الفصل العشرون: كافتيريا~

تجمدت أنفاس كاليون في حلقه وهو يحمل شريحة الذاكرة لعين الأرشفة بأصابع مرتعشة.

لم يكن يتوقع ذلك… لم يكن مستعدًا لذلك.

قطرة عرق باردة انسلت من جبينه، شقت طريقها عبر وجنته قبل أن تسقط على الأرض بصمت مدوً.

نظر إلى ليورند والآخرين، التوتر في أعينهم كان انعكاسًا لما شعر به تمامًا.

ابتلع ريقه بصعوبة، ويمكنه بالفعل تخمين ردة فعلهم على ما بدأ ينكشف أمامهم.

ثم، ببطء وحذر، أدخل الشريحة في الجهاز أمامه.

"تششش-!"

صوت التشويش المزعج مزق الصمت للحظات، قبل أن تضيء شاشة الهولوجرام بأضواء زرقاء، متخذة شكل مربع شفاف..ثم—

بدأ المقطع.

مرت الثواني، تلاها الدقائق، لكن الزمن بدا وكأنه توقف داخل الغرفة.

عيونهم كانت ملتصقة بالشاشة، لكن تعابير وجوههم كانت هي الصفقة الحقيقية.

كان العرق يبلل جباههم، ووجوههم أصبحت شاحبة لحد الاصفرار، وكأن كل لقطة تُعرض أمامهم تستنزف جزءًا من روحهم.

أصابع ليورند ارتجفت وهو يشير نحو الهولوجرام، صوته بالكاد خرج من بين شفتيه.

"وليام روتشيلد… إفاندا ألستر…"

صدى الأسماء تردد في عقولهم، لكن ما تلاها كان ما جعل قلوبهم تهوي في صدورهم.

"خسروا… ضد فرد غير معروف!"

كلمات لم يكن من المفترض أن تُقال، مشهد لم يكن من المفترض أن يُرى.

ومع ذلك، كان أمامهم، واقعًا لا يمكن إنكاره.

***

تباعدت السحب ببطء، تاركةً القمر يضيء المكان بضوء خافت.

غسلت أشعة القمر وجهي، شيئًا فشيئًا، وكأنها تنبض بالحياة، تعيد الحيوية إلى كل جزء من جسدي.

"شوشش-!"

انبعث دخان أبيض من جسدي، ينزلق في الهواء حولي.

بدأت الجروح تلتئم بسرعة مخيفة، وكأنها تتحدى سيكولوجية الانسان ذاتها.

اختفت آثار الجروح والحروق التي كانت تلوث جسدها، وبدأت اليد اليمنى تتشكل من جديد أمام عينيها. ظهرت الأوعية الدموية أولاً، تلتها طبقات الأنسجة العضلية، ثم تدفقت الدماء، متجمعة لتشكّل يدًا جديدة، كاملة، تنبض بالحياة

تراجعت إيفاندا خطوة إلى الوراء، تتأمل الجثة أمامها بعبوس.

بشرة محترقة مشوهة، يد محطمة لدرجة لا يمكن التعرف عليها، وقدما ملتوية بشكل مستحيل. همست لنفسها:

"هذا مؤلم."

وقفت بصعوبة، محاولًة تجاوز الألم الذي يعتصر جسدها.

نظرت حولها إلى الخراب الذي خلفه الصراع، ثم همّت باللحاق بالجوكر.

لكن صوتًا خافتًا أوقفها:

"اتركيه… كح… كح!"

سعل بقوة بعد كلماته، محاولًا استجماع قواه..التفتت إيفاندا نحو وليام، الذي كان يقاوم الألم بصعوبة.

"لمَ لا تشفي نفسك؟" سألت بقلق غير واضح.

"ليس لدي المانا الكافية، أحتاج للراحة قليلًا قبل الشفاء." أجاب بصوت مبحوح، وجهه شاحب من الإرهاق.

تجاهلته و أعطته ظهرها لتكمل مسارها، رغم التعب الذي يثقل خطواتها..لن تدعه يهرب، على الأقل ليس بعد. لكن الصوت المبحوح أعادها مجددًا:

"توقف… ي."

تنهدت إيفاندا، ثم توقفت دون أن تلتفت. "لماذا؟"

نظر وليام إلى القمر، وكأنه يستجمع أفكاره قبل أن يتحدث. "اللحظة بعد الهجوم، كنا خاويين. لكان بإمكانه نحرنا في تلك اللحظة."

تغيرت ملامح إيفاندا، وتحولت نظرتها إلى حدة.

"تركنا وهرب، رغم أنه كان لديه القدرة على قتلنا قبل الهرب."

"وإذ؟" لم تفهم مقصد كلامه.

ابتسم وليام بتعب، محاولًا تخفيف حدة الموقف. "وإذ ماذا؟ لم يكن يقاتلنا منذ البداية لقتلنا."

صمت للحظة، ثم أضاف بصوت منخفض، يغمره الأسى: "كان لديه هدف آخر… قتَالنا، موتنا من عدمه كان شيئًا ثانويًا بالنسبة له."

أخذت إيفاندا نفسًا عميقًا، محاولة استيعاب ما قاله وليام.

"هراء." قالت ببرود، ونظراتها لم تتغير وهي تحدق في الخراب امامها.

"ك-هيه." ضحك بخفة، وكأن الألم لم يعد يعني شيئًا بالنسبة له...بصعوبة، رفع يده المرتجفة، أصابعه بالكاد تتحرك، وأشار نحو نقطة بعيدة وسط الظلام.

"هناك… بوابة—" وقبل أن يُكمل، تهدلت جفونه وسقط بلا حراك، جسده أنهار تحت وطأة الإصابات.

إفاندا لم تتحرك للحظة، حدقت في الاتجاه الذي أشار إليه، عينها ضاقت قليلاً.

"بوابة…" تمتمت بصوت منخفض، تنفست ببطء، جسدها المثقل بالإرهاق يطالبها بالتوقف، لكن عقلها كان في مكان آخر.

رغم رغبتها الجامحة في مطاردة الجوكر الهارب، إلا أن معرفتها بقدرة وليام التحليلية جعلتها تتردد.

أخيرًا، زفرت بضيق، عيناها تلمعان

"سنرى."

***

في أحد الأزقة المظلمة بمقاطعة ألستر، لم يكن هناك سوى الظلال والأنفاس اللاهثة التي تمزق سكون الليل.

"هوف… هف… هوف هوف!"

شاب بشعر أسود يتلألأ تحت وهج القمر الخافت، يقف هناك، صدره يعلو ويهبط بجنون، وقلبه يدوي كطبول حرب لا تهدأ.

جبينه مغطى بالدماء، وملابسه ممزقة، متعفسة بفوضى المعركة.

كان ذلك الشخص كال، وقد ألغى تحوله..عيناه المرتجفتان تحدقان في يديه، أصابعه ترتعش كما لو أنها لا تصدق ما فعلته.

لقد حدث… حدثً لم يكن ليحدث أبدًا في اللعبة.

قتال كائنين من الرتبة السادسة، في بداية اللعبة؟ مستحيل.

رفع يديه ببطء، ضغط أصابعه على جبهته المتعرقة الممزوجة بالدماء، ثم…

"هيه… هاها…"

ضحكات متقطعة تفلت من شفتيه، تتردد داخل الزقاق المهجور، تتشابك مع أصداء الليل.

شيئًا فشيئًا، ارتفعت الضحكات، تزايدت، تضخمت بستمرار بشكل لا يمكن كبحها.

ولكني فعلتها!.

***

في غرفة فاخرة، الجدران مكسوة بخشب داكن مزخرف بزخارف ذهبية. ثريا كريستالية تضيء السقف المرتفع، بينما رفوف خشبية تحمل كتبًا قديمة.

مكتب ضخم من خشب الماهوجني يتوسط الغرفة، محاطًا بأريكة مخملية وأرضية مغطاة بسجادة فارسية.

ستائر ثقيلة تحجب ضوء الشمس، مما يضفي على الغرفة هالة من الفخامة والسكون.

"همم…" فتحت أفلين عينيها ببطء، شعرها الأسود القصير اشعث بسبب نومها الثقيل، بينما كانت أجفانها تتأرجح بين الانفتاح والإغلاق.

نظرت إلى الستائر التي اهتزت بخفة مع نسيم الصباح، ضوء الشمس الخافت يتسلل من بين ثناياها، لينعكس على الجدران الداكنة.

تمددت على السرير، جسدها يئن من الإرهاق.

بقيت هكذا لعدة دقائق، مستمتعة بالدفء في المكان، قبل أن ترفع يديها لتتسحب الغطاء عن جسدها ببطء.

"هااف…" أخذت نفسًا عميقًا، ثم تململت على السرير قبل أن تنزع غطاءها، وتتركه ينساب من فوق جسدها.

بحثت عن حذاء عشوائي في الزاوية، لم يكن يهمها المظهر في تلك اللحظة. كانت خطواتها متثاقلة حين تحركت نحو دورة المياه.

وصلت إلى الدش، شغلته برفق، وضبطت المياه ساخنة دون تفكير.

كان الجو باردًا قليلاً، والمياه الباردة كانت ستكون بمثابة تعكير إضافي لا تريده في تلك اللحظة.

"شوشش…" تصاعد الصوت الناعم للمياه الساخنة التي بدأت تتدفق، تغمر وجهها أولاً، ثم تسيل عبر جسدها في تدفق مريح.

أغمضت أفلين عينيها، تراقب بخيال لحظة الهدوء التي غمرتها، جسدها كان يهدأ شيئًا فشيئًا من آثار الليلة الماضية.

لكن، سرعان ما عكرت أفكارها ذهنها، تذكرت الاختبار الكتابي. ابتسمت ابتسامة باهتة، لكن مزاجها تغير فجأة.

في الأمس، استلمت مفاتيحها، ولكم لم تجد كال..لذا جاهلته بكل بساطة، وكان النوم هو ملاذها الوحيد حينها.

بعد عشر دقائق، أغلقت صنبور المياه، ثم خرجت من دورة المياه. منشفة تغطي رأسها وأخرى تحيط بجسدها

بعد خمسة عشر دقيقة، انتهت من التنشيف وتقليم أظافرها. نظرت إلى نفسها في المرآة، وأحست بالراحة.

كانت التفاصيل الصغيرة قد اكتملت، والآن أصبح بإمكانها التركيز على ما هو أهم.

فتحت خزنتها، ولم تجد سوى لباس الأكاديمية.

رداء طويل بلون أزرق داكن من قماش فاخر، مزخرف بتطريزات سحرية على الأكمام والحواف.

تحت الرداء، قميص ذو ياقة مرتفعة وتنورة، وعلى الصعيد الأخر هناك، بنطال طويل يتناسب مع الطابع الأكاديمي.

لم تعجبها التنورة، فاختارت البنطال الطويل، الذي بدا أكثر تناسقًا مع ردائها الأكاديمي، ومنحها راحةً وحركةً أكثر حرية.

خرجت أفلين من غرفتها متوجهة إلى الكافتيريا.

كان سكنها يسمى "الفضيلة"، وهو سكن أكاديمي مقسّم إلى نصفين، أحدهما للفتيات والآخر للفتيان، ومخصص لطلاب الفصل S. كان مكانًا يتسم بالفخامة والرفاهية.

توجهت إلى الكافتيريا لتتناول فطورها، لم تكن معتادة على المكان ولم يكن لها مزاج للاستكشاف، لذا سألت حارس البوابة بمكان الكافتيريا.

وبعد اتباع توجيهه، وصلت.

نظرت إلى القاعة الفخمة ذات الطابع الحديث، حيث الأرضية الرخامية اللامعة والجدران بألوان دافئة.

الإضاءة السقفية الحديثة والمقاعد المريحة بتصميماتها الهندسية تخلق جوًا مريحًا.

النوافذ الكبيرة تسمح بدخول الضوء الطبيعي، مع ستائر شفافة تنسدل برفق، مما يجعلها مكانًا مثاليًا للاسترخاء.

تقدمت أفلين نحو نافذة الطعام ، لتجد امرأة كبيرة في السن ترتدي زيًا أبيض وقبعة بيضاء أنيقة.

"شيف خاص؟" همست في نفسها، معجبة باهتمام الأكاديمية بطلابها.

"أم أن غالبيتهم من النبلاء، لذا لا يرضيهم سوى الأفضل؟" همست في نفسها، معجبةً باهتمام الأكاديمية بطلابها.

"مرحبًا." قالت أفلين، محاولة لفت انتباه المرأة.

"أوه، مرحبًا عزيزتي، ماذا ترغبين في تناوله؟" أجابت المرأة بابتسامة دافئة.

نظرت أفلين للأسفل، تتفحص الطعام المعروض أمامها.

رغم أنها كانت من أسرة نبيلة سابقًا، إلا أن تلك الأيام كانت بعيدة جدًا عنها، آخر ما تتذكره هو الخبز المحروق اليابس.

"أريد ما تختارينه أنتِ، سيدتي." قالت أفلين بصوت هادئ.

ابتسمت المرأة بلطف. "أنتِ مهذبة جدًا، يمكنكِ ترك الرسميات. اسمي أستريا ساندمير، يمكنكِ مناداتي بأستاريا."

إنها ودودة جدًا، فكرت أفلين في نفسها، ثم قالت بابتسامة، "أنا أفلين، تشرفت بلقائكِ، أستريا."

"الشرف لي." قالت أستريا، ثم أعطت أفلين ظهرها لتقديم الطعام

وضعت أستريا طبقًا خزفيًا أنيقًا أمام أفلين، يتصاعد منه بخار دافئ برائحة شهية.

وبعد دقائق عادت أستريا.

"ها هو فطورك، عزيزتي." قالت بابتسامة دافئة وهي تزيح الغطاء الفضي عن الطبق.

ظهر أمام أفلين بيض تحيط به ساحبة ، حيث كان بياض البيض مخفوقًا بطريقة تجعله يبدو كأنه غيمة صغيرة، يحيط بصفار ذهبي كريمي يتلألأ بخفة.

إلى جانبه، رُتبت شرائح من الدجاج المشوي، متبلة بأعشاب عطرية ذات لون أرجواني خفيف، تفوح منها رائحة مميزة.

بجانب الطبق، كان هناك خبز محمص هش بلمعة زبدة ذائبة، مما أكمل التقديم بطريقة أنيقة.

"بيض السحابة مع شرائح الدجاج المشوي." قالت أستريا وهي تضع ملعقة صغيرة على الطاولة. "خفيف على المعدة، لكنه يمنحك طاقة كافية لليوم."

نظرت أفلين إلى الطبق للحظات، ثم رفعت شوكتها وقطعت جزءًا صغيرًا من البيض.

بمجرد أن لامس لسانها، شعرت بقوامه الحريري يذوب بلطف، تليه نكهة الصفار الغنية التي امتزجت بتناغم مع الأعشاب السحرية في الدجاج.

"لذيذ..!" تمتمت بصوت منخفض، قبل أن تأخذ لقمة أخرى.

ضحكت أستريا برضا، "سعيدة لأنكِ أحببته، تناولي فطورك جيدًا."

أومأت أفلين، مستمتعة بالمذاق بينما تأملت مدى الفخامة التي تعيشها الآن، مقارنةً بماضيها.

رفعت أفلين صينيتها واتجهت إلى إحدى الطاولات الفارغة، جلست بهدوء وبدأت في تناول طعامها، مستمتعة بالمذاق الفاخر الذي لم تعتد عليه منذ وقت طويل.

مرت الدقائق، وكل لقمة كانت تزيد من إحساسها بالرضا حتى انتهت من طبقها تمامًا.

وضعت الشوكة جانبًا، متأملة الطبق الفارغ أمامها. "مذهل…"تمتمت لنفسها، مذهولة من جودة الطعام.

لكن لحظة استراحتها لم تدم طويلًا.

أصوات همسات متفرقة بدأت تتسلل إلى أذنيها.

"أهم… أصدقاء منذ متى؟"

"إنهم ثنائي رائع."

شعرت أفلين بتغير الأجواء حولها، مما دفعها إلى النظر نحو مدخل القاعة.

عند البوابة، دخل شخصان، وسرعان ما اجتذبا كل الأنظار.

الأول كان شابًا طويل القامة، حوالي 183 سنتيمترًا ، بشعر أسود تتخلله خصل زرقاء، وأعين حمراء تتوهج كالياقوت.

وبجانبه، شابة تقارب 173 سنتيمترًا ، ذات شعر أسود قصير يصل إلى رقبتها، وعينين عسليتين تلمعان بإشراقة حادة.

من هما؟ بدا أن وجودهما وحده كفيل بإثارة اهتمام الجميع.

لكن أفلين لم تهتم كثيرًا.

أخذت رشفة من الماء، غير مكترثة بالضجة التي أحدثاها.

لكن فجأة، التقطت أذناها كلمات من الطاولة المجاورة.

"آه… دانيال ألستر، أليس وسيمًا؟"

"بفتت!"

اختنقت أفلين فورًا، كادت تسعل بشدة وهي تحاول استيعاب ما سمعته.

ألستر؟!

***

بالمناسبة أشكر صديقي واخي وليد على مساعدتي في إنشاء الغلاف الجديد وتصميمه.

ما رأيكم؟.

وهذا صورة أخرى لكال—أو الجوكر اثناء القتال، وبعد التحول.

رغم قولي له إن عينا كال زرقاء ولكن لا يهم، كانت التجربة الأولى…و الصورة رائعة.

2025/03/15 · 226 مشاهدة · 1688 كلمة
Drbo3
نادي الروايات - 2025