونظر حوله. لم يرى سوى الظلام، كان كل شيء حوله، من السقف والأرضية إلى الحوائط، مغطى بلون أسود كالحبر المسكوب. بدا الكهف وكأنه ينحني على نفسه، كأنه كيان حي يراقبه بصمت.
"ليس كهفًا عاديًا..." تمتم لنفسه.
تدلت مشاعل من الحوائط، تنير القليل من الغرفة. كانت النار باللون الأخضر الباهت، وكأنها شرارة من عشب مسموم أو زهرة نمت في أعماق الموت. كان الضوء الخافت يخلق ظلالًا متراقصة على الأرض والجدران، ظلال تشبه الأيادي وهي تلوح أو وجوهًا هامسة وسط العتمة.
ركز فينسينت نظره على أرجاء الغرفة، ورأى أربع منصات حجرية صغيرة، مرتفعة قليلًا عن الأرض، متوزعة في الزوايا الأربعة. كان في منتصف كل منصة فتحة دائرية صغيرة، وكأنها أُعدت لاحتواء شيء ما.
لاحظ أن الفتحات كانت متصلة بسلسلة من الخطوط المحفورة في الأرض، تُشبه الشرايين الحجرية، وتمتد جميعها نحو دائرة صغيرة مرسومة بدقة في منتصف الغرفة.
انحنى قليلًا وفحص تلك الخطوط، كانت محفورة بدقة مذهلة، وكل زاوية وامتداد بدا كأنه صُمم بعناية ساحر ماهر.
"هذا لا يبدو وكأنه نقش زخرفي بالتأكيد."
وقف مجددًا، وقد شعر بوخزة خفيفة في صدره، كانت الغرفة تحمل ثقلًا غريبًا، كأنها تحمل سرًا أقدم من الزمن نفسه.
اتجه نحو إحدى المنصات. أخرج النصل الفضي وحركه فوق الفتحة الصغيرة، لكن شيئًا لم يحدث.
"ما الذي يُفترض بي فعله هنا؟"
كانت النار الخضراء ترتعش بخفوت وكأنها تتنفس.
في نهاية الغرفة، كان هناك حائط حجري ضخم، بدى وكأنه حائط عادي، لكن شيء ما جعله يتقدم نحوه. عندما مد يده ليلامس سطحه، فوجئ ببرودته الشديدة وملمسه الأملس الذي يناقض مظهره الحجري.
"هذا... ليس صخرًا؟!"
اقترب أكثر وفحص السطح بعناية، لاحظ أن هناك نقوشًا خفية، بالكاد يمكن رؤيتها تحت الضوء الأخضر الراقص.
جرت يده على النقوش، التي امتدّت على كل الحائط، وفي منتصفه كان هناك خطان طويلان يمتدان من بدايته لنهايته. عندما لامسها فينسينت بدأت تظهر اضواء خافتة منها، كانت بلون احمر قرمزي.
أخذ فينسينت بضعة خطوات للخلف بتفاجؤ. كانت الأضواء خافتة وكأنه لا يوجد بها حياة وعلى شفى الانطفاء. لهث فينسينت بخوف عندما سمع صوت من خلفه.
كان اشبه بصوت خطوات صغيرة ولكن من السهل سماعها في هذا المكان الهادئ.
نظر خلفه، وهبط بصره على شكل غريب. كان يقف على لوح منقوش على الارض ويخرج من حوافه اللون الأحمر القرمزي نفسه. كان الشكل يشبه الثعلب، ولكن لونه اسود بالكامل وفروة رأسه لونها اخضر مثل لون الاشجار.
كان يقف على أربع ارجل التي كانت بدورها لونها ابيض بالكامل مثل الثلج. كان ينظر نحوه بعيونه الذهبية الهادئة من دون اي تلميح على التشتت. كان مظهره غريب، ليس مثل اي شيء قد رآه فينسينت من قبل، ولا حتى في هذا العالم.
جمع شجاعته وهو يحكم قبضته حول نصله، وهو يقترب من هذا المخلوق الغريب. عندما اقترب بما يكفي حتى يستطيع ان يلمسه، لم يتحرك المخلوق ولا حتى ان يأخذ خطوة للخلف، فقط نظر لوجهه من دون ان ينظر او يفعل شيئا ما.
مد فينسينت يده نحو رأسه، وكان على وشك لمسه، ذلك عندما شعر ببرد قارص يأتي منه، عندما لامسه او هكذا ظن، اخترقت يده رأسه الذي تحول إلا ما يشبه الظل الذي تبخر في مكانه وتحول إلى لا شيء.
سحب فينسينت يده بسرعة وهو متفاجئ، وعندما فعل ذلك عاد رأس المخلوق إلى ما كان عليه، بفروة رأسه الخضراء وعيونه الذهبية. فتح فهمه قليلا وخرج منه صوت نباح خشن.
تفاجئ فينسينت بسبب انه ليس فقط انه يشبه الثعلب بالهيئة ولكن بالصوت ايضا. أكمل شبيه الثعلب نباحه الخشن، ثم التفت ليمينه وأكمل نباحه.
لم يفهم فينسينت ماذا كان يقصد بهذا، ونظر في الاتجاه الذي كان ينبح به. رأى على الارض على بعد مسافة قصيرة نفس النقوش التي كان يقف عليها الثعلب.
ذهب نحوها ووقف فوقها. ذلك عندما شعر انها تنزل إلى الاسفل قليلا. ظهر ضوء احمر قرمزي خافت من جوانبها ويضيء قليلا ما حولها.
سمع صوت ارتطام وتحطيم يأتي من الحائط الأملس، نظر حوله ورأى ان النقوش عليه كانت مضاءة بالكامل، كما كان يفتح ويتحرك مثل الباب.
' كلا، ليس مثل الباب.... انه باب!'.
تفاجئ فينسينت من هذا، كما انه لم يكن هناك ما يشبه الباب فيه. لم يهتم فينسينت كثيرا وإذ ترتسم على شفتيه ابتسامة، وهو يرى الضوء يدخل من الباب ويضيء الغرفة.
ركض نحوه وهو متشوق للخروج، ذلك عندما سمع صوت النباح خلفه. نظر للوراء ورأى الثعلب ينظر نحوه من دون ان يتحرك.
" هيا، تحرك. الا تريد الخروج".
بعد القليل من الوقت، ادرك فينسينت شيئا. كان مظهر الثعلب فريد حتى في الغابة، كما انه كان ملائم اكثر للأماكن المظلمة،
' هكذا إذا، يبدو انه من مخلوقات هذه المغارة'.
" حسنا. شكرا لمساعدتك".
إلتفت فينسنت وهو يعلم انه لم يفهمه ولكن لم يهمه هذا الشيء الان. ما كان يهمه هو خروجه.
خذ خطوة أخرى وعميت عيناه من ضوء الشمس الحارقة. غطى عينيه وأخذ عدة خطوات وخرج اخيرا.
صوت الحيوانات وحفيف الهواء بأوراق الاشجار الطويلة. نسيم الهواء البارد والطبيعي على عكس المغارة.
بدأ الباب خلفه ينغلق، عندما نظر خلفه رأى انه يشبه الصخور العادية من الخارج كما كان منغلق بالفعل.
...
في داخل الكهف. كان الثعلب يقف في مكانه وينظر نحو الباب الذي انغلق للتو.
تحركت عيناه الذهبيتين قليلا وفتح فمه، ولكن بدلا من النباح الخشن ظهر صوت بشري، او ما يشابهه!
" هذا المظهر... هذه الدماء... انها متشابها... او هل يمكن ان تكون لا صلة به... لا يهم سوف يكون اللقاء القادم بعد وقت طويل جدا... هذا إذا بقى على قيد الحياة حتى ذلك الوقت".
بعد ذلك، تحول شكل الثعلب وتكور على شكل كرة سوداء تطفو في الهواء، بعدها واختفى مثلما ظهر.
________
رأيكم في الفصل
ايضا لا تخافوا. لا يوجد شيء مثل فتى النبوءة وما شابه ذلك