كيرا الذي ركض طويلا ليلحق بفنغ شيرو ، أمسك أخيرا بكتفه و استوقفه
" شيرو..... ما قلته قبل قليل كان...."
صمت كيرا لثواني و هو يلتقط أنفاسه قبل أن يضيف
"كان مذهلا.... تمثيلك كان أكثر من رائع"
"ها ها ها..... حان الوقت لأكشف أنا شيرو عن مواهبي الخفية"
ارتفعت ضحكات فنغ شيرو الذي وضع يداه على خصره مزهوا بنفسه، قبل أن يكتم تابو فمه في توتر
" أيها الأحمق، لا تلفت الإنتباه إلينا"
تمثيلية هذه حقيقة الأمر كل ما حدث سابقا لم يكن بسبب الشجار السخيف على القارب و لا بسبب قلب الشاب المفطور لخسارة حبيبته، كل ما حدث كان خدعة مدروسة خطط لها صاحب الموهبة العقلية الفذة كال مينغ.
هم على معرفة بتورط ولي العهد تورا تيان بالسوق السوداء و هذه الزيارة هي فرصتهم الوحيدة لكشف أسراراه و فضح تورطه مع منظمات مشبوهة.
"ميني تأكدي إذا ما أرسلوا أحدا خلفنا"
لاو ميني و كرامية للسهام من صنف المقاتلين بعيدي المدى و كي تتمكن من مجاراة هان سول ، قدم كال مينغ لها مهارة تصويب متقدمة ، ما لم يتوقعه أحد هو أن تتسبب تلك المهارة في ظهور العشوائية السحرية الخاصة بها.
عادة و عند ارتقاء المقاتلين إلى عوالم متقدمة، سيصبحون قادرين على استخدام بعض التقنيات السحرية، إلا أنهم عاجزين عن اختيار السحر الذي سيستخدمونه، تم تسمية هذه الظاهرة بالعشوائية.
و عشوائية لاو ميني التي ظهرت في وقت مبكر، هي سحر الإستكشاف التي يمكن من خلالها تحديد كل القوى المحيطة بها، و لسبب مجهول كان سحرها قويا للغاية.
أغمضت لاو ميني عينيها و فعلت عشوائية سحر الإستكشاف الخاصة بها
" لا أحد خلفنا،إذا ما هي الخطوة التاليـ......"
توقفت ميني فجأة عن الكلام و قد تغيرت ملامح وجهها
"ماذا هناك؟"
بلعت ميني بصعوبة ريقها و العرق البارد نضح على جبينها، و أشارت إلى أعلى برج في الأرخبيل.
منذ حصولها على سحر الإستكشاف أصبحت الفتاة حساسة اتجاه أصحاب القوى العليا، ظهور العشوائية في وقت مبكر كان له سلبياته، فقد أصبحت مفعلة بشكل دائم و خارجة عن السيطرة، و كأنها اكتسبت غريزة حيوانية تنبئها بالوحوش الذي لا يجب أن تعبث معهم.
لا تزال لاو ميني تتذكر جيدا كيف بقيت ساهرة طيلة الليلة التي سبقت الإمتحان،لأن صديقتها ليان اختارت كسرت عنق الزجاجة بعد منتصف الليل.
رغم هذا فالذهاب إلى الإمتحان مع عيون ناعسة لا يعد شيئا أمام إنفجار مدير المعهد غضبا على أمين المكتبة الكسول، يومها سحقت حرفيا تحت هالته.
سحر الإستكشاف رغم قوته فهو سلاح ذو حدين، و أدخلها في كثير من المواقف المزعجة.
رغم هذا فالتجربة هذه المرة كانت مختلفة تماما، إحساسها تجسد إلى كابوس أقرب إلى الحقيقة.
دون سابق إنذار وجدت الفتاة نفسها وحيدة مسجونة في الظلام، عاجزة عن رؤية أي شيء و عاجزة عن الحراك أو الإلتفات، لأنها تعرف أن الخطر يقبع مباشرة خلفها.
وقف شعر رقبتها و نبض قلبها بجنون وقد إمتلأ رعبا حتى تمنت أن ينبض ببطئ كي لا يتسبب صوت دقاته المرتفع في لفت إنتباه الوحش المتجسد خلفها.
ما استشعرته لم يكن هالة الروحية بل تعطش مطلق للدم، تعطش مظلم و مشؤوم لشخص لا يسبر غوره و هو في أوج غضبه، بمقدوره سحق كل ما في طريقه.
*ااهاااااااا*
أطلقت الفتاة أنفاسها المكتومة دفعة واحدة لتنهار أيضا و قد عجزت أقدامها عن حملها.
" ميني، هل أنت بخير؟"
أسرع تابو في هلع يساعدها على النهوض و قلبه يلعن ساعة حصولها على هذه العشوائية المشؤومة
"لقد غادر البرج..."
"من الذي غادر البرج؟"
ارتجف جسد ميني و عضت شفتها قبل أن تجيب
" قوة لم يسبق لي رؤية مثيل لها، و لا طاقة لنا بها إن كان عدوا فعلينا بالإنسحاب"
وفقا لمخطط كال مينغ، فإن البرج هو وجهتهم الآتية، رؤيا ميني جعلتهم فقط يعرفون عبئ و خطورة ما ينتظرهم.
------------
قبل دقائق في البرج العاجي
من المباني الملفتة للإنتباه في أرخبيل أكواليا، برج ضخم بلون أبيض عاجي، يعرف كذلك باسم برج الحرفيين.
كل بضاعة موجودة به تم صنعها في ورشات هذا البرج، كل طابق تخصص في حرفة معينة من الحدادة و النجارة وصولا إلى الكيمياء و صناعة الأدوية.
في آخر طابق حيث لافتة كتب عليها (كيمياء)، لمعت المانا بلونها الأزرق اللازوردي لتشكل حاجزا عزل الصوت و منع الغرباء من الدخول.
"هلا أعدت لي ما قلته للتو، فيبدوا أنني لم أسمعك جيدا؟"
شاب وسيم أبيض الشعر،سأل أحد الكيميائين المشغولين مع تكريرهم و تنقية أعشابهم.
" اسمع يا هذا...."
" جين، اسمي هو جين"
"فلتباركوا له، أخيرا تذكرت شيئا...."
ابتسم الكيميائي في ردائه الأبيض مظهرا صفا من الأسنان القبيحة
" اسمع يا هذا، قبل أن تسجد أرضا تتوسل المغفرة و من ثم ترسل لنا من البضائع الجديدة من يرفه عنا، فلا أنت و لا فتياتك ستحصلون على حبة واحدة"
لعب الكيميائي بكرية أرجوانية اللون بين أصابعه، بينما راح بقية الكيميائيين يكتمون ضحكاتهم
" سيدي، لا تكن قاسيا عليه،ألا تخاف أن يعود للإنتقام.... إنه المحارب الذي لا يقهر كما تعلم، هههه"
أعطى أحدهم تعليقا ساخرا و هو يلف و يدور حول جين.
المحارب هو لقب يطلق على المقاتلين الذين لا يستخدمون الهالة الروحية و يعتمدون فقط على قوتهم البدنية.
بالنسبة للأوريس و أنصاف البشر و نظرا لبنيتهم الجسدية فهم يمتلكون عددا كبيرا من المحاربين الذين يحسب حسابهم، لكن بالنسبة للبشر فالمحاربين حتى و لو كانوا محظوظين ليعثروا على طريقة لتعزيز أجسادهم فسيبقون دائما في أدنى سلم الترتيب.
" معك حق، أمثاله لا يتوسلون، ماذا عن تقبيل قدمي بدلا عن ذلك؟"
رفع الكيميائي قدمه اليمنى في إتجاه المحارب الشاب، كان واثقا تماما أنه مهما استفزه لن يرفع إصبعه عليه،فهذه ليست المرة الأولى لهم.
فجميع ضحاياهم سيعاندون في البداية، سيصرخون و يغضبون و حتى سيحطمون كل ما في طريقعم، لكن في النهاية سيرضخون و سيتقبلون واقعهم الجديد.
"سأفعلها.....سأقبل قدمك"
رؤية الوحش الملقب بأقوى المحاربين يرضخ، رسم ملامح قبيحة على وجه الكيميائي المنتشي بشعور التفوق
لكن سرعان ما اتسعت العيون التي كانت مغمضة بفعل الإبتسامة العريضة المتغطرسة و قد انخفضت شفاهه و ارتعشت في خوف
' ما هذا ؟، أهذا حذائي الذي في يده؟'
نظر الكيميائي إلى حذاءه و لم يستوعب أن قدمه لا تزال ترتدي الحذاء إلا في اللحظة التي رأى فيها الدماء تسيل وديانا من تحته.
جسده فقد توازنه ليقع أرضا و الثواني التي كانت تحجب ألم بتر ساقه عن عقله انتهت.
ليطلق صرخة مدوية مزجت بين المفاجأة و الرعب و الألم الذي لا يطاق.
"قدمي.... قدمي...."
صرخ الكيميائي و هو يتخبط كطائر مذبوح.
" لماذا الصراخ، أنا فقط سأقبلها كما طلبت...... لا تخبرني فقط أنها القدم الخطأ"
رمى جين القدم المبتورة و أمسك الكيميائي من ساقه المتبقية، و قد ارتعدت كل خلية من جسده في خوف
"أتوسل إليك..... توقف أرجوك"
ابتسم جين و هو يعصر القدم الثانية التي كسر عظمها تحت شدة قبضته حتى برز عظم الساق من اللحم، و قال مطمئنا
" لا تقل هذا يا رجل، أعطني قدمك أقبلها...."
*آآه...*
سقطت الجثة التي أصبحت بلا ساقين، و راحت عيونه تتفحص البقية الذين قصف الخوف بركبهم فعجزوا عن الهروب، و بالكاد حشدوا ما بقي من شجاعته لمنع مثاناتهم من التسرب
" لا تقلقوا، أنا لم أنساكم.....بعد اليوم لن تحتاجوا نساءا لتسليتكم"