صبغت جدران قاعة العرش البيضاء باللون الأسود نتيجة سخام النيران المتصاعدة و لونت الأرضية بالأحمر نتيجة دماء الضحايا النازفة

القاعة الملكية التي كان بالأمس تسمع فيها أصوات الأحكام و القرارات ، رنت فيها اليوم أصوات الإنفجارات و إصطدام الأسلحة

" اللعنة"

صرخ الملك العجوز متراجعا إثر إصابة ذراعه، رغم تقدمه بالسن لا يزال قويا كفاية ليعلم المهاجمين بعض الدروس لكن السم الذي تغلغل لجسده عبر الجرح، جعله يستهلك معظم طاقته لكبته فلم تبقى له القوة لمواجهة عدة أشخاص في الوقت ذاته.

كشر أحد الظلاميين على إبتسامة شنيعة و أشار بسيفه للملك المصاب

" إنها نهايتك أيها الطاغية"

* آآآه*

دوى صراخ فضيع لكن لم يصدر من فم الملك، بل من الظلامي الذي هاجم و قد إخترق سيف ساقط من السماء صدره

" في اليوم الذي أخرج فيه من عزلتي أجد القصر مليء بالصراصير و في حاجة للتنظيف"

وقف الشاب ذو الشعر الأبيض القصير و الشفاه العريضة بمفرده في وجه خصومه، لكن لا أحد منهم تجرأ أن يتقدم خطوة واحدة، على العكس جميعهم تراجعوا خطوة إلى الخلف، كيف عساهم أن لا يفعلوا و السماء فوق هذا الفتى الذي يحمل لقب ولي العهد أضاءت بعدد لا يحصى من أنصال مختلف الأسلحة

" حفيدي"

لمعت عيون هان تسو برؤية حفيده هان سانغ الذي كان غائبا لشهور، بدى أنه ازداد طولا و اكتسب بعض النضج، و في اللحظة ذاتها شعر بضيق شديد في صدره، لثانية واحدة رأى في حفيده إبنه المتوفي.

لوح هان سانغ بيده ليسقط من الفضاء عشرات الأسلحة بتسارع مخيف و بينما ينتظر صراخ المصابين، رن صوت تصادم المعدن *كلانغ*، كدليل على صد الهجوم.

" ما كان إسم هذه الهيئة، السلاح اللانهائي......"

تقدم ببطئ رجل بعين واحدة رفقة ضخم يرتدي درعا أسودا غطاه من رأسه إلى أخمص قدميه و في يده السيف العريض الذي صد به الهجوم قبل لحظة.

ساو يي أمير المملكة سابق زعيم الظلاميين حاليا ، رفع هذا الأخير إصبعه نحو الأسلحة مواصلا حديثه

"عشرة، عشرون، خمسون..... لا أرى سوى مئة سلاح، و مئة لا تساوي ما لا نهاية"

" ساو يي.."

قبل ان يفتح سانغ فمه، سبقه جده بالحديث مع عيون حمراء من الغضب

" ساو يي.... بلا ألقاب، أين ذهب ولي العهد، سمو الأمير، صاحب الجلالة.... لقد تغيرت كثيرا منذ أصبحت ملكا، في الماضي كنت أكثرهم تملقا لي"

سخر زعيم الظلامين مستمعا بملامح الملك المشوهة من الغضب

" أين هي إبنتي؟"

" لقد أضعتها، صدق أو لا تصدق لقد صادفت مقاتلة مجنونة تبحث عن المكعب الأحمر، عندما رأته في يدي أخذته مني و أخرجت إبنتك منه و حررتها، أما أنا فبالكاد نجوت بجلدي"

" ما هذا الهراء؟، إن لم تسلمني المكعب فسأنتزعه من جثتك الهامدة"

كانت هذه ردة فعل سانغ، فمن الطبيعي أنه لن يصدق حرفا مما قاله، إلا أن ملامح الملك كانت تقول شيئا آخر.

هان تسو يعرف الأمير المخلوع منذ طفولته دون نسيان أنه كان زوج إبنته بالتبني، ساو يي بمقدوره أن يكون مخادعا، مزعجا و ساخرا لأبعد الحدود، لكن حتى في نكاته هو لا يكذب أبدا، و دائما يقول الحقيقة.

" أيها الأمير خليط الدم، هل أنت مشتاق لوالدتك لا داعي للغضب، لقد أحضرت لك بديلا عنها"

كلمة خليط الدم وحدها كانت هجوما نفسيا مدمرا،وسرعان ما أزالت شعور الإرتياح عن تحرر والدته لتصبح ملامح سانغ مشوهة و لا توصف، و قد برزت عروق جبينه كوديان و صوت طحن أسنانه تردد صداه في القاعة.

' هذا اللقيط، لسانه مثل المنشار تماما كذلك الفتى اللعين......'

تشوش عقل هان سانغ لثانية، كان متأكدا أنه يعرف شخصا مزعجا بقدر زعيم الظلاميين، لكنه لسبب ما عاجز عن تذكره.

تنهد هان تسو مكتئبا، فقد وصلت متعة إغاضة الملك و حفيده إلى نهايتها، و حان الوقت للكشف عن خطة إنتقامه النهائية و يشير إلى الضخم صاحب الدرع الخشبي بجانبه

" إنزع الخوذة"

.

.

.

" مسـ......مسـ....مستحييل..... كيف يعقل هذا؟"

شعر أبيض، عيون زرقاء غائرة لا توجد بها أي أثر للحياة، شفاه عريضة، هذه هي صفات الظلامي صاحب الدرع الأسود، و هي أيضا نفسها صفات الفتى هان سانغ.

" جدي... من هذا؟"

سأل الفتى عن الرجل الذي يبدوا نسخة أكبر سنا عنه، لكن الجد لم يقدم أجوبة، و بدلا عنه تدخل زعيم الظلاميين لتعريفه على شبيهه

" أقدم لك الفارس العائد من عالم الموتى، إبن جلالة الملك و والد ولي العهد، الأمير هان تاتسو"

لم تلقى سخرية ساو يي هذه المرة ردة فعل، فعقول من يحدثهم لا تزال مشوشة و عاجزة عن استيعاب ما يحدث

"من...... أها.....جم؟"

بصوت متقطع سألت الجثة في الدرع الخشبي الأسود

"سؤال صعب، هل تذهب إلى الإبن الذي لم تقابله أبدا، أم إلى الأب الذي عزلك و نفاك، ثم أمر بقتلك أنت و زوجتك"

عند سماع سانغ ما قاله زعيم الظلاميين، شعر و كأن خنجرا طعن قلبه، التفت إلى جده و عيونه تصرخ و تطلب منه أن ينفي الأمر و يكذبه

"جـ.....جدي.... ما الذي يعنيه هذا؟، لقد كان إبنك الوحيد يستحيل أن تأمر بقتله؟"

الشيء الغريب حول الحقائق من هذا النوع هي أنه لا يمكن إنكارها، فبعد كل هذه السنوات من الشعور بالذنب و عذاب الضمير، كلمة واحدة كفيلة بأن يفيض الكأس و تظهر الحقيقة على وجهه.

" لماذا لا تجيبني؟، لماذا لا تدافع عن نفسك، لماذا لا تنكر الأمر؟"

الظلام طغى على قلب هان سانغ، مشاعر الطفل الذي عاش منبوذا لكونه هجينا، مشاعر الفتى الذي بذل الدم و العرق ليلقى الإعتراف من عائلته، أحاسيس الشاب الذي عاش حياته في كذبة، انفجرت كلها دفعة واحدة لتتحول إلى نية قتل لا هوادة فيها.

و دون حتى أن يشعر تحركت الأسلحة المعلقة في الهواء وفقا لرغبته نحو صدر جده العجوز

" فلتمت"

عشرات الأسلحة أمطرت على الملك العجوز ، تحت أنظار ساو يي المتوهجة، التي راحت تتخيل جسده الممزق، لكن سرعان ما تغيرت نظرته و خاب أمله

"مطر السهام"

*كلانغ *

عشرات الشرارات تطايرت في الهواء نتيجة صد وابل الأسلحة، بوابل من السهام الضوئية، عيون الجميع حدقت إلى المدخل حيث كانت تقف هيئة روحية لسيدة مع ثلاثة عيون و قوس عملاق في يدها بكل شموخ

" أمير سانغ، أعداءنا هم ذوي الرداء الأسود"

لم يرد سانغ على تعليق هان سول، حدق فقط بوالدته بالتبني و قد أنسته الصدمة أنها كانت أسيرة لدى الظلاميبن و سأل بصوت مخنوق

" هل كنت تعلمين بذلك، هل أنت الأخرى مشتركة في ذلك؟"

رغم أن سؤاله ليس واضحا، إلا أن السيدة الأولى و بعد أن ألقت نظرة واحدة على والدها المصاب و الإبتسامة العريضة على وجه ساو يي رفقة الدمية التي كانت في الماضي أخا لها كان أكثر من كافي لاستيعاب الوضع

"ايدن، إبنتي ...أنقذيني، هذا الفتى أصابه الجنون"

صرخ والدها الملك الذي فقد قوته وأصبح شاحبا نتيجة السم الذي تغلغل جسده في وقت سابق، لكن النظرة الباردة التي رمقتها بها إبنته جعلته يرتجف.

" لقد علمت مؤخرا فقط، و جئت خصيصا لأتكد أنه سينال عقابه..... وفقا للأحكام المنصوص عليها"

" الأحكام!!، أنا لن أنتظر محاكمته، ثأري سآخذه هنا و فورا"

هانغ سانغ، لم يفهم أنها تمنعه عن قتل جده من أجل مصلحته، من أجل أن لا يحمل عبئ قتل فرد من عائلته على عاتقه.

و ذلك متوقع فهو ليس بالشخص المستقر عقليا و عاطفيا، طيلة حياته كانت تصرفاته تدل على مشاكل في شخصيته و نفسيته، و في حالته الآن فإن المنطق و الحس السليم لا تعني له شيئا.

و مع تلويحة من يد سانغ، سيف عملاق حلق في الهواء لينزل على رقبة الملك

*كلانك*

لا أحد يتفوق على السيد الأولى في مهارة السيف، فرغم أنها تقف في نقطة أبعد إلى الملك مقارنة من سانغ، إلا أنها قطعت المسافة في رمشة عين و قطعت السيف العملاق في هجوم واحد

" أيها الفتى، إجمع شتات نفسك.... هل قتل جدك أهم عندك من تحرير والدك؟"

اتسعت عيون سانغ، الآن فقط انتبه إلى الخطأ الذي يقترفه، أحدهم يعبث أمام عينيه بجثة والده، أي جرم أكبر و أفضع من التنكيل بالأموات، و أي إبن سيكون إذا تجاهل ذلك و ملأ رأسه فقط بفكرة الإنتقام

لم تسنح له من قبل فرصة رؤية والده،لكن الآن منحته الحياة فرصة فعل واجب الأبناء نحو أبائهم و دفنه و توديعه بطريقة لائقة.


2020/07/07 · 542 مشاهدة · 1258 كلمة
magicien
نادي الروايات - 2024