السنة: 9990 من العصر الرابع – إمبراطورية فاليريا – بارونية داركلين

عمر زيريوس: ست سنوات وبضع أيام

☀️ إشراقة مختلفة

لم يكن صباح ذلك اليوم كغيره.

رغم أنّ الشمس لم تكن قد ارتفعت كثيرًا فوق تلال سيلفاريون، فإنّ قلعة داركلين كانت تضجّ بالحركة.

صفوف الخدم انتشرت في الممرات، يحملون قطع القماش المطرزة، ينفضون الغبار الوهمي عن الأرائك، وينظرون بقلق إلى الساعات الرملية المنتصبة في الزوايا.

في الساحة الخارجية، الجنود كانوا يقفون في تشكيل غير عسكري.

لم يكن تمرينًا، بل ترقّبًا... ترقّبًا لصباحٍ قد يُغيّر ملامح البارونية لعقود مقبلة.

أحد الخدم تمتم وهو يُعدّل أزرار قميصه:

"إنه يوم التقييم… حجر المواهب… هل تتخيل لو أظهر لونين؟ أو أكثر؟"

ردّ عليه زميله بقلق:

"اسكت! ليس لنا أن نتكهّن. لا أحد يتحدث عن ألوان الورثة."

حتى الطهاة في المطبخ الكبير أعدّوا مائدة طعام لم تُقدَّم منذ شهور.

بيض مطهو على الفحم، لحم مملّح مطهو ببطء، عسل سدر نقي، وخبز ساخن أُخرج توا من التنور الحجري.

كان يومًا يستحق الطعام الجيد... أو هكذا ظنوا.

👑 العرش الحجري ينتظر

في القاعة الكبرى، التي كانت تعجّ بالبرد الصخري رغم الحرائق المشتعلة على الجوانب، جلس البارون ماركوس داركلين على عرشه الحجري الرمادي.

لم يكن مرتاحًا. يده اليمنى كانت تقبض على مقبض العرش المعدني، وعيناه تراقبان المنصة الخشبية الوسطى، حيث وُضع صندوق أسود مزخرف بخيوط ذهبية.

الصندوق نفسه كان قد أُخرج من الخزنة الداخلية للقلعة هذا الصباح…

بدا كأنّه قطعة مقدّسة، تحوي شيئًا أكبر من أن يُفهَم.

إلى جواره جلست زوجته، الليدي روزاليا، بملامح هادئة متماسكة، وإن لم تُخفِ التوتر في أناملها المرتجفة قليلًا فوق ذراع المقعد.

في أقصى الزاوية من القاعة، جلس العجوز داريوس داركلين، الجدّ الأعلى، المتكئ على عصاه، يرمق الحجر بنظرة خالية من الحماس… أو هكذا بدا لمن لا يعرفه.

قال ماركوس بنبرة منخفضة وهو ينظر إلى الحجر:

"قطعة من البلور… تكلفتها تعادل قافلة كاملة من الذهب… ومع ذلك، لا تُستخدم سوى مرة."

أجابت روزاليا بعد لحظة صمت:

"لكن تلك المرة… كفيلة بتحديد كل شيء."

لم يكن الحجر مفعّلًا بعد، بل ظلّ ساكنًا داخل الصندوق، مثل قلب ينتظر النبضة الأولى.

🧱 الزينة الصامتة

الجدران الحمراء للقاعة زُيّنت اليوم بأعلام العائلة:

رمز الفهد الأسود المتقافز فوق ريح رمادية.

وقد أُطفئت كل الشموع الزائدة، واستُبدلت بمصابيح بلورية داخلها نيران سحرية خافتة، تمنح القاعة جوًا من الرهبة أكثر من الفخامة.

لم يُسمح لأحد من النبلاء من خارج القلعة بالحضور.

هذا الحدث، رغم أهميته، ظلّ أمرًا عائليًا خاصًا… بقرار ماركوس.

قالت روزاليا بصوت خافت:

"هل تعتقد أنه… مستعد؟"

ردّ الجد الأعلى دون أن ينظر إليها:

"السؤال ليس إن كان مستعدًا… بل إن كنا نحن مستعدين لما سيُظهره."

هدأت القاعة.

حتى اللهيب في المصابيح البلورية بدا وكأنه خفّ توهجه فجأة، كما لو أنّ الهواء ذاته حبس أنفاسه انتظارًا لما سيأتي.

أشار ماركوس بإيماءة بطيئة نحو الصندوق، فقال للحارس الواقف إلى جانبه:

"افتحه… بعناية."

تقدّم الرجل بخطوات ثقيلة، ثم حرّك المزلاج المعدني، فصدر صوت طفيف، تبعه انفتاح الغطاء.

بدا الحجر... قطعة بلور كروية ذات سطح أملس، قطرها لا يزيد عن شبرين.

لكنها لم تكن عادية. في أعماقها، كان هناك ضوء خافت ينبض ببطء، يشبه قلبًا صغيرًا يحاول أن يستيقظ.

قال أورن غراي، الذي حضر كمراقب رسمي:

"الحجر سليم. لم يُستخدم من قبل، وسحر التقييم داخله ما يزال نقيًا."

أومأ ماركوس دون كلام، ثم التفت نحو ابنه.

👣 خطوات صغيرة... وثقيلة

من الطرف البعيد للقاعة، تحرّك زيريوس.

الصبي الذي لم يُكمل عامه السادس بعد، ذو العينين الرماديتين الهادئتين، والشعر الداكن الذي يُحاكي لون السماء قبيل العاصفة، مشى بخطى متزنة نحو الحجر.

كان يلبس رداءً بسيطًا من الحرير الداكن، مُطرّز بخيط فضي عند الحواف، وقد رُفع طرفه حتى لا يُعطّل مشيته.

لم يكن خائفًا… لكنه لم يكن واثقًا أيضًا.

كان ببساطة… مدركًا لأهمية اللحظة.

همست روزاليا دون أن تلتفت:

"قلبي… لا يتوقف عن الخفقان."

أجابها ماركوس بهدوء:

"هو الذي يُختبر… لا نحن."

وقف زيريوس أمام الحجر، متأملًا بضع لحظات.

لم يُصدر صوتًا، ولم يطلب توجيهًا. بل رفع كفّه اليمنى… ووضعها برفق على البلورة.

بمجرد أن لامس سطحها، بدأ التوهّج.

🔷 الضوء الأزرق

أول ما ظهر… كان خيطًا من اللون الأزرق النقي.

انطلق من مركز الحجر، كنبض قلب فجائي، ثم امتدّ في خطوط ملتفّة كدوامة مائية راقصة.

لم يكن أزرقًا باهتًا، بل نقيًا، صافيًا، مشعًا دون أن يُؤذي العين.

قال أورن غراي على الفور:

"سحر أزرق نقي… درجة متقدمة."

ردّت الليدي فيرينا، التي كانت تقف خلف الأعمدة:

"صفاء اللون يعني التحكم العالي… إنه موهبة راقية، خصوصًا في هذا السن."

ثم ما لبث الضوء أن بدأ ينسحب قليلًا نحو الأطراف… ليظهر بعده لون ثانٍ.

🟢 الضوء الأخضر

من الحواف، بدأت دوائر خضراء مضيئة تظهر ببطء، ثم امتزجت بالأزرق في رقصةٍ متناغمة.

كان اللون الأخضر قويًا… لا داكنًا ولا باهتًا… أشبه بلون ورقة تنبض في أول الربيع.

دارت الخطوط الخضراء حول الدوائر الزرقاء، كأنها تطوّقها، تُساندها… لا تتحدى.

قال الجد الأعلى بصوت خفيض:

"موهبة مزدوجة… جسدية وسحرية."

أضاف أورن غراي:

"الأخضر هذا يشير إلى جسدية من النوع المتوسط. تناغمه مع الأزرق نادر، لكنه لا يُسبّب اضطرابًا. هذا… توازن جيد."

أومأ ماركوس ببطء. لم يتكلم.

🐾 ظهور الجسد – فهد الرياح

ثم، وسط الحجر، بدأ يتكوّن شبح ضوئي.

بدا كأنه ظلّ حيوان… يجري… ثم يقف… ثم ينطلق مجددًا.

مع كل حركة، كانت خطوط بيضاء شبيهة بالرياح تدور حوله.

شاهد الجميع بوضوح أن الحيوان ليس كلبًا، ولا ذئبًا، بل أقرب إلى فهد رشيق، يتحرك بانسيابية لا تصدر صوتًا.

قال الجد الأعلى، بصوت خافت لكنه قاطع:

"جسد خاص… فهد الرياح."

شهقت روزاليا دون أن تشعر.

أما زيريوس… فظلّ صامتًا، كأن الضوء لم يُبهره، وكأنّ ما ظهر… ليس غريبًا عليه.

⚖️ انطفاء الضوء

ظلّت الألوان تدور لبضع لحظات، ثم بدأ كل شيء يخفت تدريجيًا.

الضوء الأزرق انسحب ببطء، وتبعه الأخضر، حتى عاد الحجر كما كان: كتلة ساكنة، شفافة، صامتة.

سحب زيريوس يده… ثم انحنى انحناءة صغيرة تجاه والده… وعاد للوراء.

لم ينبس بكلمة.

في اللحظة التي انسحب فيها الضوء من البلورة، تقدّم أورن غراي بخطوات مدروسة، وفتح دفترًا جلديًا صغيرًا كان قد أعدّه مسبقًا.

أخرج ريشة سوداء من جيبه، وغمسها في محبرة محمولة عند خاصرته، ثم بدأ يدوّن بصوت عالٍ، وكأن كلماته كانت مرسومة للزمن أكثر منها للحاضرين:

"بتاريخ اليوم، السادس عشر من شهر الحصاد الثاني، السنة 9990 من العصر الرابع، وفي قلعة داركلين التابعة لإقليم سيلفاريون – مملكة فاليريا، تم إجراء تقييم المواهب والجسد للوريث الرسمي لعائلة داركلين، زيريوس بن ماركوس."

"النتائج كما يلي:

– الموهبة: مزدوجة.

– النوع السحري: أزرق نقي – تصنيف متقدم.

– النوع الجسدي: أخضر مضيء – تصنيف متوسط.

– الجسد: جسد خاص – متوسط المستوى – معرف بـ(فهد الرياح).

– مستوى التوافق العام: ممتاز."

أغلق أورن دفتره، ورفع رأسه نحو البارون ماركوس:

"سيدي… سيتم إرسال نسخة مختومة إلى مجلس المواهب في العاصمة الفرعية خلال ثلاثة أيام، بموجب التقاليد."

أومأ ماركوس ببطء، ثم قال:

"لا تُرسلها عبر البريد العام… استخدم قافلتنا الخاصة."

🤝 المواقف الصامتة

الليدي فيرينا، التي نادرًا ما تُبدي حماسة، قالت بهدوء:

"نتائج متّزنة… لا تثير ريبة، ولا توحي بضعف. موهبة مزدوجة مع جسد خاص… هذا يكفي لأن يُثير انتباه المدارس النبيلة الكبرى."

ردّت روزاليا دون أن ترفع رأسها:

"سيتحركون… لا محالة."

اقترب الجد من الحجر، نظر إليه نظرة طويلة، ثم قال:

"لقد نجا من أن يكون براقًا أكثر من اللازم… وهذا فضل."

رمقه ماركوس بنظرة فاحصة:

"أتعني أنك توقّعت أكثر؟"

هزّ العجوز رأسه:

"لا… لكنني خفت أن يظهر أكثر."

🧠 تأمل البطل

في الزاوية الخلفية للقاعة، جلس زيريوس على مقعد منخفض، وحده، ويداه الصغيرتان فوق ركبتيه.

لم يكن في عينيه خوف، ولا حيرة.

بل كان هناك شيء آخر... شيء لا يُشبه الأطفال.

تأمّل كفّه، التي لامست الحجر قبل قليل، وكأنّه يتفحّص أثرًا غير مرئي.

قال في نفسه:

"هذا هو…"

لم يُكمل الجملة. لم يكن بحاجة.

عرف الآن أنّ طريقه بدأ.

بهدوء… بلا صراخ… بلا وعود خارقة.

ما زال لا يفهم الكثير… لكن شعورًا غريبًا راوده.

شعور كأنّ شيئًا في داخله... قد استيقظ.

أمر ماركوس بإعادة الحجر إلى الصندوق، وإقفال المزلاج بختم العائلة الرسمي.

قال للحارس:

"لن يُستخدم مجددًا. أعده إلى الخزنة الحديدية."

ثم التفت نحو الجميع:

"انتهى التقييم. من هذه اللحظة… نبدأ الفصل الثاني من إعداد وريث داركلين."

غادر الحضور بهدوء، بعضهم يهمس، وبعضهم صامت، لكن الجميع أدركوا أنهم شهدوا شيئًا لا يُنسى.

وبينما انطفأت ألسنة النيران السحرية تدريجيًا، بقي نور خافت على وجه الطفل الجالس وحده، كأنه لم يغادر المشهد بعد.

بعد أن انفضّ الجمع من القاعة الكبرى، لم يتبقَّ فيها سوى صدى الخطوات ودفء الحطب المتبقي في المشاعل.

جلس البارون ماركوس وحده أمام العرش الحجري، وقد أزال رداؤه الثقيل، وبقي بلباس داخلي بسيط من الصوف، كما لو أنّ عبء المظهر الرسمي كان أثقل من عبء السلطة.

في الزاوية، انسلّ الخادم راوند بهدوء، وانحنى دون أن ينطق.

"هل وصل التقرير إلى آيرا؟"

سأل ماركوس، وهو لا ينظر إليه.

أجاب الخادم بصوت خافت:

"نعم، يا سيدي. تم إرساله مشفّرًا عبر قناة الظلّ الثالثة. قائدة العيون العشر بدأت في تقييم تأثير الخبر على العائلات المحيطة."

"وهل رُصدت أي حركة؟"

"لا شيء مباشر… لكن في قصر الفيكونت مالبير، تم استدعاء خمسة مراسلين خلال ساعة واحدة فقط بعد تسريب النبأ. بعضهم من العاصمة الفرعية… والبعض الآخر لا نملك سجلًا عنهم."

أغمض البارون عينيه.

"الفضول… ليس جريمة. لكن الفضول النبيل؟ تهديد."

🐾 خطوات في الممرات

في تلك الأثناء، كان زيريوس يسير وحده في أحد ممرات القلعة الجانبية. لم يكن أحد قد أمره بالذهاب إلى غرفته، ولم يوقفه أحد.

كان الصمت يرافقه كصديق قديم.

ثم توقف عند نافذة صغيرة تطل على الحديقة الجانبية.

رأى الحراس يتدرّبون على أسلحة خشبية. سمع ضحكة خادمة تسقي الزهور. شمّ رائحة الطحين من مخبز الطابق السفلي.

كل شيء كما هو… وكأنّ الحجر لم يكشف شيئًا.

لكنه شعر بأنّ العالم تغيّر.

بل… لا. العالم لم يتغيّر. هو من تغيّر.

🧠 ومضة

ظهر أمام عينيه، ولو للحظة خاطفة، لوحٌ شفاف لم يكن من هذا العالم.

لم يكن أحد حوله. ولم يكن هناك صوت.

ظهر فقط في داخله، مثل فكرةٍ وُلدت من السكون:

📜 "تم تسجيل التقييم."

– الموهبة: مزدوجة

– الجسد: فهد الرياح (خاص – متوسط)

– السجل: مفتوح

لم تكن هناك أي أوامر.

لا إشعارات.

لا تلميحات.

فقط... حضور.

وللمرة الأولى، أدرك زيريوس أنه ليس وحده.

لكنه لم يخَف. بل ابتسم بخفة.

"أنتَ لا تتحدث، أليس كذلك؟"

الصمت أجابه، وكأنه تأكيد.

"جيد… لا أحب كثرة الكلام."

واختفى اللوح.

📩 تعليمات أولى

في مكان آخر من القلعة، كانت آيرا – القائدة الفعلية لشبكة "العيون العشر" – تقرأ التقرير النهائي.

كانت تقف خلف ستار غرفة جانبية، بجوار خريطة سريّة لبارونية داركلين، وقد عُلّمت عليها دوائر حمراء وخضراء تمثل مراكز نفوذ وجيوب مراقبة.

"فهد الرياح…" قالت بصوت خافت.

"موهبة مزدوجة… هذا ليس جيدًا ولا سيئًا. لكنه… نقطة تحوّل."

مدّت يدها إلى درج خفي، وأخرجت منه رقعة جلدية، كتبت عليها:

"إلى الفِرَق 3 و7 و9: راقبوا ردة الفعل في كيلدار وفيكونتية مالبير. لا تتدخلوا. فقط راقبوا."

ثم أغلقت الرسالة بختم أسود لا يحمل شعارًا.

"إذا علموا أنه ورث أكثر من الموهبة… سيحاولون اختباره مبكرًا."

في مساء اليوم ذاته، حين حلّ الظلام على القلعة، وقف الجد الأعلى على شرفة برجه الخاص.

كانت يداه متشابكتين خلف ظهره، وعيناه معلقتين على النجوم.

"كل جيل… يحمل من النار بقدر ما يستطيع احتماله."

ثم ابتسم ابتسامة لا فرح فيها:

"لكن هذا الصغير… لا يحملها فقط، بل يخفيها."

2025/07/25 · 12 مشاهدة · 1755 كلمة
Farajalfa
نادي الروايات - 2025