أحداث هذا الفصل تقع تماما بعد سنة من الفصول الستة الأولى

أرجوا أن تستمتعوا بها

-------------------

السماء كانت تمطر بغزارة،صوت الرعد قوي كفاية لينبأ بقروب العاصفة ، في إحدى الأكواخ القديمة و ليس بعيدا عن القرية صوت الصراخ والأنين لم يتوقف منذ الصباح، خرج من الكوخ رجل بدين قبيح الوجه أصلع و راح يلعن حظه

" تبا، جلد ذلك المسخ اللعين أقصى من جلد الوحوش، لقد أفسد سكيني المفضل ، و كل هذا التعب بلا فائدة ترجى"

ركل الأصلع البدين الباب بقوة و تابع سيره وسط الأمطار في اتجاه القرية،و بمجرد أن اختفى عن الأنظار طفل في العاشرة قفز الى داخل الكوخ من النافذة المحطمة ليتقدم نحو شاب ربط بالسلاسل بإحكام

"هاي، كروكي لقد عدت للزيارة كما وعدتك" ابتسم الطفل ابتسامة عريضة اظهرت كل أسنانه

كان جسد الشاب الأسير مغطى بحراشف خضراء و وجهه مليء بالندوب خاصة حول عينه اليسرى ، كان شكله أقرب الى سحلية منها الى بشري

" هاي كروكي ألا زلت ترفض الكلام معي، على كل عندي لك اخبار جيدة، ذلك البدين توجه الى القرية و بمجرد وصوله سيلقى القبض عليه...... لقد بلغت المرتزقة عنه و هم الآن في انتظاره"

اخرج الفتى من جيبه دبوسا و عالج الأقفال بمهارة، و في ثواني كانت السلاسل على الأرض و قد تحرر الشاب

" كروكي، تعال معي أمي على الأغلب تنتظرني لتناول الغداء، طبخ أمي هو الأفضل، هيا بسرعة"

عيون قاسم بقيت تحدق بالفتى ليسأله

" يا صغير ألا تعرف معنى الخوف ، ألا يرهبك شكليا لقبيح "

" هيهيهي ، كروكي بالطبع كنت خائفا حتى الموت ... من ذلك القبيح الأصلع ، بسرعة لنذهب أمي ستقلق علي"

أخفى قاسم جسده تحت عباءة سوداء و انطلق خلف الفتى الصغير تحت المطر ، ما إن وصوا أعتاب القرية حتى عثرو على جثة البدين غارقة في بركة دم، من حديث أهل القرية يبدوا أنه قاوم بشراسة و رفض الاستسلام و بدل ان يأسر انتهى أمره بوفاته

" من هنا.. " أشار الفتى لقاسم أن يتبعه الى الزريبة ليختبأ، اختفى الطفل مدة من الزمن ليعود حاملا معه بعض الطعام

"كروكي ، أحضرت لك الطعام تناوله بسرعة قبل ان تنتبه والدتي"

" لماذا تستمر بمناداتي بكروكي؟"

" ها ...........ألا تعرف حكايا الحيوان، كروكي التمساح و رحلته عبر الأنهار، الم تكن والدتك تقرأ لك الحكايا قبل النوم"

(تمساح...... و ليس سحلية ) فكر قاسم في لقبه الجديد و هو يتناول طعامه.

في أيام عزه ما كان ليسمي هذا الحساء و خبز الشعير طعاما، و لا أن يقبل أن يلقب بكروكي التمساح، لكن بعد المدة التي قضاها دون أن يجد من يكلمه، فالحديث مع هذا الصغير هو أمله الوحيد في أن لا يجن، هذه أول مرة منذ أكثر من سنة يحادثه أحد دون لعنه و شتمه كون مقلة عينه لم تخرج من رأسه أو كونه يرفض الموت.

مرت أكثر من سنة منذ أن نفي خارج مدينته ، في البداية وبعد أن تحول الى مسخ حاول الانتحار برمي نفسه في معارك مع قطاع الطرق ، لكن كل ذلك بلا فاءدة فجسده يتجدد بسرعة مهما كانت نوع الإصابة، إنه خالد بجسد سحلية، أو هذا ما كان يعتقده فهذا التجديد يستهلك من طاقة حياته.

لكن هذا لم يكن نهاية الأمر، فبعض صائدي الجوائز حاولوا الحصول على عينه لذلك امسكوه و حاولوا انتزاع عينه بالقوة، لكن طاقة عين الحياة تحمي نفسها بنفسها و انتزاعها أمر مستحيل، فأبقوه سجينا عندهم

و بالطبع انتشر الخبر بين الصيادين أن السحلية الخالدة ، لا يمكن إنتزاع عينها لكن ذلك لم يمنع الطامعين بها من المحاولة مثل ما حدث مع البدين.

بعد مدة تعود أن يتحمل الألم و أن يستيقظ ليلا بسبب الكوابيس لكنه لم يتعود على العزلة وحيدا ،بدون أن يكلم أحدا التعذيب العقلي يدفعك الى الجنون ، أن تكون منبوذا هو أمر لا يمكن التعود عليه

"هاي كروكي اين سرحت بعقلك، ألم تكن تستمع لحكايتي.... حسنا سأبدا من الأول التمساح الكروكي انطلق بحثا عن عائلته....."

و راح الطفل يعيد على مسامع قاسم قصة من حكايا الأطفال متحمسا.

------------

بعد مرور بضع أيام

" ابني أنقذوا ابني...." سيدة تصرخ بأعلى صوتها و خط من الدماء يسيل من فمها، التفت الناس حولها

" طفل اخر، انه الرابع.."

من بين الناس الذي التفوا حول السيدة شاب بعباءة سوداء و قلنسوة تغطي راسه كان يطحن اسنانه غاضبا و هو يشد قبضته

( ايها الصغير ، انتظرني..) ليركض خارجا من القرية متجها نحو الجبل

في أحد الكهوف طفل مصاب و جبهته تنزف لكن الابتسامة لم تفارق وجهه

" أيها الأوغاد أتعتقدون حقا أنني سأزيل الحاجز إن قمتم بضربي، البطل لا يتخلى عن واجباته"

المختطفان قاموا بجمع الاطفال في مغارة قبل نقلهم لكن ما لم يحسبوا حسابه أن يقوم اخر الفتيان بصنع حاجز طاقة مانعا المختطفان من نقلهم

" أيها الوغد اللعين سأقتلك إن لم تحطم ذلك الحاجز" صرخ احد المختطفان غاضبا

في هذه اللحظة كان قاسم قد وصل الكهف، عين الحياة التي لا يخفى عنها شيء تمكنت من رصد طاقة الفتى

" أتريد أن تلعب دو البطل،لنرى كم ستتحمل عندما احطم مركز طاقتك" و وجه طاقته مخترقا مجال طاقة الفتى ليصرخ قبل أن يغمى عليه

أظلمت الدنيا في وجه قاسم ، لم تعد عيناه ترى سوى الظلام ، و فجأة سمع صدى صوت مألوف

" اهرب........... اركض بعيدا ماذا تنتظر"

التفت ليجد صورة عن نفسه القديمة تحادثه، صورته قبل أن يتحول إلى هذا المسخ، قاسم بجسد دون حراشف و بلباس الأثرياء و هالة النبلاء تحيط به

" ما الذي تنتظره ، أنت الآن بلا قوة ، و هذان الاثنان سيمسكانك و يقومان بتعذيبك طمعا في العين، أليس هذا ما يحدث كل مرة"

" و لكن ماذا عن الفتى؟" تساءل قاسم بجسد السحلية الحالي، ليجيبه قاسم من الماضي

" ها....... و متى كنت تهتم بالآخرين، افعل ما كنت تفعله دائما اهرب انجوا من العذاب و دع عنك أوهام البطولة......اهرب"

التفت قاسم إلى الفتى ليمنحه نظرة الوداع ، حدق بالفتى الواقع على الأرض مغما عليه، لتتجسد أمام عينيه فتاة صغيرة لا تتحرك و صوت صراخ لأم مفجوعة يصم الأذان

" لا....لا.....لن أهرب مجددا، لم أفعل شيئا في حياتي سوى الهرب و حتى عندما فكرت في الانتحار ذلك أيضا كان هربا "

" أيها الوحش ، هل جننت؟"

" أنت الوحش..............أعني أنا ، أنا هو الوحش.... أنا كنت وحشا بجسد إنسان.........لكني الآن سأكون إنسانا ثانية حتى و لو كنت عالقا بجسد هذا الوحش"

قفز قاسم نحو المختطف مسددا لكمة بأقصى ما لديه ليوقعه أرضا، و دون أن يترك للمختطف الثاني فرصة حمل حجرا و قذفه به ليجش رأسه

قاسم و لأول مرة منذ أن مسخ لهذا الوحش، يشعر بإنسانيته بل هذا الإحساس يشعر به لأول مرة في حياته.

حمل الفتى بين يديه و انطلق كالبرق و عندما وشك على الدخول من أسوار القرية، صرخ بحراس البوابة

" ابتعدوا، إنه مصاب.......ابتعدوا"

شخصان مقنعان من خلفه ، اندفعا بعنف ليرمي احدها خنجرا أصاب ظهر الشاب ، لكن ذلك لم يوقفه ،صرخ ألما و تابع ركضه نحو البوابة، برؤية الحراس للطفل الجريح تعرفوا عليه فورا

" انه احد المفقودين" صاح الحارس و إنقض على المهاجمان اللذان انسحبا فاران ، الشاب اندفع من البوابة يسأل عن الطبيب

كبار المدينة جاءوا راكضين ليستجوبوا ذو القلنسوة، رجل قوي البنية ذو مظهر مهيب تقدم سائلا بصوت أجش

" أنت هل تعرف مكان باقي الأطفال؟"

برؤية ذو القلنسوة الرجل إرتعدت فصائله ، أشاح بنظره متعمدا كي لا يراه و أجاب

" سأدلكم، على المكان اتبعوني بسرعة"

انطلق ذو القلنسوة و خلفه الرجل قوي البنية و بعد مدة و صلوا إلى الكهف المنشود ليجدوا الأطفال في إحدى المغارة و قد أغلق عليهم بحاجز من الطاقة، و كما توقعوا المختطفين كانوا بالفعل قد هربوا .

بعد الاطمئنان على سلامة الأطفال، و ارجاعهم لذويهم ، توجه الرجل الضخم نحو الشاب و قال

" أحسنت صنعا نحن مدينون لك بالكثير"

" ذلك الصغير قام بانقاذ الجميع، المختطفين جمعوا الاطفال في مغارة باحد الكهوف، و هو قام بغلقها باستعمال حاجز الطاقة، لقد قاموا بتعذيبه ليزيل الحاجز......و لكنه رفض ان يزيله"

نظر ذو القلنسوة مباشرة في عيني الرجل نازعا القلنسوة و العباءة كاشفا عن جسد المشوه، المليء بالحراشف الخضراء، ركع الشاب المشوه على ركبتيه و الدموع في عينيه قال

" سيدي المبجل تنين الضباب ، هذا الآثم الجاثم بين قدميك هو .......(اختنقت الكلمات في حنجرته) غريمك، المجرم الجبان جبر قاسم من مملكة ريشة السماء، و هو لا يستحق شكرك فهو لم يستطع كعادته أن يفعل شيئا"

الدموع انهمرت من إحدى عينيه في حين الأخرى كانت سوداء بالكامل و يصعب حتى النظر إليها ، الإصابات فوق الحاجب و حول العين، توضح أن أحدا حاول نزع مقلة عينه بالقوة.

الغضب ارتسم على وجه الرجل ، ضباب بنفسجي بدا يتشكل حوله و وسط الضباب شرارت صغيرة كانت تلمع بقوة

" أنا الآن أحتضر و لا يحق لي أن أطلب منك المغفرة لأنني لا استحقها، ما فعلته بياســــ....

" لا تجرؤ على ذكر اسمها على لسانك أيها اللعين"

" أنا آسف أنا حقا نادم على فعلتي، هذا الجسد وصل لحدوده، و قريبا سينتهي أمري ،لعنة الشيطان وصلت لنهايتها و بإمكانك قتلي ،لكن إسمح لي بأن أقدم ما تبقى من طاقة حياتي لذلك الفتى الجريح، ذلك الفتى ذو القلب الطاهر ، الذي آوى و أطعم هذا المسخ الذي تنفر منه حتى الوحوش، و أنقذ المخطوفين مخاطرا بحياته ، إن بقيت على الحياة بعدها فسأسلم رقبتي لك تكفيرا لذنوبي"

" و كأني سأوسخ يداي بلعين مثلك، لقد عشت حياتك كوحش فلتحاول ان تموت كبشري على الأقل"

التفت والد ياسمين مبتعدا عن قاتل إبنته ،و هو يتذكر وعد غريب له تلك الكلمات التي جعلته يتراجع عن أخذ ثاره بيديه يومها

" قتل وحش بلا قلب، لا يسمى ثأرا، أنت فقط ستخسر زوجتك المفطورة الفؤاد، و ابنتك الثانية ، سأحرص أن يتعذب ذلك الوغد، سأحرص أن يتمنى الموت و لا يطاله ، والأهم من كل هذا سأحرص على أن يمتلك قلبا .....، قلبا سيمتلىء ندما لفعلته"

يومها من أجل ما تبقى من عائلته إنسحب تاركا غريب ينتقم له، و بالرغم ان أخبار عائلة جبر و ما حدث لها وصلته ، إلا أن في قرارة نفسه كان يفكر أنه كان يجدر به الثأر بيديه ليشفي غليله منهم، لكن و بعد حادثة اليوم لم يعد في قلبه شك أنه فعل الصواب بموافقة غريب.

" غريب ، أيها الشقي ترى كيف حالك الان؟"

في قرية صغيرة بريشة البحر هناك قصة تدور حول كروكي الرجل التمساح الذي ضحى بحياته لإنقاذ الطفل الذي أواه، تلك كانت نهاية قاسم ، الوحش بجسد بشري، و البشري بجسد وحش.

2017/11/05 · 998 مشاهدة · 1638 كلمة
magicien
نادي الروايات - 2025