*دوووم...دووم.....دووم*
مع أول شعاع ضوء يلمس مدينة أكويليا، استيقظ الناس على صوت قرع طبول الإستنفار، على ضفة النهر الذي يحد المدينة رست سفينة عملاقة و قد رفرف العلم الأزرق الذي يرمز لمملكة الأنهار اللامتناهية على ساريتها.
واحدا خلف الآخر قفز الجنود إلى اليابسة و معظمهم من أعتى المقاتلين و أشدهم بأسا.
على مقدمة السفينة وقفت ساحرة ترتدي عباءة سوداء و قد أخفت القلنسوة ملامح وجهها، مع تلويحة بيدها لمعت دائرة سحر الصوت فتضخم صوتها ليصل إلى كل فرد في المدينة
"إلى الأميرة يوفي و كل من يتبعها،أنتم متهمون بإغتيال ولي العهد تورا تيان و زرع الشقاق بين مملكتنا و مملكة الجزر الطائرة، استسلموا فورا و سنبقي على حياتكم"
غير بعيد عن المرسى في إحدى القصور التابعة للنبلاء، حدقت سيدة جميلة في السفينة مع عيونها الزرقاء الكريستالية التي تناسبت مع اللقب الممنوح إليها
"تخمينك في محله، الملك السماوي سبقنا و أصبحنا نحن الخونة"
التفتت الملقبة بعيون السماء إلى الشاب البدين الواقف لجانبها.
بالأمس، كال مينغ بعد أن أبلغته قديسة اللوتس ليان برسالة صديقه العائد من عالم النسيان،توجه هذا الأخير إلى مقر أميرة مملكة الأنهار و التي هي نفسها إحدى عيونه في منظمة الجوسسة الخاصة به، لينظم إلى قوات المقاومة التي تهدف بإطاحة ولي العهد تورا تيان الذي اتضح أنه في الواقع ليس إلا ملك الجزر الطائرة، و كعادته توقع حركة خصمه الآتية.
"أجل، لكني لم أتوقع أن يكون الأمر بهذه السرعة.... و هذه الوقاحة!!"
إشمأز كال مينغ و هو يحدق برئيسة فرقة الإعتقال التي أرسلت إليهم، ماذا يمكن أن يكون أكثر وقاحة من أن تقود البعثة ساحرة عدوهم.
و كأن الملك السماوي يصفعهم في الوجه و يقول ، المملكة قد سبق و سقطت في يدي.
" أصبحت الآن إمرأة قتلت زوجها"
أطلقت عين السماء تنهيدة طويلة معلنتا تذمرها، ليرد كال ساخرا
" أنظري إلى الجانب الإيجابي، زوجك المستقبلي عليه التفكير مرتين قبل خيانتك"
بصعوبة كتمت الأميرة ضحكتها، ثم طرحت السؤال الأهم
"الملك السماوي، هل سيشارك في المعركة بنفسه؟"
"هو يعتبر نفسه سيدا أعلى و ملكا على البشر، لن يخفض مستواه إلينا.... "
ابتسم كال قبل أن يضيف
" غروره هذا، سيمنحنا الوقت الذي نحتاجه"
"هلا توقفت عن التحدث بغموض، أيها البدين العارف بكل شيء؟"
سأل مقاتل نبيل من أواخر عالم الإنصهار مع نظرة إزدراء في عينيه، لم يرق له مطلقا فكرة أن الأميرة تقوم بإستشارة هذا الغريب من المملكة الأجنبية، بل حتى أنها ودودة معه.
رد كال مينغ مع إبتسامة، و ملامحه تقول، كنت في إنتظار أحدكم أن ينطق لأضع النقاط على الحروف
"سيد هيونغ الموقر،ألا يزال الأطباء مختلفين في تشخيص مرض إبنك؟،والد أحد معارفي و الذي يصادف أنه هو نفسه طبيب الجان الأشهر في مملكة الأوريس، يقول أنه مرض نادر يصيب الأطفال الذي ذويهم من أعراق مختلفة، إذا نجونا من معركة اليوم، فأنا على إستعداد لسؤاله كي يعالجه"
فك الرجل كاد أن يلامس الأرض، مرض إبنه هو سر لا تعرفه حتى الأميرة، بل لا أحد يعرف أساسا أن لديه إبن هجين، قبل أن يستفيق من صدمته كال مينغ كان مستمرا في الحديث
"إذا فاضت أنهار مملكتكم، فإن النجمة السماوية هي من ستغرق أولا"
كلمات كال مينغ وصلت إلى قلوب و عقول الجميع، دياني التي كانت حاضرة شعرت لوهلة أن تأثير كلماته مشابه لقانون الصدق الخاص برفيقها جادو، و ربما هي كذلك فقانون كال مينغ هو الحكمة.
"كلام جميل، لكن هل بمقدور تلميذ خارجي ، بلا لقب التحدث بإسم مملكته؟"
من يكون كال مينغ؟، فتى من العامة صنع ثروة من بيعه للتقنيات نمو متكاملة، و بهذه الثروة أسس منظمة جاسوسية لينشر بذلك نفوذه و يعزز دائرة معارفه لتشمل القارتين، و هذا إنجاز لا يمكن تجاهله و في عيون الجميع هذا الفتى هو عبقري لم يشهد له مثيل في المال و السياسة.
لكن في عالم يحكمه النبلاء بدون لقب نبيل كلمات الفتى العبقري لا تمثل أحدا غير نفسه.
"بالطبع يستطيع"
إلتفت الجميع إلى الصوت النسائي، ليتفاجؤوا بالهالة الصافية الصادرة عن السيدة الشقراء ، و التي بلا شك تعود ساحرة عظيمة
" السيدة زي يون!"
هتف كال متفاجئا، لم يتوقع أن يرى الساحرة الأقوى هنا، فالمملكة خرجت للتو من معركة ضارية ضد الظلاميين و هناك الكثير من الإصلاحات الضرورية و مصابين في حاجة للعلاج.
خلف زي يون كانت كل من لي تشوي و هان سول، هذه الأخيرة كان ملامحها تكشف عن حالها.
هي الأخرى وصلتها رسالة تاي جين، تطمئنها على دو باي، و رغم ثقتها فلا يسعها غير القلق.
فجأة ظهر في يد زي يون صولجان ذهبي، و هو رمز الملك في النجمة السماوية، مع خطى ثابتة تقدمت نحو كال مينغ و في منظر غير متوقع بالمرة انخفضت الساحرة العظيمة على ركبة واحدة و قدمت الصولجان إليه
"سيد كال مينغ، بعد عزل عائلة هان من الحكم و بعد تنازل عائلة تاي عن حقها في الخلافة،بصفتك فردا من عائلة تايمينغ الفرعية و بموافقة من أغلبية نبلاء المملكة و أعيانها تم تعيينك ملكا على النجمة السماوية"
.
.
.
لأول مرة في التاريخ، العقل الأكثر حدة في التاريخ توقف عن العمل، و وجه الفتى الذي حافظ على هدوءه تحت أي ظرف كان خاليا من التعبير و عيونه تحولت إلى نقاط
"هااااا.....ما.....ذا؟....... كيف؟..... متى؟.....أنا!!؟....."
" فقط أمسك الصولجان"
همست عين السماء، و الغاية من كلامها واضحة، فمع المنصب الجديد سيكون بمقدوره تولي القيادة دون مشاكل.
هذه سابقة في تاريخ ممالك البشر، لأول مرة من سيجلس على عرش الملك هو آخر من يعلم،في وسط إرتباكه أمسك كال مينغ الصولجان و عقله يحاول إستيعاب الموقف.
لا عرش دون دعم الأقوياء و النبلاء هذه قاعدة لا نقاش فيها، و من وقف خلف كال مينغ بعد ترشيحه كانت السيدة الأولى التي تسعى لتحقيق وصية أسلافها، و المفاجأة أن الساحر الأقوى و الماجي الوحيد سي مار الذي لم يحاول التدخل في شؤون الحكم سابقا ، أعلن دعمه هو الآخر.
و مع هاتين القوتين صمت المعارضون من النبلاء، في حين ارتفعت أصوات المؤيدين مثل عائلة رفيقته لي تشوي التي استرجعت مكانتها بعد كشف حقيقة الأوريس و رفع تهمة الخيانة عن أخيها.
" أيها البديـ.....جلالتك، سألزمك كلماتك و سنزور الأوريس معا"
النبيل هيونغ، ذكر كال مينغ بوعده لرؤية طبيب الجان، و هذا أعاد له تركيزه و قد استعادت عيونه عمقها و ذكاءها
مهما كانت هذه الصدفة الجنونية الغير معقولة التي رفعت شخصا ليس حتى طالب أساي في معهد السحر و الفنون القتالية إلى رتبة ملك فعليه أن يستغلها، فهو الوحيد الذي يمتلك من المهارة و الحنكة لمواجهة أطماع الجزر الطائرة
" لكن أخبرنا، لقد ذكرت أن عدم مشاركة الملك السماوي سيمنحنا بعض الوقت، فماذا سنفعل بهذا الوقت؟"
لمعت عيون كال عن ثقة لا تهزها الشدائد، و قد اكتسى بهالة من النبل الذي عرف عن سلالته
"الإنتظار......"