الفصل الواحد والعشرون: الأب بالأسم ~

في ذلك اليوم، أخذني والدي برفقته إلى قصر عائلة ألستر، حيث كان من المقرر أن يلتقي بالسيد هوغو ألستر، رب العائلة.

كنت طفلة صغيرة آنذاك، غمرني التوتر والفضول، فكل شيء في هذا المكان بدا ضخمًا ومهيبًا..الممرات الشاسعة، الجدران المزخرفة، ورائحة الخشب العتيق التي تملأ الأجواء.

بينما كنت أتجول بخطوات مترددة، جذب انتباهي فتى في مثل سني.

كان يقف عند النافذة، تحت ضوء الشمس الذي أضفى وهجًا ناعمًا على خصلات شعره السوداء ذات الانعكاس الأزرق.

حين التفت، التقت عيناي بعينيه الحمراوين اللتين تشعان ببراءة دافئة.

ابتسم واقترب مني بخطوات خفيفة، كأن حضوره كان شيئًا طبيعيًا في هذا المكان الفخم، ومد يده الصغيرة قائلًا بصوت طفولي ناعم:

"مرحبًا، أدعى دانيال..ما اسمك؟"

ارتبكت لوهلة، لم أكن معتادة على هذه المباشرة، لكن سرعان ما تمالكت نفسي وابتسمت بخجل، متلعثمة:

"أ-أدعى أفلين… أفلين ريبالت."

راقبني دانيال للحظات، وكأنه رأى عبر توتري، ثم ابتسم بلطف وأردف بحماسة طفولية:

"تشرفت بمعرفتك، أفلين، ما رأيك أن أصطحبك في جولة عبر القصر؟ سأريك أفضل الأماكن فيه!"

تألقت عيناي بسعادة مفاجئة، كلماته حملت معها دفئًا ازال توتري. هززت رأسي بحماس:

"حقًا؟ أوافق بكل سرور!"

في ذلك اليوم، كنت قد كونت أول صديق ظننت أنه سيبقى معي للأبد.

لكنني لم أكن أعلم أنها ستكون المرة الأولى… والأخيرة التي أراه فيها.

***

"هراء… سيتعرف علي!"

عادت نظراتي إلى دانيال مجددًا. كان يسير بتمهل بجانب فتاة غريبة، يماشي خطواتها بهدوء وكأنه لا يحمل همًّا في العالم.

لم يبدُ أنه رآني.

جيد… لكن من تلك التي بجانبه؟

ضيّقت عيني بينما أمعنت النظر في الفتاة. لم يكن وجهها مألوفًا، ولا ملامحها تعكس أصول إحدى العائلات الدوقية المعروفة.

ليست مشهورة إذًا… من تكون؟

بالمناسبة… ألم يقال بالأمس شيئًا عن تلك العامية ذات القبول الخاص؟

لا أعلم مدى دقة الشائعات، لكن يُقال إن عامية ذات موهبة هائلة قد انضمت إلى الأكاديمية.

بل وتدخلت في قتال بين أبناء العائلات الدوقية.

وقفت من مكاني، متجنبة أي لقاء غير مرغوب فيه. "سيكون من الجيد المغادرة الآن." ثم غادرت الكافتيريا.

*

فور مغادرة أفلين، التفتت رام ونظرت إليها من من الخلف.

تساءلت في داخلها: "هل كانت تحدق بنا منذ لحظات؟"

إذا لم تخني ذاكرتي، فهي أفلين ريبالت.

لكن ما الذي تفعله هنا؟..أليس من المفترض أن تلتحق بالأكاديمية بعد شهر من الآن؟

حللت رام الأمر بدقة، ثم تمتمت: "تسك… لا تخبرني أن هذا هو تأثير الفراشة؟"

على عكس كال، هاجرت رام إلى هذا العالم قبله بعام كامل.

كانت والدتها كاهنة في كنيسة الضوء، وهي التي اكتشفت تقاربها المقدس، لذا، تدربت رام بجد لتصبح أقوى.

كانت بداية الأكاديمية تعني بداية المعاناة: من هجمات الإرهابيين، إلى المتعاقدين، وصولًا إلى تجسد الشياطين الحقيقية. هذا سيكون مريعًا.

"أليس كذلك؟" أعادها صوت دانيال إلى الواقع.

اعتذرت رام بابتسامة لطيفة: "أعتذر، لم أسمعك، هل يمكنك التكرار؟"

تنهد دانيال وقال: "هل لديك صلة قرابة بعيدة أو علاقة بالبابا الأعلى؟ أليس كذلك؟"

اعتقد أن هذه هي المرة الخامسة والخمسون الذي أسمع فيها نفس السؤال.

"لا… ليس هناك أي صلة قرابة."

"هذا غريب. " تمعن دانيال في عيني رام، مما جعلها تشعر بالانزعاج.

"ربما تكونين ابنة غير شرعية؟"

اتسعت عينا رام بصدمة قبل أن ترد بحدة: "ويحك! أتجرؤ على القول إن البابا زير نساء؟ لو بلغ هذا مسامع كنيسة الضوء، فلن يكون لك مفر من الموت!"

داعب دانيال ذقنه، ثم بمرح قال: "يبدوا أنك صادقة، فلك تنفعلي عندما ذكرته بسوء، ولكنك قلقتي علي."

ضرب قبضته بكف يده الأخرى، وقال: "أصدقك."

ابتسم كأنه اكتشف شيئًا عظيمًا.

نظرت رام إليه بملل، وقالت: "على أي حال، لماذا تلحقني؟"

***

في غرفة أنيقة، دخل شاب ذو عينين خضراوين وشعر أزرق فاتح، كانت تعابيره تنم عن انزعاج أو حزن، وربما شيء من الانكسار.

في يده، كان يحمل ورقة فاخرة، مزخرفة بخطوط ذهبية وبيضاء، مع زخارف حمراء. في أسفل يمين الورقة، كان هناك توقيع مميز، عرفه إيفان جيدًا.

{إيثان…

أكتب إليك هذه الكلمات، وأنا لا أجد في نفسي سوى خيبة أمل لا توصف.

خسارتك أمام دانيال ألستر، ابن العائلة الدوقية التي يفترض أنها تشاركنا النبل والكرامة، كانت بمثابة الصفعة التي أيقظتني من وهم كنت أعيشه…حقيقة انك الافضل بين جيلك.

ألم يكن من المفترض أن تكون قدوة لأقرانك؟ أم أن دروس الشرف والهيبة قد ضاعت بين جدران الأكاديمية؟

والأكثر إيلامًا أن تدخل طالب عامي هو ما أنقذك من عواقب كانت ستلحق بك لو تُركت لمصيرك، ألم يكن من الأولى أن تكون أنت من ينقذ الآخرين، لا أن تكون أنت من يحتاج إلى الإنقاذ؟

لقد أظهرت للجميع أنك لا تستحق لقب "فرايبورغ" وعار، لا اكثر...مثير لسخرية واكثر اثارة لشفقة.

المراسل: آدم فرايبورغ~]

ارتجفت يد إيفان لحظة عند قراءة آخر الجملة، ثم شد قبضته بقوة..برزت العروق على جبينه، فأخذ نفسًا عميقًا ليهدأ.

أمسك معدته للحظة، وغطى فمه.

"بفت… كياهاهاها!" انفجر في الضحك بشكل مفاجئ.

"والد؟ أب؟ هراء." تابع إيفان، متحدثًا بصوت مليئ بالسخرية.

تعامل ابنك كأداة لأهدافك، ومع ذلك تقول "شرف وكرامة"؟ أكبر نكتة سمعتها، لشخص قتل إخوته من أجل عرش سيد العائلة.

بما أنني وصلت إلى الأكاديمية، فقد حصلت أخيرًا على بعض الحرية، والحماية.

بسبب حماية الطالب، قررت عدم ابداء كامل جهدي ضد دانيال.

أعلم جيدًا، إن لدى والدي أذان في كل مكان، ومتيقن أكثر بأن أدائي المثير للشفقة سيبلغه.

ومع معرفتي بكره والدي لهوغو ألستر، كيف ستكون ردة فعله عندما يخسر ابنه ضد ابن أكثر شخص يكرهه؟

من المؤسف عدم رؤيتي لردة فعله بعيني هاتين.

كنت أرغب في الخسارة في النهاية… ولكن تم إنقاذي.

ورغم عدم سعادتي بإنقاذي ونجاتي في الاختبار، إلا إن كان ذلك سيغضب والدي، فسأكون أكثر سعادة.

أمسك إيفان الورقة بقوة، وعصرها بين يديه، ثم رماها في أقرب سلة مهملات.

في الأكاديمية…سأركز على تنمية قوتي، والعمل على طردي من العائلة.

هدفي النهائي في الحياة؟، قتل والد—لا، قتل آدم فرايبورغ.

الداعر الذي قتل والدتي بحجة الخيانة.

***

في غرفة التدريب، بدأ الجليد يتسلل ببطء من زوايا الغرفة، متخذًا شكل خيوط رفيعة تتشابك معًا لتشكّل طبقة رقيقة على الحواف.

مع مرور الوقت، امتد الجليد ليغطي الجدران والأرضية، حتى أصبح كل شيء من حوله مغطى بطبقة بيضاء لامعة.

"وشش-!!"

فجأة، انفجرت موجة من الصقيع، اجتاحت الغرفة بأكملها، مما جعل الهواء ثقيلًا ومثقلًا بالبرودة.

انخفضت درجة حرارة الغرفة من 20 درجة مئوية إلى 30-درجة مئوية تحت الصفر في لحظات، مما جعل التنفس صعبًا وأصاب الأطراف بالخدر

وسط الغرفة، كانت فتاة ذات شعر أبيض متجمد، كأنها خرجت لتوها من عاصفة ثلجية.

بشرتها شاحبة، تعكس برودة المكان من حولها، وعيناها الأرجوانيتان الكريستالية فتحتا ببطء، ببرود لا يوحي بأي تعبير.

فكها الحاد كان مشدودًا، وكأن ملامح وجهها منحوتة من حجر، ثابتة وغير متأثرة بما يجري حولها.

"هوفف…" زفرت بخارًا كثيفًا تجمد في الهواء، والتف حول وجهها.

"اغغ…!" خرج أنين متقطع، عميق ومؤلم، يرافقه ارتجاف خفيف في جسدها، وكأن كل عضو فيها يتعرض لقضمة الصقيع.

وضعت يدها على قلبه، وأغمضت عينيها مجددًا، مغمورة بظلام جليدي داخلها لا يقل عن الظلام الذي يحيط بها.

ببطء، بدأ الهدوء يعم الغرفة حولها، الجليد، الذي كان يصر على تكسير صمت المكان، بدأ يذوب تدريجيًا مع مرور الدقائق.

فتحت عينيها مرة أخرى، لترى الغرفة تعود إلى طبيعتها، عادت درجة الحرارة إلى طبيعتها.

"أخيرًا…" همست بصوت شاحب، "هذا متعب ومؤلم، مهما تكررت التجربة."

"تشييك-!" صوت معدني حاد بزغ خلفها، ليقطع صمت المكان.

فُتح باب آلي خلفها، ودخلت منه امرأة بشعر أحمر داكن. عينها اليسرى مغطاة برقعة سوداء، كالقراصنة، بينما العين اليمنى كانت تتلألأ ببؤبؤ برونزي، تلقي نظرة على الغرفة بملل.

يد واحدة في جيبها، بينما الأخرى تحمل سيجارة، تدخنها ببرود.

"إذًا، هل انتهت فترة الهيجان؟" قالت بصوت حاد، يتخلله شيء من التسلط.

"أجل."

سماع تأكيد الفتاة جعلها تومئ برأسها بتفهم، "حسنًا، لا يزال أمامنا ستة أيام قبل بدء الفصول، وثلاثة أيام لحضور الجيل الشاب للآوزوريس."

"عند شعورك بالهيجان مرة أخرى، ستكون قاعة التدريب هذه متاحة على الدوام." أخرجت يدها من جيبها وألقت شيئًا معدنيًا مستطيل الشكل على الأرض.

"إذ جاء الهيجان فجأة ولم تتمكني من السيطرة عليه، اضغطي على هذا الزر. سأكون هنا فورًا… وإذا لم أتمكن من الوصول، تم إبلاغ بقية المعلمين عن الأمر."

توقفت للحظة ثم أكملت، "سيكون من السيء أن يهتاج قلبك وسط الطلبة… صوفيا."

"سأتأكد من عدم حدوث هذا، معلمة سترينغار." رددت صوفيا ببرود، كأنها آلة بلا مشاعر.

"تسك… لا تذكري هذا الأسم القذر، فلم تعد بيني وبينهم صلة." قالت بإنزعاج، يعلو صوتها قليلًا.

ثم ضاقت عينها، وقالت: "وأيضًا، أكره أكثر لهجتك الباردة عديمة المشاعر." أضافت ذلك كخاتمة، قبل أن تغادر القاعة، تاركة صوفيا وحدها

"تشييك-!" أغلق الباب المعدني خلفها بصوت حاد.

نظرت صوفيا إلى الباب المغلق، مستغربة من لهجتها العدوانية.

لم تفهم سبب غضبها المفاجئ.

***

بقاعة أخرى.

"هوف..هف، هوف!." صوت تنفس كثيف غزة المكان.

كان شعرها الأبيض القصير مشدودًا بإحكام، يبرز ملامح وجهها القوية والحادة، وعيناها البنيتان الداكنتان كانتا كجواهر صماء، تحدقان بثبات.

بينما فمها المشدود، يبرز فكها القوي الذي يظهر حماسها.

جسدها عضلي ومتماسك، تعكس عضلاتها قوة وانضباطًا واضحين.

"هوففف!" رفعت نفسها بصعوبة، ثم تابعت أداء تمرين الضغط على الأرض.

"أربعمائة وستة وستون."

"أربعمائة وسبعة وستون."

"أربعمائة وثمانية وستون."

إذا كنت تعتقد أن هذا مجرد تمرين ضغط عادي، فأنت مخطئ.

"لا يزال، رفع الجاذبية لثلاثة أضعاف صعب!" تمتمت، وصدغها ينبض من شدة التعب…أحست بحرارة تتصاعد من صدرها، وقلبها يضرب بستمرار يوشك على الخروج من مكانه.

أخذت نفسًا عميقًا، محاولة تهدئة أنفاسها المتسارعة، ثم ابتسمت بخفة.

وقفت بثقة، رغم الإرهاق الذي يثقل جسدها.

خرجت من قاعة التدريب المخصصة لطلاب الفئة S، متوجهة إلى غرفتها لتستحم، بينما كانت تسير في الممر، شعرت ببرودة الهواء تلامس بشرتها المتعرقة.

"وشش-!"

نظرت إلى السماء حيث هبطت جريدة على وجهها، نزعته بملل، ثم بدأت تقرأه بفضول.

أمعنت النظر لثوانٍ، ثم تمتمت.

"الجوكر؟… هل هو قوي؟"

**

في قلب الحرم الأكاديمي، تمتد حديقة حديثة التصميم، تجمع بين المساحات الخضراء الشاسعة ومسارات متعرجة مرصوفة، تدعو الطلاب للتنقل والاسترخاء.

تميزت الحديقة بمقاعد عصرية توفر أماكن مريحة للدراسة والتجمعات، وبرك مائية صغيرة تضفي جوًا من الانتعاش.

كما تضم مناطق مخصصة للأنشطة البدنية، مما يجعلها مكانًا مثاليًا للتعلم والترفيه.

جلست أفلين على أحد الكراسي، وعلامات الانزعاج بادية على وجهها…تجاعيد جبينها وشفتيها المشدودتين كانتا تعكسان نفاد صبرها.

"أين اختفى هذا اللعين؟"

****

مبارك لي مرة أخرى على دخولي التوب الثاني في هذا الموقع الميت.

لا تنسوا ترك تعليقاتكم، فأنا أقرأ جميع ما تكتبونه.

وأيضًا، ستكون فكرة رائعة أن يولد كال اللعين ويموت أعزب.

2025/03/16 · 204 مشاهدة · 1595 كلمة
Drbo3
نادي الروايات - 2025