السنة: 9990 من العصر الرابع – إمبراطورية فاليريا – بارونية داركلين
عمر زيريوس: ست سنوات
* ما بعد الخطوة الأولى
كان الشتاء قد بدأ يُلقي بثقله على جدران قلعة داركلين، والثلوج تكسو الساحات الخارجية، تاركةً أثرًا ناعمًا على العشب المتجمّد. في الداخل، لم تكن القاعات صامتة كما في الأعوام الماضية، بل تمتلئ بخطى طفلٍ لم يعد صغيرًا.
زيريوس داركلين، الوريث الصغير، بدا أكثر طولًا هذه السنة، ونبرة صوته اكتسبت وضوحًا أكبر. لم يكن يطلب الأشياء بعشوائية كما يفعل الصغار، بل كان يسأل:
"ما الفرق بين الحق والهيبة؟"
"هل كل من يحمل سيفًا يستحق أن يُتبع؟"
أسئلة بدأت تُقلق حتى أكثر المعلّمين حكمة.
قالت والدته روزاليا ذات مساء، وهي تمسح جبينه بعد الحُمّى:
– "إنه لا يكبر فقط... إنه يتشكّل."
ردّ عليها البارون ماركوس بنظرة طويلة نحو النافذة:
– "وهذا بالضبط ما يُخيفني."
* مشهد من الصالة الغربية
في إحدى زوايا القلعة، تحوّلت الصالة الغربية إلى ما يشبه مكتبة مصغّرة. لم تكن تضم كتبًا كثيرة، لكن أوراق الرقّ القديمة، والخرائط، والنماذج، وأدوات الرسم... كلها تناثرت على الطاولات كما لو أنها أدوات ساحر.
كان المعلم أورن غراي قد أعاد ترتيب المساحة لتلائم عقل زيريوس المتفتح.
وقف أورن أمام خريطة القارة البشرية، وأشار إلى الخط الفاصل بين إمبراطورية فاليريا وجارتها الشمالية.
– "هل ترى هذا الشقّ يا زيريوس؟ إنه نهر إيرال، لكنه أكثر من مجرد نهر... إنه خط دم."
– "لماذا؟" سأل زيريوس دون تردّد.
– "لأن آلاف الجنود ماتوا هنا، ليس لأجل أرض أو شرف... بل لأجل غرور إمبراطور نسي أن السيوف لا تشرب الماء."
ضحك زيريوس بخفوت، ثم سأل بهدوء:
– "وهل نحن سننسى أيضًا، يا أستاذي؟"
توقّف أورن للحظة، ثم ابتسم:
– "إن بقيت تسأل هذا السؤال... فلا، لن تنسى."
* خلف الستار: لحظة مع النفس
في أحد المساءات، تسلّل زيريوس إلى الشرفة العلوية، وحده. نظر إلى البعيد، حيث تتوهج أضواء قرية داركلين الصغيرة، تتراقص تحت ظلال الثلج.
كان جسده أكثر تماسكًا، وعضلاته بدأت تتكوّن بفعل تمارين درافين اليومية، وصوته لم يعد حادًا كأصوات الأطفال. لكن رغم كل ذلك، في تلك اللحظة، بدا كطفل يبحث عن شيء لا يُسمّى.
قال في نفسه:
– "كل ما أتعلمه... كل ما أُمر به... إلى أين يأخذني؟"
ثم أغلق عينيه، كمن يُحاول أن يصغي إلى صوته الداخلي.
لكن لم يجب أحد.
فقط الرياح... تحمل في طيّاتها وعودًا لم تُفهم بعد.
بين المطرقة والظل
لم يكن التدريب مع درافين مجرد حركات جسدية، بل كان اختبارًا مستمرًا للصبر والاحتمال.
في فناء القلعة الخلفي، كانت الرياح تعصف بالثلج، بينما يقف زيريوس على قدم واحدة فوق جذع خشبي مرتفع، وذراعاه ممدودتان بتوازن تام، بينما يصرخ درافين من خلفه:
– "لا تهتز! العالم كله سيهتز من حولك… لكن جسدك يجب أن يثبت!"
زفر زيريوس بقوة، والعرق ينزل من جبينه رغم البرد القارس.
كان درافين يُدرّبه على فن الاتزان الداخلي، جزء من التدريب البدني المبكر الذي لا يسمح له باستخدام الكي أو المانا حتى يبلغ العاشرة، لكنّه يُعدّه كيومئذٍ عبر التحكم بالجسد والنَّفس معًا.
قال درافين وهو يضع يده على كتف زيريوس:
– "القوة ليست فقط في الذراع. إنها تبدأ من مكان أعمق… من الرفض."
– "رفض ماذا؟" سأل زيريوس.
– "رفض أن تُكسر. رفض أن تكون العاجز في القصة."
* في قاعة التعليم: الليدي فيرينا
في قاعة التعليم الثانية، كانت الليدي فيرينا تُعيد رسم خريطة النظام الطبقي في القارة البشرية، باستخدام رقع حريرية مصبوغة:
– "هذه الرقعة السوداء تمثل عامة الشعب… عددهم ملايين، لكن لا صوت لهم. وهذه الزرقاء تمثل النبلاء من الطبقة الدنيا. أما الحمراء، فهي كبار الدوقات، والماركيز، والكونتات."
توقفت عند نقطة على الرقعة الذهبية الصغيرة في الوسط.
– "وهنا… يجلس الإمبراطور."
رفعت نظرها إلى زيريوس:
– "لكن لا تنخدع. الذهب لا يعني القوة دومًا. أحيانًا… هو فقط قناع للخوف."
قال زيريوس وهو يتأمل الخطوط المتشابكة:
– "هل كلهم يخافون؟"
أجابت فيرينا بنبرة باردة:
– "الجميع يخاف… فقط الأقوياء يُجيدون إخفاءه."
*خلف العيون: تحليل مبكر
بدأ زيريوس يُظهر تفاعلًا داخليًا مع كل معلومة يتلقاها. لم يكن يحفظ فقط، بل يربط بين الأفكار.
عند الظهيرة، جلس مع أورن، وقال:
– "أليس غريبًا أن يكون الإمبراطور في الروايات دائمًا حكيمًا، بينما في الدروس نجدهم أنانيين أو دمويين؟"
ردّ أورن بابتسامة مُعجبة:
– "أنت تكتشف الفارق بين التاريخ… والحكاية."
ثم أضاف:
– "والأذكى من ذلك… هو من يصنع حكايته الخاصة، ويدفع الآخرين ليروها كأنها تاريخ."
: أول اختبار سياسي
ذات مساء، دخل أحد الحراس يحمل لفافة مُغلّفة بالشمع الأحمر.
انحنى أمام البارون ماركوس وقال:
– "سيدي… رسالة من قلعة أوستيل، تحمل ختم الفيكونت نيرون."
فتح ماركوس الرسالة، قرأها بسرعة، ثم نظر إلى زيريوس:
– "اقرأها."
تناول الفتى الرسالة بتردد، وبدأ يقرأ بصوتٍ واضح:
إلى البارون ماركوس داركلين،
نأمل أن لا تكون الأشهر الماضية قد أرهقتكم،
ونذكّركم بأن التزامات حدودنا المشتركة لم تُراجَع منذ الشتاء الماضي،
وعليه… نطلب لقاءً رسميًا في مدينة كيلدار، لمناقشة شروط المرور التجاري،
وتحديد المسؤولية عن الحوادث الحدودية الأخيرة.
أنهى زيريوس القراءة، وساد الصمت لحظة.
قال أورن بنبرة ثقيلة:
– "هذه ليست رسالة ودّ… بل اختبار قوة."
أضاف كاليوس:
– "الفيكونت نيرون يُريد فرض نفوذه، لا أكثر."
سأل زيريوس:
– "وهل سنرد؟"
أجاب والده:
– "نحن لا نرد فقط… نحن نُخطط لما بعد الرد."
* مجلس التحليل الصغير
اجتمع الأربعة الكبار مع زيريوس في غرفة الاجتماعات الخاصة، لأول مرة يُدعى الطفل إلى هذا المجلس.
وضعت فيرينا ملفًّا يُظهر خريطة كيلدار.
قالت:
– "كيلدار بوابة تجارية ثانوية، لكنها تُمثّل حلقة الوصل بين داركلين والمقاطعات الشرقية."
قال كاليوس:
– "ومن يُسيطر على السوق هناك… يمكنه التحكم بأسعار السلع التي تصل إلى القلعة."
أرن أورن:
– "التحرّكات الحدودية قد تكون تمهيدًا لتصعيد أكبر… سياسي أو حتى عسكري."
تأمّل زيريوس الخريطة، ثم قال:
– "إذن، لو أردنا الرد، علينا أن نُظهر القوة… دون أن نكسر السلم؟"
ابتسم والده، وضرب الطاولة براحة يده:
– "بالضبط."
خطة من عقل طفل
بعد الاجتماع، بقي زيريوس جالسًا في الغرفة بينما غادر الكبار.
كانت الخريطة لا تزال أمامه، والشموع تُلقي ظلالًا مرتجفة على الخطوط والحدود.
دخلت آيرا بهدوء، القائدة السرّية لشبكة "العيون العشر"، وانحنت باحترام:
– "هل أمرت بنداء خاص يا سيدي الصغير؟"
نظر إليها زيريوس وقال:
– "أريد أن أعلم كل ما يحدث في كيلدار. كل تاجر، كل حركة، كل خادم يحمل رسالة من أو إلى قلعة أوستيل."
هزّت رأسها:
– "سنبدأ فورًا. لدينا ثلاثة عيون داخل السوق، وسنُفعّل اثنين آخرين."
ثم أضافت بابتسامة خفيفة:
– "لم أتوقع أن يكون أول اختبار سياسي لك بهذه السرعة."
ردّ بهدوء وهو يعيد لف الخريطة:
– "لا شيء يأتي مبكرًا إذا كنتَ مستعدًا له."
* اختبار داخلي
في الأيام التالية، بدأ زيريوس يُطالع التقارير السرية القادمة من كيلدار. بعض الأسماء ظهرت أكثر من مرة. بعض التجار يُهرّبون، وبعض المسؤولين يتلقّون رشاوى.
جلس أمام أورن ذات مساء، وقال:
– "لماذا لا يُمسك الفيكونت نيرون بهؤلاء رغم أنهم تحت عينه؟"
أجابه أورن دون أن يرفع عينيه عن الكتاب:
– "لأنه إن أمسكهم… سيتضرر هو نفسه. في كثير من الأحيان، الفساد ليس خللًا… بل نظام ظلٍّ غير مُعلن."
سأل زيريوس:
– "وهل يمكن استخدام هذا النظام لصالحنا؟"
أجابه كاليوس، الذي كان يمرّ بجانبه وسمع السؤال:
– "ليس فقط يمكن… بل يجب."
* بناء سلطة غير مرئية
في نهاية الأسبوع، اجتمع زيريوس سرًا مع آيرا وأحد عبيده الموالين، الذين أوكل لهم المهام المالية.
قال لهم:
– "سنبدأ ببناء نفوذ اقتصادي داخل كيلدار، لكن دون أن نحمل اسم داركلين."
أشار إلى قائمة بأسماء التجار:
– "ادعموا هؤلاء بثروتنا، وليس بثروتنا الحقيقية. دعوهم يظنون أنهم يكسبون، بينما نحن نُحكم السيطرة."
قالت آيرا:
– "وهل نُخفي كل أثر لارتباطنا؟"
أجاب ببرود:
– "إلى أن يظنوا أنهم مستقلون… ثم نُثبت لهم العكس في اللحظة المناسبة."
: زراعة النفوذ
مرّت أسابيع متتالية من العمل الهادئ.
في الظاهر، كانت بارونية داركلين تعيش في هدوء نسبي، والبطل الصغير لا يزال يتلقى دروسه من معلميه.
لكن في الظل، كانت أياديه الصغيرة قد امتدت، عبر وكلائه، إلى الأسواق الفرعية والمزادات السرية في كيلدار.
تم إنشاء "واجهة تجارية" جديدة باسم رجل وهمي: غاريوس فيلدار، تاجر مستقل قادم من الجنوب.
كل نشاط اقتصادي تم تمويله من موارد النظام، لكن دون استخدام الكريستالات علنًا، بل عبر شراء البضائع النادرة وإعادة بيعها بذكاء.
قال كاليوس في أحد الاجتماعات الخاصة:
– "بخطوتين فقط، تمكّنا من السيطرة على سلسلة توريد التوابل والحرير داخل كيلدار. التجار يلهثون خلف الأرباح، ولا يعرفون من أين تأتي الأموال."
ابتسم زيريوس:
– "عظيم. الآن… اجعلوهم يتعوّدون على سخائنا، ثم اسحبوا الدعم فجأة. من سيبقى واقفًا… يستحق أن نكلمه."
* تحوّلات الخريطة
في درس خاص مع الليدي فيرينا، عرضت عليه خريطة جديدة محدثة تظهر فيها مناطق التأثير النبيل في الإقليم.
قالت:
– "هل ترى هذا اللون الفاتح حول كيلدار؟ إنه يمثل المنطقة التي تخرج عن سيطرة داركلين بشكل رسمي، لكنها الآن تُدار بشكل غير مباشر عبر نفوذك."
سألها:
– "هل هناك خطر من أن يشعر الفيكونت نيرون بذلك؟"
ردّت بابتسامة هادئة:
– "ليس إن كنت أذكى منه. وأنت حتى الآن… أذكى بكثير من أن تُكشَف."
* صوت من الداخل
في إحدى الليالي، جلس زيريوس وحده في حجرته، ينظر إلى الشعلة الصغيرة.
حدّث نفسه:
– "أنا لا أمتلك سيفًا بعد… لكن أمتلك شبكة… وهذا أفضل."
ثم فتح النظام السماوي، واستعرض لوحة إدارة الموارد.
الرصيد الحالي:
العملات البلاتينية: 8,250,000
كريستالات منخفضة: 910,000
كريستالات متوسطة: 475,000
كريستالات متقدمة: 88,000
كريستالات كمال: 7,200
تم استهلاك جزء من الرصيد في تمويل واجهات اقتصادية، وتأمين المخزون الاستراتيجي من البضائع.
أغلق الواجهة، وهو يهمس:
– "الحرب القادمة لن تكون بالسيوف… بل بالمخازن."