بخطوات بطيئة مشت هان سول في الظلام محتضنة البيضة، بعد خروجها من الشق البعدي وجدت نفسها داخل قاعة فسيحة مزينة بتماثيل مختلفة الأحجام لكائنات متنوعة، و صناديق زجاجية احتوت على أدوات و تحف نادرة، كان المكان أقرب إلى المتحف.

الشيء الوحيد الحي، هو الطائر الأسود الجاثم على عمود رخامي

" دو باي"

صرخت سول راكضة إلى حيث استلقى خطيبها الأسمر، جسديا لا أثر لأي جرح عليه لكنه يعاني من الحمى، و هالته الروحية كانت في فوضى و غير مستقرة.

" لا تقلقي، سيكون بخير"

تحدثت لونا باي، و أشارت إلى دائرة سحرية كانت أعدتها سابقا

"ضعي البيضة بالمركز، سحر الترويض سيسمح لجنين الغريفيث الذي بداخلها أن يتغذى على هالة دو باي،في حين سيمنحه جزءا من طاقة حياته لتعزيز هيئته"

شرحت لونا بإقتضاب الأمر، في النهاية هي ساحرة متخصصة في الترويض، و تعرف ما تصنعه

" شكرا، أنت تماما كما وصفك .... أخت مثالية"

أشاحت لونا بوجهها و قد أحرجتها كلماتها، فالحقيقة أن المثالية لا تناسبها، فكلما التقت بأخيها إلا و تشاجروا، و عندما يحاول مراضاتها أو يقدم لها الهدايا فبدلا عن شكره تقوم بلكمه أو ركله.

" هو الأخ المثالي، الذي يحب و يفهم أخته صعبة المراس... ألست مستغربة أمري، يفترض أنني لا زلت طفلة"

أخت دو باي في التاسعة فقط، و رغم هذا ها هي أمامهم و قد قاربت العشرين من عمرها، تلك هي إحدى تناقضات السفر في الزمن، و أي شخص سيرى هذا سيرتبك و يختلط عليه الأمر، لكن سول أخذت الأمر ببساطة و علقت بالقول

" للتو كنت سأقتل على يد أسطورة قادمة من عالم الخالدين، ظهور فتاة من المستقبل لم يعد يذهلني، كما أننا تقابلنا من قبل في مجال الأعشاب"

" امم، عادة لا يتم تقبل فكرة المستقبل "

"ذلك لأن هيئتي لديها ميزة مشابهة...... إنه يتصبب عرقا، حرارته ترتفع"

سألت سول في قلق، لتجيبها لونا مطمئنة

" هذا متوقع، استخدمي الكمادات لتخفيض درجة حرارته "

نفذت سول الأمر و هي تنظر إلى وجه دو النائم،جال في خاطرها،ذكرى من زمن مضى لم تعشه فرسم على محياها إبتسامة دافئة و جعل دموع الحزن تنزل من عينيها في الوقت ذاته

" أتعلمين كيف وقعت في حبه؟، هيئتي الروحية جعلتني أرى المستقبل الذي حذف من نهر الزمن، رأيته يضحي بنفسه لإنقاذي، و رأيته مرة ثانية يضحي بشبابه و مستقبله للإعتناء بي و علاجي....."

اختنقت كلمات الفتاة مع دموعها قبل أن تضيف

" لماذا؟، لماذا نهر الزمن قاسي علينا بهذا الشكل؟"

" نهر الزمن ليس لديه شيء ضدك، إنها طبيعة......."

* بف بف بف بف*

قبل أن تكمل لونا باي كلامها، صاح الطائر الأسود بصوت مرتفع مرفرفا بأجنحته

" أنت أيتها الزرقاء الحزينة صاحبة تلك الهيئة اللصة المتطفلة المزعجة ذات العيون الثلاث"

قفزت هان سول في رعب و راحت تشير إلى الطائر والأسود غير مصدقة ما تسمعه

" إنه.....إنه....إنه يتكلم "

" بف،بف،بف..... أخبري هيئتك الروحية اللصة المتطفلة ذات العيون الثلاث، أن خطوط الزمن ليست للتسلية و الترفيه، أنا لا أقدم برنامجا تلفزيونيا "

أبدى سفاري إعتراضه على هيئة سول الروحية، هذه الأخيرة لديها القدرة على الرؤية من خلال نهر الزمن، و هي من جعلتها ترى المستقبل المندثر، كما جعلتها ترى ماضي تاي جين و ليان.

"إنه....يتكلم"

كانت الفتاة لا تزال تحت تأثير الصدمة،هيئتها الروحية سيدة القوس و التي على ما يبدوا لم ترقها شكوى الطائر و تذمره ظهرت دون إستدعاء

* حفيف*

لم يكن للهيئات الروحية لسان يتحدث هي فقط تصدر أصواتا و سيدة القوس صوتها عبارة عن حفيف أشجار، لكنه لم يكن ليشكل عائقا للطائر سيد الزمن

"بف، بف،بف ماذا تعنين بأنني أبالغ، أنت تتدخلين في عملي ....."

* حفيف*

" بف، بف، بف،حتى و إن كنت لا ترين المستقبل، أنت ترين الماضي و الخطوط الزمنية المندثرة و تلك أسرار تم إستئماني عليها...... "

تحت أنظار هان سول استمر الشجار الغريب، و استلزم الأمر بعض الوقت لتستوعب الأمر

" إنه الطائر المقدس.... الطائر المذكور في التاريخ، أنت حليف أشتيريا!؟"

"بف،بف، بف.... أشتيريا المقصود في التاريخ، ليس نفسه من تواجهون حاليا، إنه شخصيته الثانية"

"شخصيته الثانية !"

" أجل، أشتيريا يعاني من انفصام في الشخصية"

=======

في مرسى مملكة الأنهار، و في لحظة أعاد فيها التاريخ نفسه وقف سيد الكرة العظيم ضد أشتيريا، في معركة ستحدد نتيجتها مستقبل البشرية

" آخر مرة كنت أنت من تحاول سحق تلك الحشرات، أتذكر ما قلته لي يومها؟"

سأل أشتيريا و أجاب عن سؤاله

" لقد قلت أنهم سيغدرون بي و سيطعنوني في ظهري، و قد صدق قولك"

" أتذكر ذلك، لكنك تعرف أنني لست سيد الكرة الذي تتحدث عنه"

"أجل، أنت شخص مختلف على الأقل سيد الكرة الذي أعرفه لم يكن ليحاو أن يلعب دور البطولة و يحاول إنقاذ الجميع"

" في الحقيقة أنا لا أهتم سوى بعائلتي و رفاقي، و هم لديهم بدورهم أشخاص آخرين يهتمون بهم و هكذا دواليك ،بطريقة ما اتسع عدد الذين يجب أن أحميهم ، لكن و للأمانة لا أنا و لا هم يعرفون شخصا من مملكة الجزر الطائرة، لذلك تستطيع أن تحطم المملكة و تقتل شعبها حتى يرضى قلبك و تشبع شغفك، فلا مانع لدي"

لم يجد أشتيريا أمام هذا المنطق الملتوي إلا أن يبتسم ضاحكا، في الوقت ذاتها كان الملك السماوي الذي سقط سابقا قد استعاد وعيه وسمع كل الحوار فراح يصرخ في الشاب الذي اقترح التضحية بمملكته

" ما الذي تقوله أيها المأفون، أتضحي بمملكتي و أنت أساس البلاء؟"

أمال جين رأسه محدقا بالرجل الذي يصرخ في وجهه

"كيرا،من متورم الوجه الذي يصرخ علي؟"

" إنه ملك الجزر الطائرة سيدي، و يلقب بالملك السماوي"

" هاااا، أنت هو ذلك الأحمق الذي حاول حذفي من الوجود؟"

" أجل أنا من فعلت ذلك،جاء في النبوءة أن أفعالك الجنونية ستجلب الدمار و أنا كملك أديت واجبي"

نبرة الملك دلت على قناعة تامة بأنه فعل الصواب، و هذا جعل جين يرفع حاجبه و كأنه يشاهد شخصا مجنونا،و راح يهز رأسه سائلا

" ما قصدك بالدمار الذي سأجلبه؟"

" ألا زلت تسأل، أنت من حررت أشتيريا من ختمه"

"و أنت من حاول سرقة زوجته!؟"

صدم الجميع غير مصدقين،أشتيريا كان مختوما و جين هو من حرره

" نسيت أن أشكرك على ذلك "

شكر أشتيريا أكد كلام الملك السماوي، أحس جين أن عيون رفاق تخترقه في لوم و تأنيب، فالتفت يخدش رأسه

" لا تلوموني، زوجته قدمت لي في مقابل كسر ختمه سعرا لا يمكنني رفضه"

أخرج جين من مكعبه كتابا ضخما ذو غلاف ذهبي، برؤيته حتى أشتيريا شهق في غير تصديق

" مستحيل، هذا الكتاب......"

الشيء الذي بمقدوره جعل عيون أشتيريا تتسع ليس مطلقا بالعادي، و هذا ما جعل فضول الجميع يصل إلى أقصى حدوده، مفكرين ما هذا الكتاب الذي يجعل أحدهم يخاطر بفناء العالم للحصول عليه .

عيون تاي جين لمعت من الحماس و راحت يده تتحسس ببطئ على الكتابة المحفورة ليقرأها بصوت مسموع و بنبرة بطيئة

** الطرق.... السرية .... لتحضير ...الأطعمة..... الأسطورية، بقلم الطباخ الأول أشتيريا**

.

.

.

.

وجوه الجميع كانت شاحبة كالأموات و عيونهم قد تحولت إلى نقاط، حتى الملك السماوي فقد هيبته و سقط فكه السفلي ليلامس الأرض.

" ذلك الكتاب هو عصارة تعبي و مجهودي، لكن وصفاته ليست سهلة التحضير"

تحدث أشتيريا مفتخرا بكتابه، ليجيبه عاشق اللذة و المأكولات الشهية

" محبوبتي ليان طباخة موهوبة، لن يصعب عليها شيء"

بعيدا عن المناقشة الودية بين الأساطير، كان رفاقه عاجزين عن الكلام، غيابه الطويل أنساهم عادات جين الغريبة.

" كتاب ......طبخ!!"

ملامح الملك السماوي كانت سخيفة للغاية، عقله لم يستوعب ما يحدث، أو الأصح رفض أن يستوعب

" هذا متوقع من الشخص الذي أحدث مجزرة من أجل لحم ثور الجبل"

كلمات الساحرة زي يون، أيقظت الملك السماوي من ذهوله لينفجر في غضب

" من أجل كتاب سخيف، قمت بتحريره، المتنبئة ذكرت انك مجنون، لكن أفعالك فاقت كل جنون"

بسماع كلماته، تغير تعبير تاي جين، البرود الذي ظهر في عينيه جعل الملك السماوي يرتجف

" النبوءة!!، أتسمي ساحرتك الحمقاء التي تتطفل على نهر الزمن لسرقة ومضات منه متنبئة، إذا أجبني لا شك انك تعرف أن نهر الزمن تغير مجراه منذ مدة وجيزة فكيف يمكن أن ترى المستقبل و نهر الزمن لم يستقر بعد؟"

" ماذا؟"

"سأشرح لك ماذا؟، ساحرتك الحمقاء رأت واحدا من الإحتمالات المستقبلية و من غباءها ظنت أنها الإحتمالية الوحيدة، و الحالة التي نحن عليها الآن و الخطر الذي يهدد البشرية أنت السبب فيه"

2020/07/13 · 600 مشاهدة · 1292 كلمة
magicien
نادي الروايات - 2024