الفصل الثامن: أختبار القبول [2]

فتحت عينيّ ببطء، لأجد نفسي وسط غابة كثيفة، محاطًا بأشجار شاهقة لم أرها من قبل.

النسيم البارد حمل معه أصوات الطبيعة، لكنه لم يمنحني أي شعور بالطمأنينة.

كنت وحدي.

"تسك." زمجرت بضيق، فالبروفيسور كان مزعجًا بحق، شخصيته المفاجئة جعلت نقطة البدء عشوائية تمامًا في البرنامج التعليمي.

لم يكن هذا مفاجئًا، لكنه لا يزال مزعجًا.

تنفست بعمق، محاولًا تهدئة أفكاري. "على الأقل لم يضعني مع شخص عشوائي، لا يزال الحظ معي." رغم ذلك، وضعي كان بائسًا من ناحية أخرى.

تحركت دون هدف واضح، متجهًا إلى أي مكان قد يقودني إلى ما أبحث عنه. "يجب أن أجد إفلين بسرعة."

كل شيء قد ينهار بسبب تأثير الفراشة، ووجودي هنا سيكون بلا معنى إن فشلت.

توقفت فجأة، على إدراك متأخر…خطأ فادح.

"لحظة… ألم يكن يجب عليّ إحضار بعض الأسلحة؟" قبضت على رأسي بيدي، غارقًا في إدراك متأخر. "أغخخ… هل أنا غبي؟!"

**

على عكسي، لم تكن إفلين بتلك الأريحية.

انطلقت كوميض برق، سيفها يشق الهواء بحركة حادة وسريعة.

"وششش—!"

لكن خصمها لم يكن مبتدئًا. التوى سيفه في مسار دائري، مستهدفًا رقبتها بضربة مباغتة.

لم تتردد.

بمرونة قاتلة، مالت بجسدها، انحنت تحت النصل بفارق لا يُرى، وفي اللحظة التالية، اندفعت بقدمها للأمام، تسدد ركلة صاعدة مباشرة نحو فك خصمها.

"بومم—!"

ارتد رأسه للخلف، عيناه اتسعتا للحظة قبل أن يتهاوى جسده، فاقدًا للوعي تمامًا. لم يكن هناك مجال للنجاة.

تغير لون سواره إلى الأحمر.

لم تنظر إليه مرتين. خطوة واحدة نحو جسده، مدّت يدها، وضعت سوارها فوق سواره.

"دينغ—!"

صوت الإنجاز صدح، معلنًا تقدمها.

استدارت، خطواتها ثابتة، عيناها لا تعكسان أي أثر للشفقة.

"لا يستحق وقتي."

كل ما كانت تفكر فيه هو القتال، جمع النقاط، التقدم بلا تردد.

ولكن…

تجمدت فجأة.

ألم حاد اخترق جمجمتها، وكأن مسمارًا يُدق في أعماق عقلها.

"أغغ…!"

قبضت على رأسها، أنفاسها تتسارع.

ذكريات دفنتها في أعماق ذكرياتها بدأت تعود، تطفو كأشباح الماضي، تستعيد نفسها مرارًا داخل عقلها بفعل اختبار الوهم.

"صرير—!"

أسنانها طحنت بعضها البعض، والغضب اجتاحها كنار مشتعلة.

لكنها لم تتوقف.

رفعت رأسها، عيناها تحترقان بتصميم.

ثم واصلت سيرها، متجهة إلى الطالب التالي…

***

في مكان آخر…

وقف شخصان متقابلين، لا أحد منهما يتحرك.

الأول، شاب ذو شعر أزرق فاتح وعينين خضراوين، نظراته الحادة وحدها كافية لتكشف أنه ليس عاديًا—إيفان فرايبورغ.

أما الثاني، فكان شابًا بشعر أسود تتخلله خصل زرقاء داكنة، عيناه الحمراوان تشعان بالثقة.

وتعبير وجهه يحمل مزيجًا من الغطرسة والهدوء، وهو أمر متوقع بالنظر إلى خلفيته—دانيال ألستر.

"إذًا، لن تتحرك؟ لا تقل لي أنك خائف؟" سخر دانيال، نبرته مستفزة.

لكن إيفان لم يقع في الفخ. "ألا ينطبق الأمر عليك أيضًا؟" رد ببرود.

"هممم." لم يرد دانيال فورًا، بل ألقى نظرة خاطفة على محيطه، وكأنه يتأمل الطبيعة…

لكن سرعان ما انحرفت زاوية شفتيه بابتسامة خفيفة. "يبدو أنك استعددت جيدًا."

عقد إيفان حاجبيه، هل اكتشفها بهذه السهولة؟!، ابتلع ريقه سريعًا، ثم رفع يده، مستدعيًا عصاه السحرية.

لكن دانيال لم يبقَ ساكنًا. من العدم، ظهر سيف مُغمد يطفو بجانبه.

تحرك إيفان أولًا. لوّح بعصاه، فبدأت ثلاث دوائر سحرية بالتشكل من حوله.

[الدائرة الثانية: ثوران بركاني]

[الدائرة الثانية: البرق الأسود]

[الدائرة الثانية: زلزال مدمر]

"بوفف—!!!"

تحت قدمي دانيال، انبثق بركان هائل، انفجر إلى الأعلى مثل شلال من الحمم، قطره امتد إلى أربعة أمتار ستة امتار، يبتلع كل شيء في طريقه.

لكن دانيال لم يكن خصمًا سهلًا.

بقفزة واحدة، تفادى الانفجار دون عناء، وجسده يدور في الهواء بانسيابية. إلا أن عيناه التقطتا وميضًا خطيرًا أمام أنفه مباشرة—

"بومم—!!!!"

اصطدم به البرق الأسود مباشرة، القوة الهائلة أطاحت بجسده للخلف بعنف، ليرتطم بقوة بالهواء، قبل أن يعدّل وضعيته بسرعة.

غير زاوية سقوطه، حوّل ثقله إلى قدمه، محاولًا التخفيف من الارتطام بالأرض عبر إحدى الأشجار القريبة.

لكن قبل أن تصل قدماه إليها…

"تششش—!"

اهتزت الأرض بشكل غير طبيعي، الصخور تشققت، والتربة بدأت بالتفكك. زلزال عنيف هزّ المنطقة كلها، مما جعله يفقد توازنه للحظة.

"دوووم!!"

جسده سقط على ظهره بقوة، محطّمًا الشجرة إلى أشلاء متناثرة، الغبار ارتفع في الهواء.

إيفان لم يضيع الوقت.

[الدائرة الثانية: سجن الأرض]

الأرض تحت دانيال تغيرت، الصخور تحركت، وشكّلت قبة حجرية أحاطت به بإحكام، لتحبسه تمامًا داخلها.

لكن هذا لم يكن كافيًا.

[الدائرة الثانية: بحيرة النار]

"وششش—!!!"

حول السجن الحجري، بدأت الأرض تذوب، تتحول تدريجيًا إلى طين ساخن، ثم إلى بحر من الحمم المتوهجة.

الشرارات انطلقت في كل الاتجاهات، الحرارة تصاعدت بسرعة، وتحول المكان إلى جحيم أرضي.

في غضون لحظات، أصبح دانيال محاصرًا داخل قبة من الحجر، تحيط بها بحيرة من النار.

لكن…

هل هذا كافٍ لإيقافه؟

"هوف… هوف…"

كان أنفاس إيفان تتلاحق، وعرقه يتصبب بغزارة.

لقد استنزف أفضل تعاويذه، واضعًا كل تركيزه في تناغمها، محاولًا ضمان شلّ حركة دانيال تمامًا.

تصلبت أنامله على عصاه، وهو يحدق في القبة الحجرية، يستعد لإلقاء تعويذة أخرى.

ولكن…

"بوففف—!!!!"

دوّى انفجار مدوٍّ، وتناثرت شظايا القبة في كل اتجاه، كأنها لم تكن سوى ورقة هشّة أمام قوة غير مرئية.

ومن وسط الغبار، ظهر دانيال يقفز إلى الهواء، خفيفًا كريشة، يهبط دون أن يظهر عليه أدنى أثر للضرر.

حتى ثيابه بقيت نظيفة تمامًا، كأنه لم يكن داخل سجن من الجحيم قبل لحظات.

سيفه لا يزال يطفو بجانبه، ويداه بقيتا في جيبيه، نبرته لم تتغير، وكأن كل ما فعله إيفان كان مجرد عبث.

"هل هذا كل شيء؟"

صوته الهادئ والمستفز اخترق أذني إيفان، لكن الأخير لم يستطع الرد فورًا.

حدّق في دانيال بذهول، كيف لم تؤثر عليه أي من تعاويذه؟

لكن بدلًا من إظهار ارتباكه، ارتسمت على شفتيه ابتسامة عصبية، تبعها تنهد طويل.

"تنهد!… أنت حقًا مجرد جرذ أقوى بقليل مما توقعت."

رفع دانيال حاجبًا باستهزاء، قبل أن يبتسم ببرود.

"هييه، أنا جرذ؟ إذن، من يخسر ضد جرذ، أتساءل ما يُقال عنه؟"

بهدوء، مد يده وأمسك بالسيف الطائر الذي كان بجانبه.

بإيقاع بطيء، سحب السيف من غمده، ولمع نصله ببريق حاد تحت ضوء الشمس، بينما انتشرت هالة ضغط ساحقة في المكان.

"على أي حال، أعتقد أن دوري قد حان… عزيزي إيفان."

ثبت نظراته على خصمه، قبل أن يضيف بنبرة باردة:

"أيضًا، عليك أن تستخدم كل ما لديك… إن كنت لا تريد أن تخسر بشكل مثير للشفقة."

تصلب تعبير إيفان.

"كيف لك أن تعرف؟"

لكن دانيال لم يرد، فقط اتخذ وضعيته القتالية.

ثم تمتم بخفوت، كأنما يخاطب الهواء، لكنه كان يعلم أن كلماته ستصل لإيفان وتدفعه إلى حافة التوتر:

"فن عائلة ألستر…"

توسعت عينا إيفان.

ولكن قبل أن يكمل دانيال عبارته…

"بوفففف—!!!"

دوّى انفجار عنيف، ارتجت الأرض تحت أقدامهما، وسقطت كرة نارية ضخمة من السماء بينهما، مُجبرة كليهما على التراجع.

"وششش—!"

تصاعدت سحابة من الغبار، ومن داخلها… خرج صوت حيوي يفيض بالحماس:

"هاهاهاها!، طفل ألستر! قاتلني!!"

خرجت من السحابة امرأة بشعر أبيض قصير مدرّج يشبه الأولاد، جسدها الرياضي المتناسق منحها هالة مهيبة.

رغم أن ملامحها الجميلة بدت متناقضة مع طبيعتها القتالية.

شهق إيفان، قبل أن يتنفس الصعداء.

"المهووسة… ليلى كاميلان."

امَ دانيال، فلم يكن منزعجًا كما كان يُفترض، بل بدت على ملامحه ابتسامة مسلية.

"أوه؟ لم أتوقع أن تجديني بهذه السرعة، أيتها المسترجلة."

لكن ليلى لم ترد.

بل ركضت بسرعة خارقة نحوه، عيناها تلمعان بالإثارة.

— 2 ضد 1 —

دانيال ألستر VS إيفان فرايبورغ، ليلى كاميلان.

بدأ القتال…

— فن عائلة ألستر —

~ الأسلوب الأول: اختراق الحياد ~

— الفن العسكري لعائلة كاميلان —

~ آلة القتل الحية ~

وفي الخلف…

[الدائرة الثالثة: نقطة بيضاء في محيط أسود]

***

"هوف… هاف…"

أفلين تنفست بصعوبة، أنفاسها تتسارع، عيونها مشدودة نحو الفتاة التي أمامها.

كانت تلك الفتاة تقف هناك، على بعد خطوة منها، في هدوء قاتل.

بينما كانت ثلاث جثث فاقدة للوعي ملقى بهم حول أفلين، لم يكونوا سوى ضحايا عابرة في معركة أكبر.

ابتسمت الفتاة ذات الشعر الأحمر ابتسامة مكر، عيونها تلمع بتحدٍ.

"ألم تصلي إلى حدك بعد؟"

كانت كلماتها بمثابة تحدٍ آخر، وكأنها تحاول دفع أفلين إلى حافة الانهيار.

أفلين في ورطة. كانت المعركة دون استخدام فن عائلتها شيئًا مستحيلًا.

كيف يمكنها البقاء على قيد الحياة وسط هذا الضغط؟ وكيف ستتمكن من الهروب؟

"لا أعتقد أنني سأصل بعد…"

قالت أفلين بصوت مشوب بالحيرة، لكنها كانت تدرك تمامًا أنه لا مفر من المواجهة.

لكن فجأة…

"إذًا—!"

قطعت الفتاة حديثها بصوت مفاجئ، لكن قبل أن تكمل، قطع حديثهم صوت من بعيد.

"لقد وجدتك أخيرًا!"

صوت كال الصاخب، سعيد بلقاء أفلين.

ظهر كال أخيرًا، وعيناه تلتقطان أفلين بعد فترة طويلة من البحث.

وعندما رأى الفتاة ذات الشعر الأحمر، أصيب بالدهشة، وأخذ خطوة إلى الوراء، ثم…

"أفلي-… سحقًا!"

لم يمضِ وقت طويل حتى كان قد أدار ظهره واختفى في الظلام، مهجرًا أفلين دون تردد.

صدمت أفلين من المشهد، عينها تتسع من المفاجأة، وفمها ينطق بكلمات غير مصدقة:

"لقد تخلى عني!!!"

شعرت بشيء يتكسر داخلها، لكن سرعان ما رمت بكل كبريائها وراء ظهرها، وركضت بأقصى قوتها خلف كال.

كان قلبها ينبض بشدة، وكان كبرياؤها قد تحطم، لكن لا مفر، عليها اللحاق به.

أما الفتاة ذات الشعر الأحمر، فقد نظرت إليهم بدهشة خفيفة، مرت باهتمام ضئيل على أفلين، ثم حولت نظرها إلى كال، لكنها لم تتابعهم.

تركتهم يهربون دون اهتمام، رغم أنها كانت قد أبدت بعض الفضول تجاه أفلين ذات الشعر الأسود.

"لم تكن تستحق العناء…"

همست الفتاة بصوت خافت، ثم بدأت تتابع طريقها في صمت، وكأن المعركة انتهت بالنسبة لها.

….

..

.

**

بعد ركض طويل عبر الغابة الكثيفة، توقف كال فجأة ليتكئ على شجرة ضخمة، يلتقط أنفاسه بصعوبة، "ها-ف… هوف هاف… ".

كان يتنفس بصوت مرتفع، وجهه شاحبًا قليلاً من الإرهاق، لكنه كان عازمًا على الهروب بأقصى سرعة.

وقفت أفلين خلفه، تضغط على شفتيها بغضب خفيف، وعينيها ترمقان ظهره بحقد. كان هناك شيء ما في تصرفاته أزعجها أكثر من مجرد خذلانها.

"هل تركتني وهربت؟ "، قالت ذلك بصوت خافت، لكنه مليء بالاستفهام الغاضب.

التقط كال أنفاسه لفترة أطول، ثم نظر إليها بنظرة سريعة قبل أن يرد، صوته مشوب بالتهكم: "تسك! تسك!"

"لن تستخدمي فن عائلتك، لذلك إذا حاربتِها، ستخسرين بسرعة."

رفعت أفلين حاجبيها، متفاجئة من تصريح كال. "أخسر؟ "، قالت ذلك وكأنها لا تصدق ما يسمعه عقلها.

" تلك الفتاة ذات الشعر الأحمر، ميا والتون. " أجاب كال، وعيناه تلمعان بشيء من الجدية.

وأيضًا شخصية معروفة في القصة، فيما بعد ستدعى بكارثة اللهب المتحركة.

لم تكن أفلين جاهلة بما يكفي لتجاهل هذا الاسم.

عرفت ميا والتون جيدًا، بل كانت قد سمعت عنها كثيرًا في حلقات التدريب المختلفة.

"والتن! "، تمتمت أفلين بهدوء، عيونها تنقب في ذاكرة الماضي، محايثةً المعلومة في ذهنها.

ثم، قاطع كلام كال تفكيرها عندما قال: "على أي حال، ماذا كنتِ تفعلين بحق الجحيم؟"

"ماذا أفعل؟ كنت أقاتل لجمع النقاط، ألم يكن هذا هدفك؟ " ردت عليه أفلين، وهي ترفع إحدى حاجبيها مستنكرة.

"لا لا، لم أقل إنه عليك القتال ضد أشخاص أبداً. " رد كال على الفور، مع تعبير وجهه الذي كان يمتلئ بالاستنكار، كأن أفكارها غريبة عليه تمامًا.

ثم أكمل وهو يحاول مسح أي فكرة كانت تسيطر عليها: "كان عليكِ لحاقي، هناك زنزانة مخفية، عليك مسحها!"

قبل أن تتمكن أفلين من الرد أو حتى فهم ما كان يقصده، انفجرت الأرض فجأة في مكان قريب، مما قطع حديثهم تمامًا.

"بوممممم!!! "، كان الصوت مدويًا بما فيه الكفاية ليجعل أفلين تقف ساكنة للحظة.

كانت الفوضى التي سببتها تلك الانفجارات واضحة جدًا في الأفق.

نظر كال إلى السماء بصوت منخفض من بين أسنانه، عينيه مليئة بالضيق.

كان يعرف من المسؤول عن تلك الفوضى. "أوه، سيناريو سيء آخر… أفلين، الحقيني! " قال ذلك بسرعة، قبل أن يركض مسرعًا بعيدًا في عكس اتجاه الانفجار.

نظرت أفلين إلى ظهره وهو يركض مبتعدًا، قلبها ينبض بسرعة.

كان لا يزال يهرب كما فعل من قبل، وكان غامضًا كما هو الحال دائمًا.

"هذا الوغد !." تمتمت أفلين بين أسنانها، لا تزال غير قادرة على فهم تفكير كال تمامًا.

ماذا كان يقصد بالزنزانة المخفية؟ وكيف يمكن أن يكون هناك اختبار أخر، في وسط اختبار قبول؟

لكنها لم تتوقف للحظة، اتبعته دون المزيد من التساؤلات.

~~~~~

نعاني من فقر شحيح بالتعليقات

2025/02/27 · 300 مشاهدة · 1840 كلمة
Drbo3
نادي الروايات - 2025