الفصل الثامن عشر: أطلال كاثلوب [8]

تطلعت إفاندا إلى وليام بابتسامة جانبية، وعيناها تتوهجان بسخرية مستترة.

"يبدو أنك بحاجة إلى مساعدتي… كما هو الحال دائمًا."

قبض وليام يده لا إراديًا، وبرز وريد على جبينه وهو يحاول كبح انزعاجه من نبرتها المستفزة.

"كنت سأنجح… لو لم تتدخلي."

أمالت رأسها قليلًا، متفحصة حالته المتدهورة…جسده المرهق، أنفاسه المتثاقلة، والجروح التي تزين ذراعيه.

ثم همهمت بصوت خافت:

"لا يبدو أن لديك اليد العليا."

رفع كال يديه باستسلام، قاطعهم بنبرة تمزج ما بين التوتر والهدوء المصطنع.

"ما رأيكم أن ننهي هذا الأمر هنا؟ كلُ منا يذهب في طريقه."

لكن نظرة إفاندا الحادة اخترقته …باردة، خالية من أي مشاعر، وكأن كلماته لم تصلها من الأساس.

"لا أستطيع… الأوامر واضحة، يجب أن أقضي عليك."

قطرة عرق باردة انزلقت على خد كال، إحساس ثقيل بالخطر ضغط عليه.

"نحن بالغون وعقلاء، استمرار القتال لن يجلب سوى كارثة أكبر… إنهاء الأمر هنا في مصلحتنا جميعًا."

لكن صوتها جاء قاطعًا، لا مجال فيه للنقاش.

"كان عليك التفكير بذلك قبل أن تحاول التسلل إلى سيف النور."

ضغط كال على أسنانه، زمجرة خافتة هربت من شفتيه قبل أن يدير ظهره فجأة.

"تسك."

ثم انطلق، قدماه تتحركان قبل أن يقرر عقله الهروب.

بمجرد أن استدار، تردد صدى انزلاق النصل خارج غمده، جافًا وحادًا كإنذار أخير.

تشنج جسده، وحواسه بلغت ذروتها.

الخطر كان قريبًا، قريبًا لدرجة أن الهواء من خلفه أصبح أثقل، مشبعًا بشعور مميت.

"وشش—!!"

اجتاح كيانه قشعريرة حادة.

نية قاتلة ثقيلة خيمت عليه، كأن الموت نفسه يحوم خلفه.

— فن عائلة ألستر —

استدار بغريزة حيوان محاصر، جسده بالكاد يلحق بعينيه التي سبقتاه في التقاط المشهد.

لكن ما رآه لم يكن سوى وميض بارد…

نصل يقترب بسرعة، ولم يعد يفصله عن جسده سوى بضعة سنتيمترات.

حبس أنفاسه، وكأن الزمن تجمد للحظة، كل شيء بدا بطيئًا…

~الأسلوب الأول: اختراق الحياد~

في جزء من الثانية، أمال ظهره للخلف و رأسه أنسحب مع حركته…

ظهره أنحنى كوتر مشدود.

مر السيف فوقه بسرعة خاطفة، قاطعًا الفراغ بفارق شعرة، لكن تأثيره لم ينته هناك.

"بووم-!!"

دوى صوت مدوي في الأرجاء..اندفع هلال من طاقة كثيفة على امتداد مسار السيف، مزلزلًا الفضاء ومخلفًا أثرًا عميقًا على الأرض.

خط عميق نحت التربة، مكوناً وادي مظلم كالهاوية.

إيفاندا رمقته بطرف عينها، و حاجباها انخفضا قليلاً.

كال لا يزال في وضعية الإمالة، وظهره منحني للخلف في توازن مستحيل.

يده اليسرى ثبتت ساعد يده اليمنى، كتثبيت سلاح، بينما في يده اليمنى، ارتفعت السبابة والإبهام، في وضعية تحاكي مسدس.

أمام طرف إصبعه، تشكلت كرة رمادية، نابضة بالطاقة، تدور بثبات.

ابتسامة ساخرة ارتسمت على شفتيه، عينيه تتلألآن بثقة خطرة.

"وداعًا…!"

"بوووم—!!"

في لحظة، انفجر الشعاع الرمادي، مغطّيًا المنطقة بأكملها، كأنه شمس قاتمة بزغت فجأة.

مزيج من الضوء والطاقة العنيفة اجتاح كل شيء في مساره، يلتهم الظلال، ويمحو الفواصل بين اللحظة والتي تليها.

"وشش-!! " تلاشى الدخان في لمح البصر، كما لو أنه لم يكن موجودًا.

ظهرت قلادة تتلألأ أمام إيفاندا، تشكل درعًا شفافًا يحميها.

"قطعة أثرية… " تمتم كال بصوت منخفض، وعيناه تتابعان حركة القلادة بحذر.

في لحظة، شعر بيدين قويّتين تقبضان على قميصه، رافعتين إياه عن الأرض.

"دوم-!"

سحبت إيفاندا قمصيه بكل قوة، ثم طرحت به أرضًا، عن طريق دفعه للأمام، ليصطدم كال بالأرض على ظهره، فاقدًا توازنه تمامًا.

ثم دون إعطاء أي فرصة على التنفس.

سددت لكمة مباشرة نحو وجهه بسرعة خاطفة.

تجنبها كال، بحركة سريعة، عن طريق إزاحة رأسه جانبًا، لتسقط قبضتها بجانب وجهه وتتحطم على الأرض.

"دوم-!! " ارتدت قبضتها عن الأرض مع صوت مدوي، وفي لحظة، ظهرت تشققات عميقة تحتها، تتسارع بشكل غير متوقع.

"وشش-!! " انفجرت الأرض و أنهارت تحتهم، أدى ذالك إلى إبتلاعهم جميعًا نحو الأعماق…ليسقطوا في الهاوية.

***

في أحد المقاهي الهادئة، جلس رجلان على طاولة جانبية.

الأول كان مسنًا، شعره رمادي مختلط بالشيب، وشارب طويل يغطي فمه بينما كان حلق لحيته بالكامل.

أما الثاني فكان في الأربعينات، ذو شعر أسود مشدود للخلف وعينين بنيتين لامعتين، لحيته خفيفة وشكل وجهه قوي، وعيناه تحملان نظرة حادة.

نظر بتلر إلى الفارس بجانبه، وعبّر عن شكه بنبرة هادئة لكن مليئة بالقلق.

"هل أنت متأكد أنك ستجعلها تستلم بدلاً عنك؟"

هز ليونارد رأسه بثقة، وهو يرفع كأسه في هدوء. "لا يهم… ليست طفلة."

تنهد بتلر، ملامح وجهه تشتد مع الغضب الخفيف. "إذا استمريت بهذا التكاسل، سأضطر لإخبار رئيس العائلة."

لكن ليونارد لم يتأثر. ابتسم ابتسامة واسعة، ثم وضع يده على كتف بتلر في حركة مريحة.

"لا تكن جادًا جدًا، بتلر. أنا الآن فارس من الدرجة الثامنة، كيف تتوقع مني أن أتصرف؟"

"كان بإمكانك الذهاب."

حرك ليونارد كفه يمينًا ويسارًا، قائلاً:

"لا، لا، هي بالفعل حققت العديد من الإنجازات في هذا العمر، وهي من تطوعت لتأخذ مكاني. كيف لي أن أرفض طلب الابنة الكبرى لرئيس العائلة؟٠

تنهد بتلر بعمق، وأغلق عينيه للحظة، "على هذا الحال، سأعاني من ارتفاع ضغط الدم."

قاطع ليونارد حديثه فجأة، بسخرية خفيفة:

"ألم تكن فارسًا سابقًا من الدرجة الثامنة قبل أن تتقاعد، كيف يمكن لك أن تعاني من ضغط الدم؟"

رفع بتلر حاجبيه، ونظر إليه بحدة. "فقط انقلع قبل أن أصاب به حقًا."

***

"كح كح…" سعل بصوت منخفض، بينما حرك يديه بخفة، متخلصًا من بعض الغبار الذي علق به.

المكان محاط بسكون ثقيل، والغبار يملأ الجو، ما يجعل الرؤية صعبة.

نظرت حولي، وسرعان ما التقط الظلال التي تحيط بالمكان.

كانت المنطقة مظلمة تمامًا، لا شيء سوى ضوء القمر.

ولكن مع الجسد المعزز، يمكنني رؤية كل شيء بوضوح، كأن الظلام لا يشكل عائقًا لي.

التماثيل كانت منتصبة في أرجاء المكان، غريبة ومشوهة.

كان أحد التماثيل الأكبر، تمثال كيان هائل، جسد مشوه ومنفوخ، بأعين وأفواه متشابكة بكل مكان.

حوله كانت هناك تماثيل صغيرة جدًا، من الواضح أنها كانت تمثل بشرًا، راكعين أمامه.

كان المنظر مريبًا،.

حسنًا..كنا نقاتل فوق أطلال..لن يكون من المستغرب وجود مساحة خاصة في الأسفل.

بينما كان غارق في افكاره، ايقظته حواسه بخطر قادم.

بحركة غريزية، انزلق جسده إلى الجانب، مبتعدًا عن المسار القاتل للهجوم الذي كان يقترب بسرعة هائلة.

"وشش-!!" سيف لامع مر بجانبه في لمح البصر، سريعًا لدرجة أنه تخطى الصوت، عازمًا على قطعه.

"تسك!"

لم يكن لديه وقت للتفكير..بحركة سريعة، قفز في الهواء، محولًا زخم جسده إلى ركلة قاسية نحو رقبة خصمه.

لكن إيفاندا كانت أكثر براعة، بتفاعل سريع، رفعت يدها اليسرى، تصدت للهجوم في لحظة حاسمة.

"بومم-!!"

تم قذفها كدمية محطمة، اصطدمت بالجدار بعنف، فاقدة القدرة على المقاومة.

لم يتوقف كال عن الحركة، استدار في الهواء وسدد ركلة حادة أخرى، مفاجئًا وليام الذي كان يخطط للهجوم.

لكن وليام، تفاعل بسرعة، وغير وضعه على الفور، مرفعًا ذراعيه لحجب مسار الركلة.

"دوم-!" اصطدمت الركلة بسواعده، أهتزت ذراعيه لكنه ثبت قدميه في الأرض بعزم وصلابة.

بخطوة سريعة، انقض وليام وأمسك بكاحل كال، مستغلًا الفرص.

"وشش-!!" بقوة هائلة، دار بجسده وألقى بكلل بعيدًا، مما جعله يفقد توازنه.

"هذا اللعين !" شتم كال بصوت منخفض، وهو يتدحرج في الهواء يحاول العودة إلى وضعه الصحيح.

لكن، فجأة، شعر بشيء ثقيل يهبط فوقه.

تفاجئ بظهور إيفاندا في السماء فوقه.

"بومم-!!" سددت لكمة هائلة، قُذف كال على إثرها بقوة نحو الأرض.

*

نظر كال للأعلى وهو يضغط على أسنانه بغضب، جسده محفور في الأرض تمامًا، بينما كان وليام يقترب منه بسرعة، وإيفاندا على وشك الهبوط عليه من الأعلى.

"هذا مزعج حقًا." تمتم في نفسه.

[تم تفعيل {سيد الاغتيال} [الرتبة: SS+]]

فجأة، امتلأت المساحة حوله بعشرات خيوط المانا التي تشكلت من العدم، التوت و تحركت كالكائنات الحية، ثم انطلقت بسرعة خارقة نحو هدفها .

"هذا؟!" ذهلت إيفاندا..وفشلت محاولاتها بالتفكير في موقع ظهور الخيوط التي قيدتها..وفي الوقت نفسه جعلتها تتأخر بالقيام بأي ردة الفعل.

قفز كال بسرعة من الحفرة التي تم قذفه إليها، مستندًا على أقرب جدار ليتوازن في وضع يتحدى قوانين الجاذبية.

بموجة سريعة من يديه، تكونت كرتان سوداء ضبابية، ثم تحولت في لحظة إلى خناجر حادة ومتوهجة.

-خنجر الشبح -

"تبًا!" شتم وليام بحدة وهو يشهد الوضع يتفاقم أمامه.

أغلق كال عينيه لفترة قصيرة ثم شد قدميه.

"وشش-!" اختفى في لمح البصر، تاركًا خلفه سحابة من الغبار.

ظهر فجأة أمام إيفاندا، في لحظة.. كانت فرصة لم تتمكن فيها من الرد.

~ الأسلوب الثاني: شواهد القبور ~

في لحظة خاطفة، أضاءت خناجره بنيران بنفسجية مشتعلة، تحمل هالة الموت.

اقترب خنجره بسرعة مذهلة إلى رقبة إيفاندا، التي نظرت إليه ببرود، وكأنها لا تكترث لضربة التي تستهدفها.

-فن عائلة روتشليد -

لكن في تلك اللحظة، ظهر وليام خلف كال، في الهواء، متمهلًا في خطوة غير متوقعة.

اتسعت أعين إيفاندا للحظة.

~ الأسلوب الثاني: قلب الفارس ~

لوح بسيفه بقوة نحو رقبة كال، في محاولة لانهاء القتال بضربة حاسمة.

لكن كال لم يبدوا متأثرًا.

في حركة مستحيلة، أدار جسده في السماء، ركلًا الهواء نفسه ليغير موضعه بمهارة غير قابلة للتصديق.

وفي نفس اللحظة، رفع خنجره بسرعة لا توصف، ليواجه سيف وليام بضربة دفاعية محسوبة.

"وشش-!!"

عند الاصطدام، شد قبضته على السلاح بقوة، ثم عدل موضع الخنجر لزاوية حادة، بحركة سريعة ولكن دقيقة.

تمكن من تحريف الهجوم ببراعة، حيث انزلق السيف عبر الخنجر، ففشل في الوصول إلى الهدف المطلوب.

ظل كال ثابتًا، لا يتزحزح، وكأن الهجوم لم يكن له تأثير عليه، ليترك وليام في موقف غير متوقع تمامًا.

"بومم-!!"

في المسار الذي قطعه سيف وليام، انفجر شعاع ضوء خاطف، يقطع كل شيء في طريقه، ويغلف السماء المظلمة حولهم.

لكن كال لم يتراجع...في حركة مفاجئة، قلب الخنجر في يده الأخرى، ولوح به بسرعة لا يمكن تتبعها.

"وشش-!!" تطايرت الدماء في الهواء، بينما مر خنجره بشكل مستقيم، ليقطع عبر الكتف.

شعر وليام بالصدمة وهو يراه، كيف تحولت الأمور بشكل دراماتيكي.

لم يعد هو المهاجم. أصبح هو الضحية. "كيف؟! كانت أفكاره مشوشة.

لم يكن هذا هو الجوكر الذي قاتله سابقًا..هذا التحول المفاجئ…لا يصدق!.

لكن كال لم يوقف هجومه. دون أي تفكير في التوقف، طعن وليام مرة أخرى في نفس مكان الجرح الذي أحدثه أولاً.

“اغغ!” صرخ وليام بألم، قبل أن ينهار على الأرض، فاقدًا توازنه بالكامل، متأثرًا بالجراح التي تلقاها.

شعر كال بحواسه تحذره، وكأن جرس إنذار ينبض داخل رأسه.

-فن عائلة ألستر -

استدار بسرعة، ووجه انتباهه نحو الوحش الآخر الذي هرب من قيوده.

~ الأسلوب الرابع: المسار المستتر~

***

سينتهي القتال في الفصل القادم…

2025/03/07 · 228 مشاهدة · 1566 كلمة
Drbo3
نادي الروايات - 2025