الفصل السادس: أفلين [4]

في حقل مدمر، تحيط به أشرطة صفراء تحمل تحذيرات صارمة، كان عشرات الرجال يتحركون بتنظيم دقيق، يرفعون الجثث وينقلونها بحرفية واضحة.

أزياؤهم الرسمية الزرقاء كانت تميزهم بوضوح، مشيرة إلى طبيعتهم كأفراد من فرقة التحقيق الخاصة.

وسط هذا المشهد، وقف رجل وسيم في منتصف العشرينات، يضع يده على ذقنه بتأمل عميق.

كان من السهل تمييز مكانته من خلال ملابسه الراقية، والسيف الفاخر المثبت على خصره.

خلفه مباشرة، تبعته امرأة شابة ترتدي الزي نفسه، ملامحها توحي بجمال هادئ، لكن عينيها حملتا قلقًا واضحًا وهي تبتلع ريقها قبل أن تقول:

"السيد وليام، لقد هرب الهدف…"

لم يبدُ على وليام أي أثر للدهشة، بل أغمض عينيه للحظة قصيرة قبل أن يهمس كمن كان يتوقع الأمر مسبقًا:

"همم… حسنًا، هذا متوقع."

"عذرًا؟ "سألت المرأة بدهشة واضحة.

فتح وليام عينيه والتفت نحوها، ملامحه هادئة لكن صوته كان يحمل ثقة مطلقة وهو يبدأ في تحليل الوضع:

"الآثار هنا تدل على أن معركة نشبت في هذا المكان، لكنها ليست مجرد معركة عادية، بل كانت قادرة على تغيير تضاريس الأرض نفسها. هذا يعني أن الطرفين المتقاتلين على الأقل من المستوى الرابع."

تحرك بضع خطوات إلى الأمام، ينظر إلى الأرض المتشققة وأطلال الأشجار المحطمة، قبل أن يتابع:

"سبب القتال غير معروف، لكن اختيار موقع معزول كالغابة لم يكن مفاجئًا… ومع ذلك…"

نظر مباشرة إلى المرأة بعينين حادتين:

"كان من المفترض أن يكون الطرف المنتصر قد أصيب بجروح خطيرة، فكيف تمكن من الفرار دون أن يتمكن أي منكم من الإمساك به؟"

لم تجد المرأة إجابة على الفور، فاكتفت بالصمت.

هز وليام رأسه بخفة قبل أن يبتسم ابتسامة خافتة:

"الأمر بسيط، لوسي… لم يتعرض المنتصر لأي إصابة على الإطلاق."

اتسعت عينا لوسي بدهشة. "ماذا؟! لكن وفقًا للبيانات، استمر القتال دقيقتان وستة وثلاثون ثانية! هذا يعني أن الطرفين كانا متكافئين تقريبًا طوال الوقت!”

أومأ وليام بخفة، كما لو أنه كان يتوقع ردها تمامًا.

"هاها، لا تزال هذه الأمور جديدة عليك، لا بأس…"

أشار بيده إلى جثة هامدة ملقاة على الأرض، "انظري إلى سيف ذلك الرجل."

اقتربت لوسي لتنظر إليه، قبل أن ترفع حاجبها بحيرة. "ماذا به؟"

"أما زلتِ لا تفهمين؟ " تنهد وليام بصوت خافت قبل أن يوضح:

"السيف… نظيف تمامًا. لا يوجد عليه حتى قطرة دم واحدة."

قطبت لوسي حاجبيها أكثر. "وماذا يعني ذلك؟"

رفع وليام إصبعين وأوضح بلهجة واثقة:

"هناك احتمالان رئيسيان: الأول، أن هذا الرجل لم يكن مجرد طرف في المعركة، بل ربما كان أحد القتلة أو حتى زعيمهم."

"والثاني؟"

"إن لم يكن ذلك صحيحًا، فهذا يعني أن خصمه لم يُصب بأي خدش. حتى لو تلقى المنتصر مجرد جرح طفيف، كان من المفترض أن تظهر آثار الدم على السيف… لكن هذا لم يحدث."

بدأت ملامح الدهشة تتحول إلى إدراك بطيء على وجه لوسي.

أكمل وليام، ناظرًا إلى المشهد بتمعن:

"إذ كان الطرف المنتصر لم يُصب، فهذا يعني أن القتال لم يكن متكافئًا كما كنا نعتقد. أحد الطرفين كان متفوقًا تمامًا."

تغيرت تعابير لوسي من الحيرة إلى الإعجاب الصامت.

بعد لحظات من التفكير، سألها وليام: "والآن، أخبريني… كيف سارت عملية المطاردة؟"

تقدمت لوسي خطوة وأجابت بصوت ثابت:

"في البداية، تمكنا من استشعار طاقته بوضوح، ثم بدأنا بتتبع أثر المانا الخاص به. كان سريعًا للغاية، لكن كنا لا نزال قادرين على ملاحقته."

أومأ وليام، محثًا إياها على المتابعة: "ثم؟"

تنهدت لوسي قبل أن تقول:

"ثم… اختفى."

رفع وليام حاجبًا باهتمام، فيما أكملت لوسي بصوت منخفض:

"وكأنه لم يكن موجودًا من الأساس. للحظة، شعرت أنني كنت ألاحق شبحًا. لم أعد أشعر بأي أثر لطاقته، ولا حتى خطواته."

ارتسمت ابتسامة خافتة على شفتي وليام، كأنما وجد لغزًا ممتعًا أمامه. "همم… هل تعتقدين أن شخصًا مصابًا ومنهكًا بعد قتال ضد خصم من مستواه سيستطيع الهروب بهذه الطريقة؟"

لم تجد لوسي ما تجيب به، فاكتفت بالصمت.

هز وليام رأسه بخفة، كما لو كان يستمتع بتفكيك خيوط القضية:

"لهذا السبب أقول لكِ… هذه القضية ممتعة للغاية."

نظرت إليه لوسي بعدم تصديق. "ممتعة…؟ على أي أساس؟"

ضحك وليام بخفة وهو يغطي الجثة بغطاء أبيض، ثم قال:

"يمكنكِ القول إنه حدس."

خرج من تحت الشريط الأصفر، ممسكًا بحافة سيفه بيد، ويد أخرى في جيبه. التفت إلى لوسي وأمرها بصوت هادئ لكن حازم:

"أبلغي القائد… سأستلم هذه القضية بنفسي."

راقبته لوسي وهو يبتعد، عيناها لا تفارقان ظهره.

تنهدت بخفّة، قبل أن تتمتم:

"رغم عبقريته… شخصيته مزعجة بحق."

***

"كيوغغ..!"

اندفع جسده إلى الأمام، يتقيأ بشدة فوق المرحاض، صدره يرتجف مع كل تقلص مؤلم في معدته.

"هوف… هوف…"

لهاثه كان متقطعًا، أنفاسه ثقيلة وكأن رئتيه تحترقان من الداخل.

اتسعت عيناه فجأة، صور مبعثرة تومض في رأسه كطعنة باردة—الخنجر يخترق جسد ريك، النظرة الأخيرة في عينيه، الدم المتدفق ببطء…

"كيوععغ.."

اندفع القيء مرة أخرى، لم يبقَ شيء ليخرجه سوى المادة الصفراء المرة التي حرقت حلقه وهو يسعل بعنف.

تمسك بحافة الحوض، أنامله بيضاء من قوة قبضته، رفع رأسه بصعوبة، المياه تتدفق أمامه.

فتح الصنبور، مضمض فمه بيد مرتجفة، غسل وجهه بالماء البارد، لكن الشعور اللزج ظل عالقًا في جلده، كأن الدماء لم تزل موجودة.

رفع بصره إلى المرآة—نظرة ميتة انعكست إليه.

كان يجب أن يقتلهم، لم يكن هناك خيار آخر، لكنه لم يتخيل أن الأمر سيكون…

بهذه القسوة.

ارتجف فكه، ليس من الخوف، بل من إدراك بارد تسلل إلى أعماقه. لم يكن مستعدًا لضريبة القتل.

حتى لو كان متخفيًا، حتى لو كان جسده في هيئة أخرى… روحه لا تزال كما هي.

"هغغ.."

معدته انقلبت مجددًا، غطى فمه سريعًا، شعر بمرارة تتصاعد من أحشائه، بالكاد تمكن من الالتفاف نحو المرحاض قبل أن يتقيأ مرة أخرى.

عندما انتهى، ظل جاثيًا للحظات، يحاول استعادة أنفاسه.

مد يده المرتجفة نحو الصنبور، فتحه مجددًا، وأدخل الماء في فمه، مضمض بعناية، محاولًا إزالة الطعم المعدني العالق في حلقه.

رشق وجهه بالماء البارد، شعر بوخز في جلده، كأن الماء يحاول إيقاظه من شيء لم يكن مستعدًا لمواجهته بعد.

تنفس بعمق، دفع الباب ببطء، وخرج.

" لا مفر من هذا… علي التكيف."

**

"أه… هم."

تردد صوت خافت في الغرفة الطبية الهادئة.

على السرير الأبيض، فتحت شابة عينيها السوداوين، وهالة من الإرهاق تغلف ملامحها. شعرت بثقل جسدها، والألم المتغلغل في عضلاتها.

لكنها تجاهلت ذلك ورفعت بصرها، لتلتقي نظراتها بشاب يقف أمامها.

"أوه… هل استيقظتِ؟"

لم تجب. فقط نظرت إليه بحدة، بانزعاج واضح.

"أين أنا؟"

قبل أن يتمكن الشاب من الرد، دخل رجل في منتصف العمر، صوته دافئ لكنه يحمل نبرة احترافية.

"أخيرًا استعدتِ وعيك."

لكنها لم تهتم بكلماته، وكررت سؤالها ببرود.

"أين أنا؟"

تردد الرجل للحظة، ثم أجاب بابتسامة محرجة:

"أنتِ في عيادتي الخاصة."

"عيادة؟"

"نعم. " أشار إلى الشاب خلفه وأكمل، "لقد وجدك فاقدة للوعي وأحضرَكِ إلى هنا."

ببطء، حوّلت نظرتها نحو الشاب، دققت في ملامحه، حاولت أن تسترجع أي ذكرى عنه… لكن لا شيء. لم تره من قبل، لم تسمع عنه.

شعرت بنفور غامض.

أما الرجل في منتصف العمر، فقد تجاهل أجواء التوتر وابتسم ببلاهة، محاولًا تخفيف حدة الموقف.

"على كل حال، لديك قدرة شفائية مذهلة. تعافيتِ بسرعة غير طبيعية، لذلك سنجري بعض الفحوصات، وبعدها يمكنك المغادرة."

اكتفت بإيماءة صامتة، بينما ظلت نظراتها متصلبة.

**

إلى متى؟

إلى متى ستظل تحدق بي بهذه النظرات الحارقة؟

طوال الفحص، كانت تراقبني. بين الحين والآخر، عيناها تلتفتان نحوي، كأنها تحاول اختراقي بنظرتها وحدها.

كان واضحًا أنها تشك بي، لكنها لم تقل شيئًا.

"حسنًا، انتهينا، يمكنكِ المغادرة."

خرج الطبيب، تاركًا إيانا وحدنا في الغرفة.

أغلقتُ الكتاب الذي كنت أقرأه بهدوء، غير متأثر بالضغط الذي كانت تحاول فرضه علي.

أخبرت كارلوس سابقًا أنني أحد معارفها، وكان ذلك كافيًا ليبقي الأمور بسيطة لكي انتظرها تفيق.

انتظرتُ بصبر، متأكدًا أنها ستتكلم أولًا.

وفعلت.

لكن ما قالته… لم يكن متوقعًا على الإطلاق.

"هل أنت الجوكر؟"

رفعتُ حاجبي قليلًا، حككتُ ذقني بتفكير سريع.

لم أكن أنوي إخفاء قوتي عنها، لكن… كيف عرفت؟

هل سمعت محادثتي مع ريك؟

"دوم-!"

أغلقتُ الكتاب بيدي، نظرتُ إلى الغلاف للحظة، العنوان مكتوب بخط ذهبي أنيق: [عن ما قيل: توحيد الإمبراطوريات] .

مررتُ إبهامي على الحواف قبل أن أضعه جانبًا، ثم رفعتُ بصري نحوها، مبتسمًا كعادتي.

"الجوكر؟ لا أعرف ما الذي تقصدينه، لكن… " أمالت رأسي قليلًا، نبرة صوتي بقيت هادئة، فضولية "لماذا تعتقدين ذلك؟"

نظراتها لم تلن، وجهها ظل مشدودًا بغضب مكبوت.

"ماذا يفعل شاب في الغابة، في منتصف الليل؟ " صوتها كان جافًا، حادًا، "وكيف أدخلوك إلى العاصمة دون إذن أو حتى مرافق؟"

أطلقتُ تنهيدة خفيفة، كأنني سئمت من تكرار نفس الأسئلة.

"حسنًا… أنا من النوع الذي يشعر بالضيق في الأماكن المزدحمة. أحب الأماكن المنعزلة للحركة. " قلت ذلك وكأن الأمر بديهي. ثم تابعت، "أما الحراس… خالي هو رئيسهم المباشر.ة

لاحظتُ أنها كانت تحاول تحليل كل كلمة قلتها.

"إذًا كما تعلم، كنتُ ملاحقة من بعض قطاع الطرق. " قالت ببطء، كأنها تختبر ردة فعلي، "هل كنتَ أنت من هزمهم؟"

رفعتُ يديّ مستسلمًا.

"على الإطلاق. عندما وصلت، كانت الساحة مدمرة والجثث متناثرة في كل مكان."

توقفت للحظة ثم اكملت "كنتِ الوحيدة التي ما زالت على قيد الحياة، ولم يكن لديكِ الكثير من الإصابات. "

أغمضتُ عيني للحظة، وكأنني أسترجع المشهد، ثم تابعتُ، "لذلك… حملتُكِ وأحضرتكِ إلى هنا."

تجمدت.

"ساحة مدمرة… والعديد من الجثث؟!!"

كأن شيئًا ما انكسر داخل عقلها، كأنها كانت تمسك بخيط منطقي والآن تلاشى فجأة.

"هذا يعني أن المسمى ‘الجوكر، استطاع الفرار قبل وصول أي شخص."

نظرتُ إليها بصمت، لكني لاحظت كيف شحبت ملامحها قليلًا، كيف حاول عقلها ربط الأحداث بسرعة.

"هل تقول إنك أسرع من فرسان الأمن؟ وأسرع من فرقة التحقيق في العاصمة؟ "

ضحكتُ بخفة.

"لا على الإطلاق."

اتكأتُ للخلف، راقبْتُ ردة فعلها للحظة قبل أن أضيف، "لقد وصلتُ قبلهم بقليل، لكن بعد الحديث معهم، ومعرفتهم لخالي، سمحوا لي بأخذك إلى المشفى. "

توقفتُ للحظة، ثم ابتسمت، "أما هم، فقد طاردوا المجرم على الفور."

راقبتُ كيف ظهر تردد طفيف على وجهها.

هل أقنعتُها؟ أم أن الشك لا يزال متغلغلًا في عقلها؟

"هو على ما يبدو، شعروا بوجود المجرم وهو يهرب، لذلك نصفهم طارده، بينما النصف الآخر قام بتطويق المكان وطلب محقق."

أومأت إيفلين برأسها ببطء، قبل أن تنطق بنبرة هادئة، لكنها متوترة قليلًا:

"أنا آسفة… لقد شككت بك للحظة."

في تلك اللحظة، رفع كال يده إلى فمه، كما لو أنه يحاول كتم ضحكته.

"بفتت..!"

لكن… لم يستطع.

"كياهاهاها!!"

انفجر ضاحكًا، صوته يتردد في الغرفة.

إيفلين نظرت إليه بذهول، حاجباها معقودان بارتباك واضح.

"ما الذي…؟"

حاول كال تهدئة نفسه، مسح زاوية عينه وهو يلهث قليلًا، ثم قال بابتسامة معتذرة:

"آسف، آسف… لكن الأمر كان مضحكًا للغاية."

إيفلين زادت تجاعيد جبينها.

"لماذا تضحك؟"

فجأة، وكأن شخصًا آخر احتل جسده، تبدّل تعبير كال من المرح إلى الجدية القاتلة.

رفع عينيه نحوها، ونطق بصوت خافت لكنه يحمل وزنًا ثقيلًا:

"لأنني الجوكر… شخصيًا."

تجمد الهواء في الغرفة.

إيفلين وسّعت عينيها بصدمة، عقلها يحاول استيعاب التحول السريع في الموقف.

لكن كلمات كال التالية دفعت قلبها إلى القفز في صدرها.

"أليس كذلك، إيفلين ريبالت؟"

تصلبت، جسدها تحرك وحده قبل أن يدرك عقلها ذلك، نهضت بسرعة تبحث عن سيفها—لكن قبل أن تتحرك خطوة واحدة، رفع كال يده بهدوء.

"لا تقلقي."

توقف جسدها تلقائيًا، رغم رغبتها في التحرك، كلماته حملت ثقة غريبة جعلتها تتردد للحظة.

"لم أنقذك لأقتلك أو أفضح أمرك."

إيفلين لم تستطع إخفاء صدمتها.

"م-ماذا؟!"

حاولت استجماع أفكارها، لكن سؤالًا واحدًا أصر على الظهور:

"انتظر… كيف تمكنت حتى من هزيمة ريك؟!"

كال أمال رأسه قليلًا، كأنه يتأمل السؤال، ثم رفع يديه بلا مبالاة، نبرته بقيت هادئة كما لو أنه يتحدث عن الطقس.

"هذا ليس مهمًا على أي حال."

ثم ابتسم ابتسامة خفيفة، نبرة صوته أصبحت أكثر جدية.

"ما يهم الآن هو أنني الشخص الذي أنقذك."

إيفلين ظلت تحدق به، كلماتها تجمدت في حلقها.

بعد لحظات من التفكير العميق، جلست على سرير المشفى، أخذت نفسًا عميقًا، ثم نطقت بنبرة حذرة:

"ماذا تريد؟"

كال استرخى في جلسته قليلًا، وضع مرفقيه على فخذيه، وشبك أصابعه ببعضها.

"طلبي بسيط."

نظر إليها مباشرة، عينيه لا تعكسان أي تردد.

"أريد مساعدتك في قبولي بالأكاديمية."

إيفلين جفلت قليلًا.

هذا… لم يكن ما توقعته.

تذكرت رؤيتها له في تلك الليلة، ظهوره المفاجئ، الطريقة التي اقتحم بها المشهد… دخوله لم يكن دخول شخص عادي، بل دخول شخص مستعد للقتال.

إذا كان قادرًا على هزيمة ريك، فبإمكانه بسهولة تحقيق المرتبة الأولى في الأكاديمية.

لكن… لماذا يطلب مساعدتها؟

قبل أن تتمكن من طرح السؤال، كال ابتسم بزاوية فمه، وكأنه قرأ أفكارها.

"لدي أسراري."

نظر إليها بتركيز، نبرته كانت ناعمة، لكنها تحمل تحذيرًا غير مباشر.

"مثلما تريدين إخفاء اسم عائلتك، لدي أسبابي الخاصة لإخفاء قوتي."

ثم أمال رأسه قليلًا، كأنه يقيم رد فعلها.

"إذًا، إيفلين ريبالت… هل توافقين على أن تكوني رفيقتي في الأكاديمية؟"

إيفلين لم يكن لديها خيار سوى الموافقة، سواء لرد الجميل الذي تدين به له، أو بسبب معرفته بعائلتها.

يمكنه ببساطة ابتزازها، لكنه اختار طريق الشرح المطول بدلًا من ذلك. رغم ذلك، لم تتخلَّ عن حذرها منه.

كال ابتسم لرؤية رد فعلها. حان الوقت لرمي الطعم التالي.

" على كل حال، كوني رفيقتي في الأكاديمية ليس مجرد خيار، بل فرصة."

إيفلين ضيقت عينيها، حدتها عادت على الفور.

"ماذا تقصد؟"

"أوه، لا تفهميني بشكل خاطئ. " رفع يده بإيماءة مهدئة. "أقصد أن كونك بجانبي سيفيدك أكثر مما يفيدني على المدى الطويل."

"كيف ذلك؟"

بالضبط، هذا هو السؤال الذي أراده.

ابتسم بخفة قبل أن يقول ببطء:

"صدقي أو لا تصدقي، لدي سجل لكل المتورطين في سقوط واتهام عائلتك."

تحولت الغرفة بأكملها.

قبضة إيفلين شدت بقوة، شهوة الدماء تسربت منها، وهالتها اهتزت كالعاصفة.

المشاعر التي كانت تكتمها انفجرت في لحظة.

لكن حتى في غضبها، لم تفقد قدرتها على التفكير.

"كيف أصدقك؟"

كال أمال رأسه قليلًا، ابتسامته لم تتغير.

"هيه، لهذا السبب قلت لك، صدقي أو لا تصدقي."

ثم، وبنبرة أكثر جديّة، أضاف:

"ولكني أقسم بشرفي أني لا أكذب."

هالة الدماء حولها هدأت، لكن عزيمتها أصبحت أكثر وضوحًا.

"أوافق. "كانت نبرتها قاطعة. "سواء كوني رفيقتك أو تابعة، لكنني أريد معرفة المتورطين."

كال رفع إصبعه بتحذير.

"تو تو تو… ليس بهذه السرعة. معرفتك للأسماء مبكرًا سيضرك أكثر مما سيفيدك."

إيفلين لم يعجبها ذلك، لكن بعد لحظة، أدركت أنه قد يكون محقًا.

"حسنًا… أين يكن."

"كلاك-!"

كال صفق بيديه مرة واحدة ونهض من مكانه.

"إذًا، يجب أن نلحق باختبار القبول."

تجهم تعبير إيفلين.

"ما هو التوقيت الآن؟"

"أوه، صحيح." أشار كال إليها. "لقد كنتِ فاقدة للوعي لمدة ثماني ساعات."

"الساعة الآن 12:30 ظهرًا بالفعل، ومع زحام الطريق، قد تستغرق العربة ساعة أو ساعة ونصف للوصول إلى البوابة الرئيسية للأكاديمية."

ثم ابتسم بلطافة.

"لذا، من الأفضل أن نسرع بالخروج."

**

خرج الاثنان من الغرفة ليجدوا كارلوس بالفعل في انتظارهم بالخارج.

"أوه، يبدو أنكما تودّان المغادرة. " ابتسم كارلوس قبل أن يضيف بنبرة هادئة لكنها حادة: "الثمن قطعتان فضيتان. "

كلماته كانت كسيف في قلب كال.

تبادل النظرات مع إيفلين، لكنها أخرجت جيوبها بلا حول ولا قوة—كانت مفلسة تمامًا.

أخرج كال محفظته بصعوبة، في داخلها كانت القطع الفضية التي وجدها في مخزن كال الأصلي، أو بالأحرى، آخر ما تبقى لديه.

"يبدو أن كال الأصلي كان يتيمًا…"

رغم أن هذا الجسد جديد، إلا أن بعض الأمور لم تتغير عن حياته السابقة.

لم يكن في ممتلكاته أي شيء يشير إلى أنه امتلك عائلة من قبل.

"تبًا، لدي فقط ست قطع فضية متبقية…"

لكن قبل أن يتمكن من قول شيء، تحدث كارلوس بابتسامة مريحة:

"عيادتي هي منشأة خاصة، ولا تتلقى أي دعم مالي من الحكومة المقدسة. جميع العلاجات، والمرافق، والمغذيات السحرية، يتم تمويلها بالكامل من مصادر خاصة بي."

بمعنى آخر…

"ادفع أو لا خروج لكما."

كال تنهد داخليًا.

"حسنًا، حسنًا…"

أخرج القطعتين الفضيّتين ودفعهما لكارلوس، ثم التفت إلى إيفلين، التي كانت تحدّق به بملامح مضطربة.

"فلنذهب."

على الرغم من التقدم الذي شهده العالم، إلا أن نظام العملات ظل مرتبطًا بمفاهيم العصور الوسطى الكلاسيكية.

عشر قطع من النحاس تساوي عملة فضية، خمسون قطعة فضية تساوي عملة ذهبية، ومئة قطعة ذهبية تساوي عملة بلاتينية.

بعد خروجها من العيادة، بدأت إيفلين تنظر حولها، وكأنها تبحث عن شيء ما.

حركتها كانت شديدة التركيز، كأنما تمعن النظر في كل زاوية.

سألها كال بلهجة فضولية:

"عن ماذا تبحثين؟"

أجابته إيفلين بحدة، وكأنها متأكدة من شيء ما:

"ألم يكن خالك هو رئيس الحرس؟ أليس من المفترض أن يرسل عربة على الأقل؟"

ابتسم كال قليلًا، إنها تستخدم عقلها فقط في المواقف الجادة.

"كان ذلك مجرد قصة مختلقة."

أضاف بسرعة قبل أن تتمكن من طرح أي سؤال آخر:

"أنا يتيم، لا تفكري في الأمر كثيرًا."

أومأت إيفلين برأسها في صمت، مظهرةً تماسكها.

ثم لوحت بيدها إلى أقرب عربة كانت تمر بالقرب منهما، فتوقفت بسرعة أمامهم.

صرخ كال للسائق، عازمًا على سرعة الوصول:

"أريد الوصول إلى أكاديمية الأمل بأسرع وقت!"

كانت العربة التي أوقفتها قديمة بعض الشيء، لكنها لا تزال تعمل بكفاءة. السائق، رجل في منتصف العمر ذو شارب كثيف.

ألقى نظرة سريعة على كال وإيفلين قبل أن يهز رأسه.

"إلى أكاديمية الأمل؟ سيكون الثمن ثلاث قطع فضية."

تجمدت إيفلين للحظة، ثم نظرت إلى كال الذي كان بالفعل يفتح محفظته.

"قطعتان من الفضة، أو سأبحث عن شخص آخر."

"صفقة." قال الرجل وهو يعبث بشاربه

تبًا، لو استمر الأمر هكذا، سأفلس قبل حتى أن أدخل الأكاديمية.

أخرج القطع المتبقية ودفعها دون تردد، ثم صعد إلى العربة، تليه إيفلين التي جلست بجانبه.

مع صوت فرقعة السوط، بدأت العربة بالتحرك عبر شوارع المدينة المزدحمة.

إيفلين، التي كانت هادئة طوال الوقت، تحدثت أخيرًا.

"أكاديمية الأمل، مكان مليء بالوحوش."

كال نظر إليها مبتسمًا.

"لذلك من الأفضل أن نحصل على مركز جيد منذ البداية."

إيفلين لم تجب، لكنها نظرت إليه بطرف عينها، وكأنها تحاول قراءة نواياه.

أما كال، فكان غارقًا في أفكاره.

"هدفي الأول هو القبول، ثم تقييم الوضع داخل الأكاديمية."

وضع كوعه على ركبته وسند ذقنه على راحة يده.

"بالنظر إلى قوتي الحالية، بإمكاني بسهولة تجاوز معايير القبول، لكن…"

ألقى نظرة خاطفة على إيفلين.

"لن أتدخل."

إن كانت قوة إيفلين كما أتوقع، فستكون واحدة من أقوى الطلاب الجدد…

ربما ليست بمستوى الشخصيات الرئيسية، ولكنها ستكون بالتأكيد متفوقة مقارنة بالطلاب العاديين.

ابتسم بخفة.

"سيكون من الممتع رؤية ما سيحدث هناك."

2025/02/26 · 258 مشاهدة · 2773 كلمة
Drbo3
نادي الروايات - 2025