في كهف الضباب النجمي، كان الظلام دامسًا ، والجدران الرطبة تنضح بقطرات الماء المتساقطة.
انتشر الضباب الأخضر السام في أرجاء الكهف، لكن باستخدام بعض ديدان الغو الدفاعية المقاومة للسموم، ظل الوضع تحت السيطرة .
نظر وانغ تشين إلى أسفل قدمه حيث علقت مادة خضراء غريبة في نعل حذائه، وارتسمت ملامح الانزعاج على وجهه.
ضحك الشيخ شوانغ شيان بخفة وقال :
"لا تقلق من هذه المادة، أيها السيد الشاب. هذا هو سائل الأزمور الأخضر، تفرزه العقارب السامة كفضلات، لكنه ذو قيمة كبيرة، ويُستخدم في صناعة العقاقير الطبية. كما أنه طعام مفضل لبعض ديدان الغو المرتبطة بمسار السموم، وهو غير مؤذٍ للبشر."
استمر السير داخل نفق الكهف لما يقارب نصف ساعة، وقد واجهوا خلال ذلك بعض الحشرات والوحوش السامة، لكنها كانت مجرد مصادر إزعاج بسيطة وتخلصوا منها سريعًا.
وصل الجميع إلى المدخل الداخلي للكهف، وبدأ الضباب السام يزداد كثافة. كان الباب حجريًا ودائريًا، يتوسطه نقش لنجمة كبيرة، تعلوه بعض الكتابات الغامضة.
تقدم أحد الشيوخ وبدأ يتلو الكلمات المنقوشة:
"أحفاد مو شينغ فقط يُسمح لهم بفتح هذا الميراث. إن كنت من نسل مو شينغ، فضع قطرتين من دمك في الدائرة المنقوشة وسط تلك النجمة، وسيفتح الباب."
تقدم الشيخ الثاني من عشيرة مو ، وثقب إصبع يده، وقطر الدم داخل النجمة المنقوشة. بدأ الباب يهتز مطلقًا صوت حشرجة، ثم انزلق للأسفل كاشفًا عن مدخل الميراث.
ظهرت غرفة مستطيلة في الداخل، في وسطها نعش قديم، وبجانبه عقرب ضخم بدا كأنه نائم منذ مئات السنين. لكنه ما إن انخفض الباب وظهر المدخل، دوّى زئير مرعب واهتز جسد العقرب.
قال الشيخ شوانغ شيان:
"هذا هو الاختبار الحقيقي لنيل الميراث. استعدوا للقتال، وقاتلوا بحذر!"
تبادل الشيوخ النظرات، ثم رمقوا وانغ تشين الذي بقي قابعًا عند المدخل ولم يتقدم معهم إلى الداخل بنظرات احتقار وغضب. لكنه لم يُبدِ أي اهتمام.
فعّل الشيوخ ديدانهم، وظهرت حولهم دروع وهالات دفاعية.
قال أحدهم:
"الشيخ شين شنغ شيوي، سنعتمد عليك في العلاج والدعم. لا تخذلنا."
انطلق العقرب النجمي، بكامل سمه وجسده الضخم كقارة صغيرة، وبدأ القتال.
اشتعل الكهف بمختلف ضربات المسارات؛ أرض، ريح، جليد، وقوة. لكن العقرب كان متينًا، وقشوره أشبه بدرع صلب يصعب اختراقه.
رغم كون المقاتلين شيوخًا من الرتبة الثالثة وثلاثة من الرتبة الثانية، إلا أن العقرب بدا كأنه يفوقهم جميعًا. كانت ضرباته مميتة، وسمّه الحارق قادر على إذابة الصخور وتحويلها إلى سائل أسود.
صرخ أحدهم:
"استمروا بالضغط! لا خيار أمامنا سوى الانتصار!"
أما وانغ تشين فكان يراقب بصمت، حاجباه معقودان وهو يتمتم:
"لماذا يبدو هذا العقرب قويًا إلى هذا الحد؟ هل مجرد دودة غو نادرة من الرتبة الرابعة تستحق كل هذا العناء؟"
شعر بالريبة، كأن هناك شيئًا غريباً مخفيًا عنهم.
وبينما كانت المعركة مستعرة، بدأ شيوخ عشيرة مو شينغ يتساقطون واحدًا تلو الآخر. وانغ تشين، ببرود، أخرج وعاء الروح من دودة غو تخزين كان قد حصل عليه سابقًا، ووضعه جانبًا، ليمتص أرواح القتلى بصمت.
حين بدأ الموقف يزداد سوءًا، أشار إلى سادة الغو الثلاثة من عشيرة وانغ — أعمامه وأقاربه المقربون — لينضموا إلى القتال.
قال ببرود:
"هذا الميراث لا يجب أن يضيع ، إنطلقوا للمساعدة "
ورغم انزعاجهم، لم يجرؤ أحدهم على الاعتراض. في عالم الغو، الولاء يُفرض بالخوف أكثر من القناعة .
سواء في عالم الغو او في عالم الأرض ، الجنود والأتباع هم من يتحملون الخسائر ، بينما يجلس القادة في سلام بحتفلون بالنصر ، في لحظات الموت المريرة لن تغني عنهم قيم التمسك بالولاء والروابط شيئاً على الإطلاق .
استمرت المعركة، وبدأت قوة المقاتلين تتهاوى. بعد مرور قرابة ثلاث ساعات، لم يتبقَ إلا زعيم مو شينغ، مصابًا بشدة، بينما العقرب مغمور في دمه الأخضر الداكن، يبدو وكأنه مات.
ابتسم وانغ تشين ابتسامة ماكرة وتقدم ببطء داخل الكهف.
قال في بهجة :
"الآن وقد تم كل شيء، لم أعد بحاجة إليك. نهايتك ستكون على يدي."
احتقن وجه زعيم مو شينغ بالغضب ، و صرخ قائلاً :
"الفتى اللعين الوقح، بعد أن ساعدت في تجاوز المخاطر وضحيت بأسياد عشيرتي، يكون جزائي الغدر منك؟ أنت مخادع وحقير بلا شرف، حتى وإن قتلتني هنا، ستظل روحي تلعنك أبد الدهر."
ضحك وانغ تشين بشدة وقال للزعيم :
"ومن قال لك إن روحك ستنجو؟ في الواقع، أنا أعتمد عليها كغذاء."
سريعًا، فعّل دودة روحية خاصة، وبدأت كرة ظلامية كثيفة تتشكل في كف يده ثم أطلقها نحو شوانغ شيان :
"المهارة الخاصة — اجتثاث الروح."
تجمد جسده ، ولم يستطع الحركة أو الكلام، خرجت منه صرخات مكتومة وبدا عاجزاً للغاية ، حاول المقاومة لكنه لم يستطيع .. لقد مات .
لكن وانغ تشين لم يبدأ التهام روحه مباشرة، بل خزّنها داخل وعاء الروح.
"الآن ليس وقت التهام أرواح هؤلاء، لدي شيء أهم لأركز عليه."
اقترب من النعش، وبدأ يزيح الغطاء الحجري الثقيل.
"آاه، لو كنت أعلم أنني سأواجه ثقل كهذا ، لحرصت على المجيء ببعض ديدان القوة "
سقط الغطاء على الأرض بصعوبة، وظهرت جثة متحللة داخل النعش، داخل القفص الصدري ،بالقرب من جهة القلب ، كانت توجد دودة غو خضراء نجمية قابعة بالداخل ، و محاطة بشرنقة. رغم ذلك، لم تمنع الشرنقة التوهج الصادر من تلك الدودة ،و بدت غير متأثرة بعوامل الزمن والإحتياج للغذاء.
ما لفت نظره بشدة كان وجود حجر أزرق خافت في قبضة يد الجثة، وبجانبه كتاب غامض .
امتلأت الابتسامة وجه وانغ تشين ، وشعر بالإنجاز. في النهاية، كان قد شكّ أن الميراث يحمل شيئًا مميزاً، وليس مجرد دودة غو وحيدة فحسب .
فجأةً و عندما مدّ يده لانتزاع الأغراض من الجثة، نهض العقرب من موقعه وبدأ في الهيجان مجددًا، كأنه عاد إلى الحياة.
صُدم وانغ تشين بشدة، لم يكن يتوقع ذلك.
"اللعنة! ألم يكن هذا العقرب محطّمًا للتو؟ فلماذا نهض مرة أخرى؟"
تحولت عينيه إلى حجم الدبوس ، لقد فهم الوضع أخيراً ، إبتعد جسده تلقائياً ، وكان خوفه مشابهًا لما شعر به عند ظهور الموقر الطيفي فوق الحجر المرتفع، خوف ناتج عن شعور الإقتراب من الموت .
قال مصدموماً :
"في الواقع، هذا العقرب يمتلك دودة غو علاجية فريدة، مما سمح له بالنهوض بعد الدمار. اللعنة... إنها النهاية "
زأر العقرب بشدة وبدأ يستعد للهجوم، كانت ضربة واحدة منه تكفي لتحويل وانغ تشين إلى كتلة لحم.
لكن فجأة، ظهر غراب أسود ذو هالة ظلامية كثيفة، اخترق الميراث بسرعة، ثم تحول إلى ظل بشري.
تجمد كل شيء، حتى تدفق السم في الهواء قد توقف .
لم يحتج الأمر سوى نظرة واحدة من عينيه الحمراوين الملتهبتين، فجمّد العقرب في مكانه، وشرعت روحه بالخروج لتلتحق ببقية الأرواح داخل الوعاء .
ارتعد جسد وانغ تشين من الهالة الكثيفة التي أطلقها الظل، لكنه أظهر تماسكًا صعبًا.
تحولت عيون الكيان الغامض نحو وانغ تشين، وقال:
"أنت في الواقع مجرد أحمق."
سأل وانغ تشين:
"من تكون؟! "
نظر الكيان الغامض إلى الجثث الملقاة في أرجاء القاعة، ثم وجه بصره نحو وانغ تشين وقال:
"اقتحام كهف غامض بتلك المجموعة الهشة ومحاولة التحايل على شروط أخذ الميراث بأساليب بسيطة، هل تعتقد أن عالم الغو بتلك السذاجة؟"
أجاب وانغ تشين بثبات:
"لا توجد فرص بدون مخاطر. إذا لم أواجه التحديات، فكيف يمكنني الصعود ؟! "
ابتسم الكيان الأسود رضاً وكأنه أعجب بكلامه، ثم قال:
"هذا تفكير جيد، لكن عليك معرفة حدودك، ودراسة كل الاحتمالات، فهذا سيبقيك بعيدًا عن الموت."
قال وانغ تشين:
"سآخذ نصيحتك بعين الاعتبار، أيها السيد الغامض. لكنك لم تخبرني بعد من أنت؟"
ابتسم الكيان بابتسامة ملتوية:
"سوف يتضح كل شيء في الوقت المناسب، لكن حتى تلك اللحظة ، كن حذرًا من كل شيء حولك. لن تجدني دائمًا حاضر لمساعدتك في كل موقف ، حين تسوء الظروف عليك ان تتحمل العواقب بمفردك ، الآن وداعًا، أيها المتناسخ."
تحول جسده إلى غراب، ثم اختفى بسرعة من المكان.
سريعًا، جمع وانغ تشين المقتنيات من داخل النعش، وديدان الغو القابعة داخل فتحات الجثث على الأرض ثم تحول ناحية العقرب واخرج خنجرا من ثيابه وبدء ينقش في بطنه حتى اخرج منه دودة غو ذهبية من نوع العلاج .
ابتسم بخفه وامسك بها ثم أردف قائلاً :
" هءه هي التي اعادت اليه جسده بعد التحطيم ، سوف تنفعيني "
بعد انتهاء كل شيء انطلق سريعاً نحو المخرج و ودع الكهف .