الفصل السادس عشر: أطلال كاثلوب [6]
[سيدي يفضل استخدام إحدى مهاراتك.]
<صمتًا…>
التفتُ إلى وليام، الذي استل سيفه ببطء، عاكسًا وهج الضوء الخافت.
نظراته كانت باردة، ثابتة، تترصدني دون تردد.
لكنني لن أستخدم المهارات الآن.
في تلك اللحظات العابرة من القتال، شعرتُ بشيء يشبه الحرية، حتى وإن كنتُ أنا من تلقى الضرب.
على اي حال، مواجهة خصم مثله، وأنا أعزل، لم تكن فكرة سديدة.
خفضتُ نظري إلى كفيّ للحظة، حيث تشكلت دوامة صغيرة من الظلام، تموجت بصمت كحبر مسكوب في الفراغ.
"وشش—!"
من العدم، التوى السواد متخذاً شكل كرة طينية، نابضة، غير مستقرة، أشبه بسلايم حي.
في أقل من ثانية، تمدد سطحها وتحول بسلاسة إلى سيف متوسط الطول، داكن لدرجة ابتلاع الضوء، أسود بالكامل… كأنه ثقب أسود متجسد في شفرة.
هل هذا اللون… الفانتابلاك؟
تأملت الكاتانا السوداء في يدي، تفاصيلها الملساء، الحواف التي بدت حادة بما يكفي لتمزيق الهواء نفسه.
لم أختر شكله عمدًا، لكنه كان أول سلاح خطر ببالي.
مددت السيف للأمام، لوّحت به في الهواء، مستشعرًا توازنه المثالي. بدا وكأنه امتداد طبيعي ليدي.
ثم، دون وعي، ارتسمت ابتسامة على شفتي.
"إنه رائع."
رفعت عيني لأرى وليام—لكن ما استقبلني لم يكن سوى انعكاس الموت نفسه.
حافة نصل فضي، معلقة أمام أنفي مباشرة.
"وشش—!"
بفارق شعرة، أزحت رأسي للخلف، والشعور البارد للفولاذ يكاد يمرر أنيابه عبر وجهي. لم أملك رفاهية التفكير—
استجبت على الفور، قافزًا للأمام، ولوّحت بسيفي بكل قوتي نحو خصمي.
ولكن—
بقدرة تكيفية مذهلة، توقف وليام فجأة، كأنه تجمد في منتصف الحركة، شد ساعده بحركة خاطفة، وبدل مسار شفرته نحوي.
"بـــوم—!!"
تصادمت السيوف، وانفجر صوت الاصطدام في الأرجاء، كأنه صاعقة مزقت السماء نفسها.
الارتجاج الناتج هز الأرض تحتنا، مخلفًا شقوقًا في التربة.
"بــوم—!!"
"بــوم—!!!"
"بــوم—!!!!"
كل تبادل للضربات كان كقنبلة تُفجر عند التقاء المعدن بالمعدن.
في خضم العاصفة الحديدية، تلاشت الأصوات الأخرى، ولم يبقَ سوى الطنين الحاد للمعركة.
"وشش—!!!"
تحت وطأة الهجوم المتواصل، لم تتحمل الأرض، وانهارت فجأة تحت أقدامنا.
"تسك..!"
نقرت على لساني بانزعاج، مستشعرًا الفراغ تحت قدمي.
المبارزة بالسيف ليست سهلة مثلما تصوّرها الروايات.
في القصص، يتكيف الأبطال مع القتال بأسلحتهم كأنها شي طبيعي لهم، لكن الواقع… كان مختلفًا تمامًا.
"صعب…!"
حتى مع أدن الذي يرسل الطرق الازمة لرد، كان الأمر يتطلب دقة غير طبيعية لتنفيذ الحركات بسيف.
ليس كما أفعل بقبضتي العارية.
"وشش—!!"
من وسط الغبار المتصاعد، انطلق سيف بسرعة مرعبة، شقّ الهواء بصافرة حادة.
دون تفكير، انحرفت يسارًا، متجنبًا الحد المعدني القاتل.
— أي أحمق يُلقي بسلاحه في وسط المعركة؟
صرخت بتهكم، "أي فروسية هي هذه؟!"
ثم—
خطر..!
شعور مميت اخترق حواسي دفعة واحدة. شيء ما كان خاطئًا—جداً خاطئ.
بطرف عيني، لمحت المكان الذي مر به السيف…
"ها…؟!"
لم يكن سلاحًا أُطلق بعيدًا عني بلا هدف.
كان تمويهًا.
رأيت وليام—شعره يرفرف تحت ضوء القمر، عائمًا فوقي مباشرة في الهواء، عيناه تترصدانني ببرود قاتل.
وسيفه… كان على بعد ثلاثة سنتيمترات من رقبتي.
ولكن…
"وشش—!!"
توقف نصل وليام على بعد أنملة من بشرتي، الحافة المعدنية تكاد تلامس عنقي.
تنقيط—!
تنقيط—!
قطرة دافئة انسابت ببطء على رقبتي.
خدش دقيق، بالكاد مرئي، لكنه كان كافيًا ليكشف مدى قرب الموت مني.
توقف كلانا.
الزمن نفسه بدا وكأنه تجمد.
بطرف عيني، حدّقت إليه—وليام، بوقفته الثابتة، سيفه ما زال مرفوعًا، وعيناه محايدة كأن شيئًا لم يحدث.
لكن…
"وشش—!!"
عشرات من خيوط المانا غير المرئية كانت تحيط بنا بصمت منذ البداية، ممتدة في الفراغ بثبات، متصلة بإحكام.
امتدت الخيوط من يديه، متشابكة حول معصميه، بين أصابعه، تلتف حول ساقيه، حتى خصره.
وليام لم يتحرك، بل لم يكن يستطيع.
لكنني رأيت بوضوح.
تنقيط—!
تنقيط—!
قطرات دم صغيرة سالت من رقبته، في ذات النقطة التي التف فيها أحد خيوطي بإحكام حول جلده.
أسف…
[تم تفعيل {سيد الاغتيال} [الرتبة: SS+]]
في الخبرة… كنت خاسرًا تمامًا.
حدق كال في الخيوط المتشابكة حوله، إحباط صامت يتسلل إلى ملامحه.
لا…
[تم إلغاء تفعيل {سيد الاغتيال} [الرتبة: SS+]]
عاد الشعور بجسدي مجددًا، السيطرة التي كادت تنفلت مني استقرت بثقلها المعتاد.
إذا لم أستطع هزيمته بالخبرة…
"وشش—!!"
اهتز الغلاف الجوي بتذبذب عنيف، كأن الهواء نفسه رفض تحمل الطاقة التي بدأت بالتجمع.
"أجراااااااااغ!!"
صرخة انفجرت مني، ليست مجرد صوت، بل قوة تعززت بشكل وحشي، تمزق حدود القيود السابقة، تدفعني إلى أبعد مما كنت عليه قبل لحظات.
في تلك اللحظة—
اختفت جميع خيوط المانا.
"وشش—!!"
وليام لم يتردد. لوح بسيفه، النصل شق الفراغ بسرعة مستحيلة، متجهًا إلي بقطعية لا هوادة فيها.
لكن قبل أن يصل إلي—
رفعت يدي اليمنى، مشكلًا يدي على هيئة مسدس.
تجمد الزمن للحظة قصيرة…
كان هذا آخر شيء رآه وليام—
قبل أن يغمر شعاع رمادي قاتم المنطقة بأكملها.
"بووووووم—!!"
انفجر الضوء الرمادي كإعصار جامح، ابتلع المساحة بيني وبين وليام في لحظة.
ضغط الطاقة الناتج سحق الأرض تحتنا، تاركًا حفرة متصدعة امتدت في جميع الاتجاهات.
تشققت السماء بصوت مزلزل، وكأن الفضاء نفسه لم يتحمل عنف الهجوم.
تلاشى كل شيء داخل العاصفة الرمادية. الغبار، الصخور، وحتى الضوء ذاته تم ابتلاعه بالكامل في تلك اللحظة.
"كح..!"
تراجعت للخلف، الدخان الكثيف يحيط بي.
لم أترك عينيّ عن النقطة التي كان وليام يقف فيها قبل ثانية واحدة.
—هل أصبته؟
الجواب جاء أسرع مما توقعت.
"وشش—!!"
رياح قاتلة مزقت الدخان بقوة، كأنها شفرات غير مرئية تمزق الحاجز الرمادي.
ومن وسط الدمار—
برز وليام.
شعره الفضي يرفرف تحت الضغط العنيف، درعه ممزق جزئيًا، يده اليسرى تنزف، لكن عينيه…
لم تتغير.
هادئة، باردة، و—
"كنتَ ستقتلني لو لم أتفادى ذلك."
تردد صوته عبر الساحة، نبرته خالية من العاطفة، كأنه لم يكن في قلب معركة مميتة قبل لحظات.
لكنني رأيت ذلك—
أثر الحرق الرمادي على جانبه الأيمن.
لم يكن هجومًا عاديًا… لكنه أيضًا لم يكن كافيًا لإنهاء القتال.
"إذن، ما زلتَ واقفًا…" تمتمت، أنفاسي متسارعة، جسدي لا يزال يحتفظ بأثر التعزيز الوحشي.
وليام لم يرد. فقط رفع سيفه مجددًا، وأخفض وضعيته.
حركاته… تغيرت.
لم يعد يقاتل بتركيزه المعتاد. هذه المرة، كان يتحرك كقاتل حقيقي، بدون تردد، بدون اختبار—
إنه قادم لإنهاء الأمر.
"حسنًا إذن…"
خفضت جسدي، استعدادًا للاندفاع.
"حسنًا إذن…"
خفضت جسدي، أعصابي مشدودة، عيناي مثبتتان على وليام الذي غير وضعية قتاله.
لقد انتهى وقت الاختبار.
"وشش—!!"
اختفى وليام من مجال رؤيتي للحظة.
لكنني لم أكن بحاجة إلى رؤيته لأعرف أين سيظهر.
رفعت يدي اليسرى، و—
"بوم—!!"
اعترضت سيفه بظهر كفي العاري المغلف مسبقًا بدرع مانا حامي.
الشرر تناثر بعنف، قوة الضربة دفعتني للخلف قليلاً، لكنني ثبت قدمي بقوة على الأرض.
"سريع."
وليام لم يتوقف. استدار في الهواء، مستخدمًا زخمه للهجوم مجددًا، سيفه يتوهج بطاقة حادة، مقطعًا الفضاء نفسه.
لكنه لم يكن أسرع مني.
"وشش—!!"
بلمح البصر، مددت ذراعي للأمام، قبضتي اندفعت كطلقة مدفع.
لم يحاول حتى صدها—
لأنه لم يكن هناك وقت.
"بوم—!!!"
لكمتي اصطدمت بجنبه مباشرة. الصوت الذي تبعها لم يكن مجرد صوت تحطم جسد… بل تحطم حاجز الصوت نفسه.
وليام قُذف بعيدًا مثل دمية ممزقة، جسده يقطع عشرات الأمتار في لحظة، قبل أن يغرس قدميه في الأرض، جاهدًا لإيقاف نفسه.
لكنني لم أنتهِ بعد.
قفزتُ للأمام، المسافة بيننا اختفت في ثانية.
رفع سيفه بسرعة لصد هجومي، لكنه لم يكن كافيًا.
ثم فجأة!، تذكرت نكتة قديمة، نكتة قالها لي أحد اصدقائي بالماضي..
"بفت!" لقد فهمتها لتو..
"كياهاهاهاهاهاهااا!!"
ضحكتي ملأت المكان، تزامنت مع وابل من اللكمات التي تجاوزت حاجز الصوت، كل واحدة منها تمزق الهواء كعاصفة مدمرة.
وليام حمى نفسه، ذراعاه متشابكتان أمام جسده، لكن…
قبضة واحدة كانت كافية لتحطيم دفاعه بالكامل.
"غغغ…!"
صرّ أسنانه، محاولًا تحمل الألم، لكنني لم أمنحه فرصة للتنفس.
لكمة أخرى—
"بوم—!!"
جرفته بعيدًا، رفعته عن الأرض كما لو كان مجرد ورقة في وجه إعصار.
تأرجح جسده في الهواء… لكنني كنت هناك قبله بالفعل.
أستطيع رؤية الصدمة في عينيه، عقله يحاول اللحاق بالواقع، لكن الوقت قد نفد.
لم يكن عليك، اعطائي الوقت لتعزيز نفسي إلى هذا الحد..
"بام—!!!"
لكمة مباشرة في بطنه، أرسلته يسقط نحو الأرض بسرعة مرعبة.
اصطدامه صنع حفرة عميقة، الأرض تحطمت تحته، غبار كثيف تصاعد في الهواء.
لكنه لم يكن كافيًا.
ظهرتُ فوقه قبل أن يتمكن من الحركة.
قدمي هوت على صدره، القوة التي أطلقتها لم تكن مجرد ضربة—بل كانت سحقًا تامًا.
"آااااااه—!!!"
صرخته اخترقت الهواء، الأرض تحته تصدعت، جسده غاص أعمق وسط الدمار المتشقق.
لكني لم أرفع قدمي بعد.
بل زِدتُ الضغط.
أشعر بعظامه تئن تحت قوتي، أنفاسه تكاد تختفي، جسده ينهار.
هذا ممتع…!
نظر إليّ بعينين متسعتين، رعب خفي يتسلل إلى ملامحه.
"كك… كيف…"
كان صوته واهيًا، شبه ميت.
عقله يكافح لفهم الحقيقة التي فرضتها عليه الآن—
هذا ليس قتالًا متكافئًا.
هذه ليست معركة.
اصبح ضرب من طرف واحد.
رفعت قدمي مجددًا لأزيد من وطأة الضغط عليه
"كيوووغ!!"
فجأة..شعرتُ بحرارة حارقة ترتفع من أعماقي، ثم—
دفقة من الدم تدفقت من فمي.
نزلت على حواف قناعي بسلاسة، تاركة أثرًا أحمر دافئًا امتزج بالبرد الذي بدأ يتغلغل في أطرافي.
— أه…
جسدي… ينهار؟
حاولتُ رفع قدمي لإنهاء الأمر، لإغراق وليام أعمق في الحطام، لكن عضلاتي لم تستجب.
شعرتُ بتقلصات مؤلمة تعصف بأطرافي، وكأن قواي تُنتزع مني بالقوة.
"ما… هذا…؟"
رفعتُ نظري إلى وليام، الذي بالكاد كان يتنفس تحت قدمي، لكن حتى مع ضعفه، كانت هناك نظرة… نظرة انتصار؟
"تسك…!"
ارتعش جسدي للحظة، و—
"وشش—!"
ركلته بعيدًا، متراجعًا للخلف بينما وضعتُ يدي على معدتي، متجاهلًا الألم الذي كان ينتشر بسرعة غير طبيعية.
— شيء ما ليس على ما يرام.
ليس الأمر مجرد إجهاد أو استنزاف طاقة… لا، هذا…
"خدعة قذرة، وليام."
صوتي كان أكثر حدة مما قصدت.
شعرتُ بمرارة الدم في فمي، لكنه لم يكن مجرد دم.
كان هناك شيء آخر.