الفصل الرابع عشر: أطلال كاثلوب [4]
وليام روتشيلد.
شخص ارتبط بالقوة والذكاء، وصورته كانت تتجسد في شخصية متكاملة تجمع بين الحنكة الفائقة والقدرة القتالية.
ولد يتيمًا في الأحياء الفقيرة، لكن مصيره كان في يد زعيم منظمة فرسان النور، الذي تبناه وأعطاه اسم العائلة.
منذ تلك اللحظة، أصبح الأبن الرسمي للزعيم.
رغم عدم وجود ارتباط بالدم بينه وبين زعيم الفرسان، إلا أن ذلك لم يضعف علاقتهم، بل جعلته محط أنظار الجميع بعد أن أصبح أمل المنظمة في المستقبل.
بسبب موهبته الفائقة، بدأ وليام يتدرب بشكل شخصي تحت إشراف الزعيم ذاته، مما جعله يبرز بين أقرانه.
لولا الطفلة الثانية لعائلة ألستر، منافسته الوحيدة في الأكاديمية، لكان الأول على جيله.
وليام كان قد صقل نفسه ليكون الذي يعتمد على عقله قبل أن يعتمد على قوته البدنية.
لم يكن أحد في الأكاديمية يجرؤ على تحديه.
وعندما تخرج من الأكاديمية، ورغم أنه كان متبنيًا، قرر الانضمام إلى فرسان النور، لكن لم يكن له نصيب في وراثة اللقب،
بقي اسم روتشيلد حكرًا على من هم من نسل الزعيم نفسه.
رغم مكانته العالية في المنظمة، كان وليام أكثر شهرة في الأوساط الشعبية من أي وقت مضى.
سمعته كانت تمتد إلى أبعد من حدود الفرسان.
كان المحقق الذي لا يحتاج إلى ضربات سيف ليحل القضايا، بل كان عقله هو سلاحه الأمضى.
مما جعله يتقاسم الأضواء مع خصمه اللدود، موريس كامبل، ابن سيد منظمة الجريمة "الثعبان الأسود"
الذي كان يعتبر بمثابة شخصية مقتبسة من جيمس موريارتي في روايات شارلوك هولمز.
هذه الثنائي بين وليام وموريس أضافت نكهة خاصة إلى القصة، ليبقى كل منهما رمزًا للصراع، بين الخير والشر.
ومع ذلك، كانت شخصية وليام تأسر الأنظار بقدر ما كانت تبقى في الظل.
لم تكن شخصيته محورية، ولكنها كانت حاضرة بكل قوتها في قلب اللعبة، مع خلفيته المليئة بالرمزية.
"أجل، أجل… كانت رحلة ممتعة بحق." قال كال، وهو يرفع نواة التنين برفق، ثم وضعها جانبًا، لحمايته.
اتسعت عيون وليام، والدهشة ظاهرة عليه. كان واضحًا أنه قد عرف عو الشي الذي بيدي.
"إذًا ماذا يريد نجم الإمبراطورية الشهير مني، أنا المتواضع؟" سأل كال، وهو يطمئن إلى مكان النواة.
تغيرت ملامح وليام فجأة، وتسمَّر وجهه بتعبير مستفز كأنما سمع أكثر الأسئلة سخافة، "أنت من هاجمت مقرنا، والآن تسأل بغباء؟"
"ها!!" رد كال بفزع مصطنع، قائلاً، "كيف يمكنني أن أجرؤ على اقتحام مقر منظمة الفرسان العظيمة؟ كيف أغضب سيادتك؟"
"إذاً، لم تكن أنت من اقتحم المقر؟" قال وليام وهو يبتسم، واضحًا أنه يستمتع بأداء كال.
"أبداً! قطعًا لا!ك أجاب كال بأداء هزلي.
تنهد وليام ببطء، وضغط على زر في يده. ظهرت شاشة بيانات عملاقة أمامه.
شاشة عرضت مشاهد لخروج كال من المصعد في الطابق السفلي، وضربه لفرسان النور، ثم انتقاله باستخدام حجرة النقل.
"هل تدرك أن جريمة الاعتداء على شخص واحد، كما فعلت، تُعتبر جريمة جنائية تحت طائلة القانون؟" بدأ وليام، صوته خاليًا من أي عاطفة.
"وفقًا للتشريعات المعمول بها، فإن العقوبة المقررة لهذه الجريمة تشمل السجن لمدة لا تقل عن ستة أشهر."
ثم توقف قليلاً ليؤكد النقطة التالية. "إلى جانب ذلك، تفرض الغرامة المالية على الجاني، التي لا تقل عن ست قطع ذهبية كحد أدنى، وهي القيمة المعتمدة لتغطية الأضرار الجسدية التي يتعرض لها الضحية."
وأضاف، بنبرة أكثر رسمية: "وليس هذا فحسب، فهناك أيضًا رسوم إضافية تُفرض بناءً على الأضرار النفسية التي تلحق بالمتضرر."
ثم واصل بعد توقف وجيز " وهذه الرسوم يتم تحديدها بعد إجراء تقييم من مختصين في الصحة النفسية، الذين يقيمون درجة التأثير النفسي الناتج عن الاعتداء."
تغيرت تعابيره إلى اللامبالاة، ثم أضاف بصوت هادئ: "لكن بالطبع، العقوبات التي تم ذكرها تنطبق على الاعتداء على شخص واحد فقط، وفقًا للقوانين المتعلقة بالجرائم الفردية."
"أما في حالتك، فقد قمت بالاعتداء على ثمانية أفراد، وهو ما يُعتبر جريمة جماعية تتضاعف عقوبتها بشكل كبير، وفقًا لما تنص عليه القوانين الخاصة بالجرائم الجماعية والاعتداءات المتعددة."
توقف لحظة ليؤكد على النقطة الأهم. "إضافة إلى ذلك، ارتكبت جريمة التسلل إلى منشأة حكومية محمية، مما يرفع من خطورة التهم الموجهة إليك. التسلل إلى ممتلكات حكومية محظور بموجب قوانين الأمن القومي، ويُعاقب عليه بحد أقصى من السجن."
ثم تابع بتأكيد: "ولا ننسى جريمة تخريب الممتلكات العامة، وهي جريمة تُعاقب بأشد العقوبات، خاصة عندما يتسبب التخريب في أضرار مادية كبيرة أو تعطيل العمليات الحكومية."
"……" تلاها صمت قاتل.
كانت النظرات التي تبادلها الاثنان مشحونة بالتوتر، إذ شعر كال بنشوة غريبة وهو يراقب رد فعل وليام المتحكم في الوضع.
أمعن النظر في وليام بفكرة واحدة: أنه حقًا يحب الحديث كثيرًا..
آه… هذا لا يهم.
"أعتذر عزيزي وليام، لكن يجب علي قتالك في النهاية… لا أريد أن أعيش في السجن."
ابتسم وليام ابتسامة خفيفة، تمتلئ بنغمة سخرية وهو يجيب بتهديد خفيف: "حسنًا… ولكن هل لديك القدرة اللازمة لفعل ذلك؟"
اوه..!
هل يستهزئ بي؟
لن أستخدم كتاب الهاوية إلا إذا كنت على يقين من الهزيمة، لكن في هذا القتال الجسدي، لا يزال لدي العديد من الأوراق المخفية.
"إذن اعذرني…" انطلق كال بسرعة خاطفة، كالسهم، وركل وليام في خصره بقوة.
ولكن، كما كان متوقعًا، أمسك وليام بذراع كال بكل براعة، وأمال قدمه بشكل قاسي.
في لحظة، استدار كال بسرعة فطرية، محاولًا تعديل زاوية جسده ليتفادى أي ضغط على قدمه الملتوية.
لم يكن مستعدًا لخسارة قدمه بهذه السهولة.
كل خطوة، كل حركة كانت محسوبة بدقة، بناءً على تحليلات أدن التي كانت تترنح في ذهنه.
لكن، بحق… جسد وليام قوي بشكل مرعب.
في اللحظة التي أمسك بها، شعَر كال وكأن الحديد قد تطوق ساقه، وقد فقد القدرة على سحب قدمه.
تعثر كال ولكن لم يتوقف، حاول إعادة التوازن بسرعة، وعينيه تبحثان حوله.
لم ير إلا الفراغ..لم يكن هناك أحد.
نقر شيء ما على كتفه.
"هيي، أنا خلفك."
استدار كال بسرعة البرق، لكن قبضة وليام كانت أسرع من أن يتفاداها.
"بوم-!"
استشعر كال الألم وهو يُقذف عشرات الأمتار للأمام، جسده ينكسر على الأرض، حتى ارتطم بأحد الخيام العسكرية، متدحرجًا على الأرض بفعل الانفجار الهائل.
بينما كان يحاول إستيعاب ما حدث، كان الصوت الصادر من خطوات وليام ثابتًا، قاسيًا، وصاخبًا.
اقترب، ثم فجأة… انطلقت حجرة بسرعة مخيفة، كالرصاصة تستهدف وليام.
أمسك وليام الحجر بسرعة خاطفة، وعيناه تغزوها نظرة ثاقبة، قبل أن يرفع.
"بامم-!!" انفجر الحجر بشكل مفاجئ، محدثًا دوية هائلة.
"كح…!" سعل وليام بفعل الدخان الكثيف الذي ملأ الجو، لكنه بقي ثابتًا.
الانفجار لم يؤثر عليه بشكل يذكر، لكن الدخان حجب الرؤية قليلاً.
في لحظة تشتت، شعر وليام بحركة خلفه، وكان كال قد اندفع نحوه، مهاجمًا مرة أخرى.
لكن وليام كان أسرع.
تفادى لكمة من الخلف، والتف بجسده في رشاقة غير طبيعية، ثم دفع قدمه قليلًا ليصطدم بكاحل كال، مما جعله يفقد توازنه، وكان على وشك السقوط.
لكن كال، كما هو الحال دومًا، أمسك بملابسه في اللحظة الأخيرة.
"بوم-!"
"بوم-!!"
"بوم-!!!"
توالت اللكمات بسرعة البرق، كل ضربة كانت تضرب كال في نفس المنطقة بشكل متسلسل، لتراكم الضرر.
"كيوغغ-!"
مؤلم اللعنة!!
كانت اللكمات تتوالى كالأمطار الغزيرة.
كل واحدة تحمل قوة لا تُحتمل، وتترك أثرًا عميقًا في جسده، كأن الجبال قد انهارت عليه.
استفاق كال أخيرًا، في محاولة استعادة وعيه، لكن شعورًا غريبًا اجتاحه، شعور غامض..مبهم.
نزلت عيناه ببطء إلى معدته. كانت قبضة وليام لا تزال على بعد سنتيمترات قليلة منها، لكن… لم يشعر بأي ألم؟.
وما هي إلا لحظة حتى أدرك… شيء ما كان مختلفًا.
قال وليام بصوت منخفض، "ألا يذكرك هذا بشيء؟"
فهم كال سريعًا، ولكن… كان قد فات الأوان.
وفي لحظة واحدة، انفجرت موجة صدمة هائلة، طاقة موجية ضخمة من المانا اندفعت خلف جسده.
كانت كالصاعقة التي اخترقت الفضاء، موجة طاقة غير مرئية لكنها مُدمرة.
"اغغ… كيوغ!" سعل كال، وهو يبصق دماء سوداء غريبة، بينما ضباب أحمر ينبعث من فمه.
تحطم ضلعه، وكُسرت العديد من العظام في جسده بشكل وحشي.
لم يكن الألم مجرد شعور؛ كان زلزالًا داخل جسده، يتنقل بين أطرافه ويكاد يعصف بكل شيء.
لم يكن قادرًا حتى على الصراخ، ليس لأنه لم يرغب، بل لأن الأوتار الصوتية أصيبت بصدمة عنيفة جعلتها مشلولة مؤقتًا.
لكن، وعلى الرغم من كل ذلك، بدأ كال في إخفاء مشاعره.
بفضل سمة {هادئ}، استطاع أن يضبط كل شيء في داخله.
عقله أصبح خاليًا من الفوضى، والألم بدأ يتلاشى تدريجيًا.
كانت هذه السمة هي التي تمنح صاحبها قدرة على التحكم التام في مشاعره، مما يمنعه من الوقوع في فخ الانفعال أو التشتت.
خطوات وليام كانت ثابتة، تراجع قليلًا وهو ينظر إلى كال، الذي أصبح جسده وكأنه متصلب من شدة الألم.
كانت اللحظة هادئة بشكل غريب.
بالكاد أستطيع تحريك جسدي… ولكن… سأقاوم وأتراجع.
مد كال يده للأمام، وتخيل ما يريد. في السماء، تشكلت يد ضخمة من المانا، فورية وحية كأنها كائن حي.
صفر وليام، ثم قال ضاحكًا بخفة بعد رؤية هذا المشهد، "يا لهذا المنظر.."
"مثير للاهتمام."
"وششش-!!"
سرعان ما اقتربت يد المانا بسرعة غير متوقعة، لتسحق وليام تحت قوتها العاتية.
"فشش-!!"
لكن، في لحظة خاطفة، سحب وليام شفرته من خصره.
الصوت الحاد للشفرة كان يصطدم بالهواء وكأنها صرخة صامتة.
"وشش-!" في ثانية واحدة فقط، انشطر مجسم يد المانا إلى عشرات القطع، تاركًا وراءه عاصفة هوائية مدمرة.
اختفت اليد في الهواء، تاركة رقاقات ضوئية تتناثر كأوراق الخريف في مهب الريح.
"هذا مخيب للأمل." قال وليام بنبرة عابسة، ثم عاد ليواجه كال، ولكن هذه المرة استقبله شعاع رمادي مدمر.
لم يضيع كال الوقت في الرد؛ بينما كانت يد المانا تلهي وليام، بدأ بجمع المانا في يده الأخرى، ضاغطًا إياها في كرة رمادية ضخمة، كما فعل عندما كان تحت تأثير [سيد الاغتيال].
"بومم-!!" انفجر الشعاع بقوة هائلة، يهز الأرض حولهم ويخلق انفجارًا مدويًا يشق الأرض من تحته.
كانت تلك الضربة أقوى بكثير مما كانت عليه سابقًا.
"وشش-!!" خرج وليام من سحابة الدخان المتصاعدة، جسده يبدو سليمًا، وكأن الشعاع لم يصبه بأي أذى.
"هل انتهت أوراقك؟" نظر إليه وليام، عينيه مليئة بالبرود.
هذا حقًا مثير لشفقة… كنت أظن أن وراءك حليفًا قويًا، أو على الأقل مجموعة من الأوراق الرابحة التي تسمح لك بالتسلل إلى قلب المنظمة دون أن يلاحظك أحد."
"لكن… يبدو أن ثقتك العمياء كانت بلا أساس، أو ربما كانت مجرد عجرفة مجرم."
تنهد كال، وكأن كلمات وليام قد استنزفت ما تبقى من عزيمته. كان يعرف شخصيته جيدًا… كان يلهو معه طوال القتال. أو بالأحرى، كان ما يحدث أقرب للتسلية بالنسبة لوليام.
هل يجب أن أسمي هذا قتالًا؟ بدأ يبدو لي اكثر كتنمر.
وليام يتفوق علي بمسافات شاسعة.
هو في مستوى أعلى مني بعالمين كاملين.
بينما قوتي القتالية الحالية هي المستوى الرابع، وهو أقصى ما يتحمله جسدي، كان هو في المستوى السادس.
فرق شاسع. كالفارق بين النملة والتنين.
لولا نزوة وليام، لكان قد قطع حلقي منذ اللحظة الأولى من القتال.
لن أستطيع الاستمرار هكذا. أنا لست مازوخيًا. لا يمكنني تحمل المزيد من الألم.
لن أستخدم كتاب الهاوية إلا إذا كنت على يقين من الهزيمة.
لذلك، يجب علي اتخاذ خطوة أخرى.
"أدن…" همس كال بصوت منخفض، وهو يستدعي المساعد الذي طالما أعتمده.
[نعم سيدي.]
"ماذا سيحدث إذا حاولت تعزيز جسدي أكثر من التعزيز الحالي؟" فكر كال في الكلمات التي تفوه بها.
كان السبب الذي مكنني من تعزيز جسدي حتى المستوى الرابع هو بركة [الجسد القتالي].
[ببساطة، سيحطم جسدك وستصاب بتسمم المانا.]
بالرغم من كل ما تعرضت له من أضرار بسبب ضربات وليام، كنت أزداد قوة مع كل قتال. لكن… لا يكفي.
يمكنك أن تتخيل الجسد ككوب، يحمل بداخله كمية محدودة من الماء.
إذا وضعت المزيد من الماء، فإنه سيسكب دون فائدة.
لكن في حالة جسد الإنسان، إذا وضعت مانا أكثر من قدرته على التحمل، فإنها ستسرب عشوائيًا عبر كافة الأنسجة.
وهكذا، يصبح الجسم في مواجهة موجة من الدمار العنيف.
تبدأ المانا بالتناثر بشكل غير منتظم داخل الأعضاء، لتتسرب عبر عروق المانا والعضلات، إلى العظام.
كل جزء من جسده يصبح عرضة للانفجار تحت ضغط هذه الطاقة الهائلة.
هذا ما يُسمى بـ "تسمم المانا"، مرض نادر يصيب العباقرة السحريين، الذين يولدون بكمية مانا تفوق قدرة أجسادهم على التحمل.
يصبح جسدهم ضعيفًا أمام هذا الفائض، وكأنهم يحملون سمًا في دمائهم.
يُمكن تشبيه تسمم المانا بمرض عضال، ينهك الجسد شيئًا فشيئًا حتى يصل إلى حافة التدمير الكامل.
"وششش-!!!"
في تلك اللحظة، تكاثف السحاب في السماء بشكل غير طبيعي، وكأنها كانت تلتهم كل ضوء، ليغشي الظلام الأفق.
انفجرت طاقة هائلة في الهواء، واهتزت الأرض تحت وقعها.
أضواء متشابكة كالبرق، لكن بدون أي صوت، تمددت عبر السماء في دوامة عارمة، وبدأت الرياح تعصف بقوة، ككارثة طبيعية.
في هذه اللحظة، تدفقت المانا إلى جسدي بشكل مفاجئ، كأعصار من المانا ينساب عبر العروق، محملاً بشحنة مدمرة لا يمكن تصورها.
تجمد وليام في مكانه، والدهشة تعلو وجهه.
كانت الظاهرة السماوية مذهلة إلى درجة أن محيطه بدا وكأنه قد تحول إلى عالم آخر، حيث كل شيء على وشك التغيير بشكل لا رجعة فيه
"هذا…!؟" دهش وليام، عينيه تتابعان المانا وهي تندفع من السماء وفي كل مكان كأنها شلال من الطاقة.
"وشششش-!!!"
رغم الإصابات التي تغطي جسدي، رغم الألم الذي ينهش داخلي، استمررت في المقاومة.
الطاقة الجبارة تغزو جسدي من كل جهة، وتفجره موجة تلو الأخرى من الألم.
من رأسي إلى أخمص قدمي، كان كل عصب وكل عضلة يصرخ، يعاني من التأثير المدمر للطاقة المتفجرة.
"اغرررغاآآاااا-!!!"
صرخت من أعماقي، ولكن مع كل صرخة، كان جسدي يزداد قوة في نفس الوقت كان يتحطم.
كانت الطاقات تتنقل داخل جسدي كما لو كانت تيارات كهربائية مدمرة، تحطم كل شيء في طريقها.
ومع أنني أصبحت أقوى بفضل التعزيز، إلا أنني كنت في حالة انهيار تام.
جسدي كان يحترق من الداخل، في عملية تعزيز تتحدى حدود قدرتي على التحمل.
كان الألم يتصاعد بشكل غير قابل للتحمل، وعقلي يكاد ينهار تحت وطأة الصدمة.
لكن رغم ذلك، كانت السمة {هادئ} تتيح لي السيطرة على مشاعري، حتى وإن كنت في عمق الهاوية.
كان الألم يأتي ثم يهدأ، ثم يعود أشد وطأة من قبل.
وكأنني أعيش في حلقة مفرغة من الألم، لا أستطيع الهروب منها.
اللعنة! اللعنة على العزيمة تبًا! على العزم الغبي الذي جعلني اريد أتجاوز هذه الحدود!
كان جسدي يعاني، وذهنى في حالة شلل مؤقت، لكن لم يكن أمامي سوى خيار واحد: الاستمرار.
لم يعد أمامي أي فرصة للتراجع.
من البداية، كنت تحت رحمة وليام، لم يقبض عليَّ، لم يقتلني. ولكن هذا يعني أن كل ثانية، كل لحظة الآن أصبحت حاسمة.
كانت كل ثانية تمر وكأنها دهور.
عقلي غارق في دوامة من التفكير والتأمل، والآلام تتسارع وتزيد من تعقيد الوضع.
لكن من الخارج، لم يكن قد مر سوى ثوانٍ معدودة.
"اغغررررااااااا…!" كان الألم يجتاح جسدي في موجات متتالية، وكأن مطرقة هائلة تُسحق أعضائي من الداخل.
الألم كان مستمرًا بلا توقف، وكأن كل عظمة وعضلة في جسدي تُطحن تحت ضغط لا يُطاق، يتنقل عبر جسدي كما لو أنه غضب طبيعة عاتية لا ترحم.
وليام، الذي كان يراقب من بعيد، تجمد في مكانه بغرابة. لم يكن يدرك تمامًا ما الذي يحدث.
"ماذا يحدث؟ لماذا اضطراب المانا في هذه المنطقة؟" فكر في نفسه وهو يراقب بعناية، لكنه لم يتوقع ما سيحدث بعد ذلك.
ثم بدأ يحلل الوضع بهدوء.
بنفس الوقت، كان كال غارق في الجحيم الألم.
لم يكن في حالة يستطيع فيها التفكير، جسده يعاني من اضطراب داخلي.
حاول مقاومة الألم، لكنه لم يستطع. كان كما لو أن كل خلية في جسده تخبره بأن ينهار.
ولكنه استمر في تعزيز جسده بشكل أكبر، مشهد من الصراع المستمر بين القوة والدمار الداخلي.
"بوم-!"
بخفة، انتقل وليام إلى كال وأطلق لكمة هائلة على معدته.
كان تأثير الضربة كالسندان الذي يضرب المعدن، حيث انفجر الهواء حولهما بفعل القوة المدمرة.
"بوم-!!!" جسد كال طار إلى الوراء، وسعل الدماء بعنف بينما ارتطمت أطرافه بالأرض.
"كيوغغ-!!!" الدماء تناثرت في الهواء.
لكن كال لم يُظهر أي علامة على التراجع.
كان العذاب الذي يجتاحه داخليًا أكثر قسوة بعشرات المرات من ضربات وليام.
كان يشعر وكأن قلبه قد تم سحقه، وكان عقله ضبابي بسبب الألم الهائل الذي يعصف به.
كانت الدماء تتسرب من أنفه وفمه وعيونه وأذنه، بينما كان كل جزء في جسده يصرخ من العذاب.
رأسه كان يكاد يتحطم، ولكن رغم ذلك، استمر في استخدام المانا لتعزيز جسده.
غارقًا في عملية لا تتوقف، كل زيادة في القوة كانت تأتي معها مزيد من الألم.
تقدم وليام حتى وقف أمام جسد كال، الذي بدا كأنه على وشك الانهيار الكامل.
نظراته كانت مليئة بالاستغراب.
"هل تستسلم؟" قال وليام بصوت هادئ، مراقبًا كال الذي بدا منهارًا تمامًا.
لكن كال لم يرد، ولم يكن لديه القوة حتى لرفع رأسه.
"أعتقد أنه عليّ التحقق بنفسي." انعكس وميض خافت في عين وليام، وكان هذا الضوء أكثر حدّة من أي وقت مضى.
نظر بدقة إلى حالة كال الداخلية، فوجد نفسه مدهوشًا.
"هذا؟!!" كان مذهولًا، لم يتوقع أن يكتشف هذه الظاهرة.
عقد جبهته وهو يتنهد، "أيها المجنون!" لم يكن يستطيع تفسير كيفية تجميع كال لهذه الكمية الضخمة من المانا.
هل كان يستخدم قطعة أثرية خارقة؟ أم أن هناك أمرًا ما خفيًّا في الأمر؟
“هل هذا هو خط دفاعك الأخير؟ لكن يبدو أنه فشل…" قال وليام، وهو يفحص آثار المانا المشوهة.
كان واضحًا الآن أن كال قد وصل إلى أقصى حدود قدرته، ولكن حتى هذا لم يكن كافيًا.
"يا لك من أحمق! أنت تمضي في طريق الانتحار!" أدرك وليام ما كان يمر به كال، وكان يعتقد أنه قد وصل إلى نهاية الطريق.
"لقد فقد الوعي بالفعل." كانت أطراف كال لا تتحرك، وأصبح جسده بلا حياة تقريبًا.
كانت الصورة في عيني وليام واضحة: الكل انتهى، حتى إذا كانت حياته لم تُسلب بعد.
تردد وليام للحظة، ثم التفت مستعدًا للمغادرة.
"تنهد." كان صوته مليئًا بالاستغراب، كما لو أنه نادم على اللحظة التي أمضاها هنا.
"علي كتابة تقرير عن هذا الحادث… لكن كيف سأقنع والدي بأنه انتحر؟" قال ذلك وهو يستدير للخلف ليشاهد جسد كال، لكنه توقف فجأة.
"ها…!"
كان كال قد اختفى.
لم يكن هناك جسد، ولا حتى أثر له. وكأن الأرض ابتلعته بالكامل.
اختفى وكأنه لم يكن هناك من الأساس. كان وكأن العالم قد ابتلع كل شيء حوله، ولم يعد هنالك أي وجود لكال.
وليام، الذي لا يزال يحاول استيعاب ما حدث، شعر بشيء غريب.
حتى الهواء في المكان تغير.
لم أعد أشعر بوجوده.
"كيف؟" كانت الكلمات تخرج من فمه بصوت غير معقول، كان لا يزال يحاول فهم هذا الحدث المفاجئ الذي اختفى فيه كال.
***
التعليقات تطلب اهلها.
تحت الصفر.