في قبو مكان مجهول تحت الأرض.
كانت أنفاس الرجل المقيد متثاقلة، و قد فقد المسكين إحساسه بالوقت بعد المدة الذي قضاها و هو على هذه الحالة
" أزيلي الكيس عن رأسه، أريد أن أرى وجهه"
" تحت أمرك"
تحدث صوت رجالي ليتبعه صوت نسائي بالإيجاب
فتح الرجل المقيد عينيه ببطئ، و قد تسبب الضوء الصادر من الحجر السحري المعلق في السقف بإيذاء عينيه و بالكاد تمكن تمييز ظلان يقفان أمامه
" هل أنت زعيمهم.... أنا..... لا أحد...... مجرد سائق عربة ينقل البضائع..... أنا نكرة"
ردد الرجل المقيد في يأس نفس الكلمات التي قالها يوم إختطافه، يومها طلب منه أن يحتفظ بشكواه إلى وصول الزعيم و قد مضى على ذلك شهور لم يتمكن من إحصائها.
هذه المرة تم تقييده و تغيير مكان سجنه، فلا بد إذا أن صاحب القناع الأحمر المزين بأنماط غريبة هو زعيمهم.
سؤال الأسير لم يلقى أذانا صاغية فصاحب القناع الأحمر لم يلقي إهتماما لتوسلاته، و اكتفى بالنظر إليه و كأنه يتفحص بضاعة ثمينة.
على الأقل مرافقة الزعيم ذات القناع الأبيض لم تعطه كتفا باردا و حلت وثاقه قائلة
"لا تقل هذا، أنت لست مجرد نكرة، أنت أمل البشرية، لقد إختارتك السموات لتنفيذ المهمة المقدسة، لكن قبل هذا..."
بلع الأسير المسكين ريقه، و قد أدرك أن مقابلة الزعيم أو غيره لن تغير شيئا من مصيره
صفقت السيدة المقنعة بيدها لتدخل عليهم خادمة جميلة تحمل أطيب المأكولات
"في هذه المكان تتوفر كل المستلزمات الضرورية، و إلى حين إقتراب موعد مهمتك المقدسة،فستتولى الخادمة اللطيفة رفقتك و الإهتمام بكل إحتياجاتك"
الخطوط السوداء غطت جبين الأسير، فإطعام العجل قبل جره إلى المسلخ لن يجعله يشعر بالسعادة
"و متى موعد المهمة المقدسة ؟"
"المفتاح قد اختفى في ظروف غامضة، و لذلك....."
نظرة واحدة من صاحب القناع الأحمر جعلت السيدة تبتلع كلماتها و تخفض رأسها.
"سيدي تذوق هذه من يدي ؟"
الخادمة التي شعرت بتوتر الأجواء أخذت فاكهة و أطعمتها للأسير، و كأي رجل بسيط ارتسمت على وجهه ملامح سخيفة و نسي انه عجل يتم تسمينه.
*طاخ*
رنت الصفعة على خد السيدة حتى أن قناعها الأبيض قد طار في السماء
" حمقاء"
صرخ صاحب القناع الأحمر و نوبة غضبه لم تنتهي بعد
"حرف واحد زيادة و كنت لأدفنك حية"
" آسفة سيدي، كانت زلة لسان و لن تتكرر"
" وضعنا لا يتحمل الأخطاء، بشق الأنفس عثرنا على مكان الختم و تمكنا من السيطرة عليه، لكن لا أثر لذلك اللعين سي مار، و بدونه ......"
تنهد ذو القناع الأحمر في أسى و أضاف
"العراقيل تستمر في إعاقة مهمتنا المقدسة، و حلمنا في تحرير المنقذ الأسمى و قاهر الأغلال يستمر في التأجيل، لكن و مهما اشتدت الأوضاع و ضاقت الأحوال نحن المطهرين لن نيأس و لن توقف حتى نحقق غاياتنا و ننقذ هذا العالم من الآثام و الفساد الذي حل به"
أنهى أخيرا زعيم المطهرين خطاب الهرطقة خاصته، و عيونه تفيض بالأحلام الخيالية.
المعتقدات هي بالفعل أقوى و أخطر من أي سلاح، فهي تمنح الناس قوة لا تهزها الصعاب و عزيمة لا تثنيها الشدائد.
" سيدي..."
همست المرأة و رمت نفسها في حضن الزعيم، وهي الأخرى ثملة بكأس المعتقدات.
" سيديكلما أسمع كلماتك، لا أستطيع منع نفسي......من الضحك"
" آآه !!"
بعد التعجب من الحديث الذي لم يتوقع سماعه،شعر فجأة بألم حاد يخترق صدره.
تراجع إلى الخلف غير مصدق ، و هو ينظر لإبتسامة المرأة التي خانته
" سيدي، أنا سأشتاق إلى هرطقتك المضحكة، هذا ليس عدلا فقريبا جدا سأرسل بقية أتباعك المخلصين خلفك.... في حين سأبقى هنا وحيدة"
" لماذا قمتي بخيانتنا "
" أنا لم أكن تابعتك من الأساس"
نزعت المرأ ة وجهها ليدرك أنها كانت ترتدي قناعا آخر تحت قناعها الأبيض.
"بعد كل هذه الفترة،كدت أنسى ملامح وجهي الحقيقية"
" أنت.....أنت ساحرة الجزر العائمة..... الملك..... السماوي.... اللعـ..."
قبل أن يكمل آخر كلمة أطبقت الساحرة على فمه و منعته الحديث
"اشش، هذه ليست كلمة لطيفة لتكون آخر ما تنطق به"
" أجل.... إنها ليست مناسبة.....سيدنا..... و بكل تأكيد سيتحرر....و سيطهر هذا العالم"
" كالعادة استمر في هرائه حتى النهاية"
على مرأى من الساحرة العظيمة لفظ زعيم المطهرين آخر نفاسه.
في هذا المكان المجهول تحت الأرض، ارتفعت أصوات الصراخ و طلبات النجدة التي لم و لن تجد أذنا صاغية
جثث المهرطقين تناثرت في كل مكان، في الأخير توجهت الساحرة العظيمة نحو زنزانة الأسير من البوابة الشمسية، حيث لم يكن المظهر مختلفا كثيرا
"اووه، أرى أنك سبق و أن ذبحته"
" أجل سيدتي"
"أخيرا ..... لقد أخذنا وقتا طويلا للتخلص من كل هؤلاء الحمقى،و لو لا إختفاء سي مار لأصبحت المهمة جحيما لا يطاق"
"لكن و كالعادة بفضل نبوءتك سار كل شيء بسلاسة.....سيدتي جاءت أخبار غير سارة من مملكة الأنهار، هناك إشاعة أن مزاد السوق السوداء سيتم إلغاءه"
" مزاد السوق السوداء!، لقد تركنا أفضل كلابنا و أشدهم وفاءا لنا يهتم بشؤون المزاد فكيف يعقل هذا؟...... أيعقل أن كلبنا يلعق حذاء شخص آخر"
مسحت الخادمة يديها من الدم و أشارت إلى جثة الأسير
"سيدتي بإمكانك المغادرة، سأتولى التنظيف"
"حسنا، و لا تنسي جثث البقية و كذا جثة الزعيم..... آه سأشتاق فعلا لخطاباته المضحكة"
.
.
.
.
بعد دقائق
كل الجثث كان قد تم تجميعها في غرفة واحدة، شعلة نارية لمعت في يد المقاتلة في زي الخادمة قبل ان تتفجر في الجثث.
" هذا...... ساخن"
الفتاة التي استدارت مغادرة، تجمد الدم في عروقها عند سماع الصوت من خلفها
" م......من.....هناك
من بين الجثث المحترقة، نهضت واحدة مشت بين النيران التي أبت أن تؤذي حتى شعرة من رأسه
" كيف.......كيف....ما زلت حيا؟ ! "
الأسير الذي مات مذبوحا وقف على قدميه، وجهه و ملامحه هي نفسها لكن الهالة التي تحيط به قطعا ليست نفسها.
عندما التقت عيونها بعيونه تجمدت في مكانها، ارتجف جسدها بالكامل و نزل العرق البارد وديانا من جبينها
" أشعر بالجوع، أتعرفين مكان المطبخ ؟؟"