أكويليا، المدينة التجارية الأشهر و المعروفة بضجيجها الذي لا يفارقها ليلا و لا نهارا، أصبحت ساكنة كمدينة الأموات، و قد فر سكانها قبل ضيوفها مبتعدين عن ما سيتحول قريبا إلى ساحة معركة.

بكل عزم و ثقة تقدمت قوات المقاومة التي فاق عددهم المئة بقليل لمواجهة الخصم الذي يبلغ ضعف عددهم.

رغم الغصة التي يشعرون بها في قلوبهم ولاءهم و حبهم لوطنهم أصبح تمردا و خيانة، إلا أنه و للأسف لا مهرب من الواقع المر ،سنوات من الحكم تحت اسم تورا تيان جعلت الملك السماوي يفرض سيطرته على القصر الملكي، و قد أصبحت الكلمة كلمته و القول قوله.

و حتى إن كان من بين قادة القصر الملكي من يعرفون حقيقته، فلن يحاولوا خيانته خوفا من بطشه أو طمعا في الحكم تحت اسمه.

" هؤلاء ليسوا جنودا من مملكتنا؟"

همس أحد المقاتلين مع صوت ينم على نصف سعادة كونه لن يقاتل أبناء مملكته، و نصف خوف كون خصومهم بالفعل أشداء.

مع وجود ساحرة العظيمة زي يون، و كال مينغ الذي شرح آلية عمل قانون الحكمة خاصته ارتفعت معنوياتهم قليلا، لكن لا يزال الخطر قائما، ففي اللحظة التي سيتدخل فيها الملك السماوي ستنقلب الأوضاع للأسوء.

" إذا كل من سي مار و نويان، غادرا المملكة، توقيتهما غريب بعض الشيء ؟"

سأل كال مينغ، راجيا أن تمتلك زي يون الجواب

" سي مار ذهب لرؤية عائلته، بعدها عليه أن...."

صمتت زي يون لحظة، ثم أضافت

" نويان لديه مشاغله، لكن لا تقلق كل شيء سيكون على ما يرام"

إبتسامة زي يون لم تقنع كال واضح جدا أنها تخفي شيئا ما ، أمر سي مار بالذات مثير للريبة إنه دائم الإختفاء و لا أحد يعرف السر خلف ذلك.

" إنهم ضعف عددنا، و كلهم من عالم الإنصهار ..... إنهم نمور بين المقاتلين"

لاو ميني تمتمت مع جسد مرتجف، و ليست الوحيدة المتوترة فرفاقها ليسوا بأفضل حال، في النهاية هذه أول حرب سيخضونها، بإستثناء الفتى القصير فعقله كان مشغولا بشيء آخر

" جلالتك.....حضرتك....فخامتك........ اممم،لا لا... قداستك تبدوا أفضل"

" كيرا، ما مشكلتك؟"

"دياني، أنا في ورطة، بعد أن أصبح كال مينغ ملكا فعلي أن أخاطبه بإحترام، لكني لا أرغب أن أخاطبه بلقب أفخم من لقب سيدي جين ، أتعتقدين أن لفظ قداسته مناسب للملوك"

بجانبه كان كل من شيرو و تابو يمسكان رأسيهما، كيرا أساسا بنصف عقل و منذ إسترجاعه لذكرياته تبخر هذا النصف و حديثه اقتصر على سيدي يفضل هذا، و سيدي سيفعل ذاك.

" كيرا....."

مع هذه الكلمة تغيرت ملامح دياني، توقع تابو و شيرو أن تنفجر هذه الأخيرة في غضب، فمن العاقل الذي يفكر في أمور كهذه و هم على وشك خوض حرب خاسرة

" أيها الأحمق كال مينغ هو مجرد ملك، فكيف تلقبه بقداسته، لقب القديس لا يليق إلا بسيدتي ليان، أما السيد جين فهو أعلى قدرا و مكانته تجاوزت السماوات"

" السماوات..... سيد السماوات، دياني أحسنت الإختيار"

حدق تابو، شيرو و ميني بعيون غير مصدقة، و كذلك فعل أعضاء من المقاومة الذين سمعوا نقاشهما و راحوا يتساءلون

" ما خطب هؤلاء الفتية، و من سيد السماوات هذا؟"

وصل فصيل المقاومة إلى المرسى، و بالطبع في الجهة المقابلة وقف خيرة جنود مملكة الجزر الطائرة مع كامل عدتهم، و قد زينت أجسادهم أفضل الدروع و حملوا في أيديهم أقوى الأسلحة حتى الأسلحة المقدسة كانت حاضرة.

وصف لاو ميني لهم بالنمور كان خاطئا، مع معداتهم أصبح للنمور أجنحة.

" لا يبدوا أن السماوي هنا؟"

تحدثت عين السماء أو الأميرة يوفي مع بعض التفاؤل عندما لم تستشعر هالة الملك السماوي ،رغم عدم قدومه ينم عن عجرفة واضحة،فهو يريد القول أن ليس من بينهم من سيجبره على المشاركة لكن ذلك أفضل.

" المرسى أصغر من أن يكون ساحة معركة، ستتضرر المدينة على هذا النحو"

أبدت الأميرة يوفي عن قلقها ، أكويليا هي القلب النابض للمملكة و المدينة الوحيدة التي لا تزال خارج سلطة الملك السماوي، لو سيكون ثمن الفوز هو خسارتها فهذا لا يمكن اعتباره فوزا.

" ليست مشكلة فلنوسع المكان، و نشكل حاجزا من المانا"

بكل بساطة إقترحت زي يون الحل، و بدأت في تنفيذه، مع تلويحة من يدها ظهرت دائرة سحرية عملاقة في الهواء و يحيط بها ثلاثة دوائر أصغر حجما.

نجوم لازوردية لا تحصى تجمعت حول الدوائر قبل أن تتكاثف معا و تصنع حاجزا دفاعيا لحماية المدينة، لكن الآمر لم ينتهي عند هذا الحد ، فجأة شعر الجميع بالفضاء يتشوه و يتمدد، و المسافة بينهم و بين سفن الأعداء أخذت تتزايد و تتوسع، المرسى الذي تبلغ مساحته عشرات الأميال أصبح يفوق مئات الأميال المربعة

" سحر الأبعاد!، تلك الشقراء ليست بالهينة "

تعابير ساحرة الأنهار كانت جادة، و لم تتوقع أن آخر شخص انضم لصفوف العظماء لديها المقدرة على تنفيذ سحر الأبعاد المعقد.

زي يون الأخرى استشعرت نظرات خصمها الباردة

" سأمنع ساحرتهم، حظا موفقا مع البقية"

ببطئ ارتفع جسد زي يون لتحلق في الهواء، لمعت دائرة سحرية و ظهرت دودة عملاقة ترابية، فمها مثل آلة للطحن بها عدد لا يحصى من الأسنان، لو أفلتتها على جيش الأعداء فستفرق صفوفه و تبعثر تشكيلته

" ما هذا التشكيل البشع؟"

صوت نسائي تحدث مباشرة إلى رأسها، قبل أن تلمع دائرة سحرية و يقفز منها أخطبوط مائي، شفاف اللون، و بمجساته الثمانية إلتلف على الدودة الترابية يحاول سحقها و تحويلها إلى طين.

" يا رجال إنه دورنا، اليوم سنكتب أسماءنا في التاريخ بدماءنا و لن يأخذ أحد شبر من أرضنا إلا على جثثنا"

صرخ كال مينغ و قفز جنود المقاومة لينقضوا على خصومهم.

__________

ارتفعت أصداء المعركة، لمعت أنصال السيوف و صليل إلتقاء الأسلحة يسمع في كل مكان، تصاعدت الهالات و تفجرت القوانين على ساحة النزال من البرق و النار إلى الأرض و الماء فاهتزت الأرض التي صبغت بالأحمر تحت أقدام المقاتلين.

و رغم أن جنود الجزر الطائرة كانوا الأكثر عددا و مدججين بأفضل العتاد، لم يتراجع من تسلحوا بالشجاعة ذودا عن وطنهم

* وووش*

" أين هم الرماة ؟ ، لماذا لم يجدوا حلا لهذه السهام؟"

صرخ أحد قادة الملك السماوي ، و قد صارت القشعريرة تنتابه في كل مرة يسمع فيها صوت السهام و هي تخترق الهواء، كيف لا و في كل مرة يقترب منهم سهم إلا و أصابت أحدهم من نقطة عمياء ، حتى الذين يرتدون دروعا تغطي كامل أجسادهم لم يسلموا، و وصلت السهام إلى الأماكن المكشوفة كالفراغات الموجودة بين المفاصل ، و كأن هذه السهام لها عيونا خاصة بها.

و فوق كل هذا لم يتمكن أحد من تحديد مكان رامي السهام الخارق، صحيح أن القوس هو سلاح بعيد المدى لكن هذا الرامي تجاوز المنطق السليم ، و هو يرمي من نقطة أبعد من مدى البصر.

على سطح أحد المباني التي تبعد عن ساحة القتال بعشرات الأمتار، فتاة جميلة مع شعر أزرق ينساب إلى الخلف مع الرياح، أفلتت سهما لينطلق بسرعة الصوت و معه أطلقت تنهيدة تذمر، محدثة رفيقتها الساحرة ذات الشعر الأسود

" أهذا جزائي لدعم كال مينغ كي يصبح ملكا، يمنعني عن القتال و يرميني في الخلف لمهمة الدعم"

' لو كنت في الصفوف الأولى، فلن نضمن أن لا تتهوري و تهاجمي الملك السماوي إنتقاما لدو باي'

هذا ما خطر في بال لي تشوي كجواب، لكنها لن تجرؤ على البوح به، فراحت تكرر كلام كال مينغ

" مع قدرة هيئتك البصرية، و سحر التعزيز خاصتي ، سنزعزع وحدة الأعداء و نضمن الفوز، في الوقت نفسه نحافظ على طاقتنا إستعدادا لأي طارئ"

"أنت فقط تكررين كلام الملك البدين"

2020/07/11 · 592 مشاهدة · 1147 كلمة
magicien
نادي الروايات - 2024