تحت ضوء الهلال الخافت ركض المقاتلين صوب الغابة،و بإشارة من يد القائد شكلوا مجموعات صغيرة تفرقت في الغابة باحثين عن غريمهم.
"إذا أمسكنا به فالسيف الروحي سيكون من نصيبي"
نظر شاب لرفيقيه معلنا رغبته.
كان الجميع على علم بسيف البرق المادي الخاص بجين ففي أول قتال له ضدهم عند هضبة الماندراكورا ( النبتة الروحية التي تصرخ) شطر به أحد رفاقهم إلى نصفين.
و رغم هذا لم يكن ليشكل هذا السيف تهديدا عليهم الآن، فالمقاتلون من عالم الروح فما فوق عاجزون عن إستعمال الأسلحة المادية و التي هي تجسيد لهيئة مقاتل أسطوري.
" و ماذا تفعل بسلاح يؤثر سلبا على هيئتك الروحية؟"
ابتسم المقاتل مجيبا
"و من أين تعتقد أن سهام القائد قد صنعت، بذلك السيف تستطيع تعزيز سلاحك و تنفيذ هجمة سماوية......... من أين جاءت كل هذه المياه"
سرعان ما حدق الجميع أرضا و قد استغربوا كيف أنهم دخلوا بركة الماء دون أن يشعروا
*تسك ،تسك*
لفت أزيز البرق الصادر عن السيف نظرهم ليجدوا هدفهم قادما نحوهم مع ابتسامة لا تجلب الإطمئنان.
"لم أعلم أن له استخداما كهذا، لكن و بما أنك تريده بشدة فيمكنك الحصول عليه "
رمى جين بسيف البرق وسط الماء، لترتفع الصواعق منه و تنتفض أجسادهم بقوة الكهرباء حتى تشنجت عضلاتهم و اصطكت أسنانهم ، بعدها سحب سيفه و اختفى ثانية في الظلام مخلفا فقط جثثا متفحمة عجزت حتى عن الصراخ لخفيف آلامها.
" هناك، ضوء لمع في ذلك الإتجاه "
و كما يجلب الضوء الحشرات، جلب البرق مجموعة أخرى من أربع أشخاص إلى حتفهم
" الوغد ،نصب لهم فخا...... أين هو كينو؟"
في اللحظة التي انتبهوا أن رفيقهم قد اختفى، تدحرج شيء كروي ببطئ أمامهم، و من وسط الظلام جاء صوت عميق جعل الأبدان تقشعر
" رأسه تدحرج بشكل مثالي، أتراه ذلك كونه أصلع"
"احذروا إنه هنا"
قفز الثلاثة و ظهورهم لبعضعها البعض و رفعوا طاقتهم، ركزوا أبصارهم في إنتظاره لكن لا شيء حدث
"الوغد إنه يضرب ثم يهرب"
بعد أن أخفض هالته خطى خطوتين و أضاف
" لنذهب و ابقوا منتبهين....."
*وووش*
قبل أن يعمل الناصح بنصيحته أصبح الضحية الثانية،مع هذه الإنارة الخافتة و من زاوية لا تصدق ، مر سهم قاطعا الهواء ليستقر في جمجمته.
قفز الإثنان مستلين أسلحتهم و تكاد قلوبهم تخرج من صدورهم من شدة نبضها
" يا ابن العاهرة، لما لا تخرج و تحارب كالرجال "
لم ينفع الصراخ و الإستفزاز، فغريمهم بالفعل كان قد ذهب بحثا عن ضحية جديدة.
فرقة أخرى أوصلها بحثها إلى منطقة تقل بها الأعشاب المضيئة، بعد أن توغلوا بضع خطوات كان الظلام حالكا لدرجة أنك لا ترى قبالتك.
'الظلام الحالك لنعد راجنا'
هذا ما فكر به أحد أعضاء المجموعة، لكن أفكاره لم تترجم لكلام، لأن يدا أحكمت قبضتها على فمه و سحبته بقوة جبارة إلى الخلف، في الوقت الذي انتبه فيه رفاقه لإختفاءه كان الأوان قد فات
"بسرعة حرروا هيئاتكم و فعلوا قوانينكم "
صرخ رفيقه بأعلى صوته، و قد لفه البرق، تبعه رفيقه لتلمع رؤوس السهام في قوسه الآلي، أضاءت القوانين المكان قليلا، لكن لم تخفف من توترهم
*ووش*
مع أول صوت سمعه أطلق حامل القوس عدة سهام معززة،ليسمعوا على أثرها صوت صراخ أليم
"لقد تمكنت منه "
ركضوا صوب الصوت ،لكن غير جثة رفيقهم المفقود و التي أصبحت كالقنفذ من السهام التي اخترقتها، لا يوجد شخص آخر.
تجمد مستخدم القوس في مكانه يحدق بصديقه الذي قتله بيديه، بعدها إقترب ببطئ إليه و كأنه لا يصدق ما حدث، ليسحبه مستخدم البرق محاولا إخراجه من صدمته
"لقد كان ميتا منذ البداية، أفق و دعنا نجتمع بالبقية"
في اللحظة التي أنهى فيها كلامه،لمعت الأرض من تحتهم بضوء أحمر قاني
*بوووم*
دوى إنفجار مهوول، و ابتلعت النيران المقاتلان.
واحدا خلف آخر، استمرت أصوات الضحايا ترتفع و قد زرعت مهارات جين في الإغتيال الرعب في قلوبهم.
*كابووم*
إنفجرت إشارة ضوئية في السماء ،معلنتا أن عليهم العودة و التجمع.
"لنغادر بسرعة و إلا فإن ابن العاهرة سيستمر في اصطيادنا واحدا خلف الآخر"
تحدث مقاتل قانوني مفتول العضلات بإمتعاظ، لم يكن الوحيد الذي فكر بهذه الطريقة، من أصل أربعة و ثلاثين مقاتلا بقي سبعة عشر.
" الإنفجارات المتتالية بدأت تجذب الوحوش، علينا التحرك"
حتى الفارس الهمام دينو الذي اقترح المهمة فقد إثنان من مجموعته،كانت تعابير وجه هذا الأخير هي الأسوء، حتى أن لا أحد تجرأ على ذكر كلمة أمامه
بالرغم من أنه أعلى رتبة منهم وفقا لتصنيف العشيرة لكنه ليس قائدا أعلى و ستتم مساءلته و عقابه نتيجة هذه الخسارة الفادحة.
" لنعد أدراجنا "
مع نبرة إنهزامية أصدر الأمر، لم يجد أمامه الآن سوى أين يقلل من الأضرار بعد إدراكه أنه من الغباء محاولة إصطياد الوحش داخل كهفه.
"ما هذه الأصوات ؟"
لم يبتعدوا كثيرا حتى تساءل أحدهم عن الأنين الغريب و الذي راح يتزايد أكثر و أكثر، قبل أن ينتبه أحدهم للتربة الرطبة أمامهم
"حفرة "
كان الأنين يتزايد و ما أن أزال التراب الذي كان فوق الأغصان التي تغطي الحفرة حتى رأى جرو الذئب ذو القرن جريح و مقيدا بإحكام
"الشعلة ستجذبهم إلى هنا، علينا التحرك بسرعة"
قد لا يشكل ذئب وحيد خطرا كبيرا، لكن عندما تكون في قطيع فإن شراستها تتضاعف و هي عنيفة جدا عندما يتعلق الأمر بصغارها.
*هدير*
من كل صوب كانت أصوات الهدير و الزمجرة تقترب، و الصغير الذي أحس بهم راح أنينه يرتفع ليخبرهم عن مكانه.
أدركوا الآن الحقيقة المرة كل حركة قاموا بها، سبق و لعدوهم أن توقعها حتى وقت و مكان استخدام الإشارة الضوئية الذي ستكون سببا في هلاكهم كانت ضمن حساباته
"اللعنة، ذلك اللقيط اقسم أنني سأشرب من دمه يوما ما "
كانت ملامح دينو بشعة للغاية فقد احمرت عيونه و برزت عروق جبينه من شدة غضبه
*نا نا نا نا نا*
نغمة غريبة رنت في أذانهم ، كانت آخر شيئ سمعوه قبل أن تمزق الوحوش لحومهم.
طلع النهار، و إنعكس ضوء أشعة الشمس على البركة الحمراء التي تشكلت من دماء الذئاب و المقاتلين.
جر دينو جسده الذي مزقته مخالب الذئاب و نهشت لحمه أنيابها، و قد نزف من الدماء ما جعل وجهه شاحبا حتى وقوفه يعتبر معجزة
"سبعمائة و ثلاثة و عشرون"
"سبعمائة و إثنان و عشرون"
"سبعمائة و واحد و عشرون"
دينو الذي يرى كل شيء ضبابيا التفت في رعب يبحث عن الشخص الذي يعد، لكنه لم يستطع رؤية شيء
"سبعمائة و ......، ها ألا زلت حيا ،ستجعلني أخطأ العد بفعلتك هذه"
اقترب الصوت كثيرا ، حتى أحس بأنفاس المتكلم في أذنه
"حانت ساعتك"
وجه جين كان قريبا جدا منه و عليه إبتسامة تحمل شماتة العالم و ما فيه
*ووش*
في اللحظة التي استسلم فيها دينو لمصيره سقط سهم بالقرب من قدم جين
"أقتلوه "
لحسن حظ دينو ، وصلت النجدة و اضطر جين إلى الهروب ليختفي في الغابة.