صوتٌ خافت من صخب الجماهير سرعان ما تحول إلى صمتٍ مهيب حينما دخل ثمانية شيوخ من الرتبة الثالثة ساحة القرية.
يتقدمهم زعيم القرية السيد وانغ لي، وعن يمينه الشيخ الأكبر فو ياو، يخطوان بثبات ووقار. ما إن تجاوزوا البوابة الرئيسية، حتى هبّت جموع الطلاب والشبان واقفة، انحناءة احترام لتلك الهيئات المهيبة.
ببطء وتأنٍ، تربع الشيوخ على مقاعدهم في وسط المدرج الأقرب للساحة، بينما اعتلى السيد وانغ لي المقعد الرئيسي، فيما جلس الشيخ فو ياو عن يمينه.
اليوم هو الحدث الأبرز، حيث تُقام المسابقة السنوية بين كافة شباب القرية لإبراز مواهبهم ومدى تألقهم أمام سادة وكبار العشيرة.
اكتظ المكان بالحشود من أهل القرية، نساء ورجالاً وأطفالاً، فالحدث لا يتكرر سوى مرة واحدة في العام، مما جعله فرصة لا تفوت لمعرفة من هو الأقوى.
بطبيعة الحال، سيحظى الفائزون في هذه المسابقة باستحسان الزعيم وانغ لي شخصياً، بالإضافة إلى جوائز قيمة كديدان غو فريدة أو موارد مهمة للزراعة.
في العام الماضي، تغيب وانغ تشين عن المنافسة مدعياً الإصابة، ما جعله محل سخرية من أقرانه الذين وصفوه بالجبن.
الجميع كان يعلم مدى حماقته وضعفه، خاصةً أثناء المنافسات التي كانت تقيمها الأكادمية من حين إلى آخر، حيث لم يحظَ بالفوز في أي معركة خاضها، حتى ضد أضعف التلاميذ. أجمع الكل أنه لولا دعم جده ووالده، لما تمكن من تخطي الرتبة الأولى إلى الثانية أبداً . أما في المعارك القتالية، فلم ينفعه الحصول على أي دعم.
بالنظر ناحية المدرجات الصفراء جهة اليسار، جلست مجموعة من الفتيات الشابات، تتوسطهن الجميلة رولا فانغ شيان، خطيبة وانغ تشين السابقة.
همست فتاة بجانبها: "لقد حضر الشقي المدلل بالفعل، أليس هذا غريباً؟"
أومأت رولا، لكن ذهنها كان مشوشاً. "الأغرب من ذلك أنه لم يركض ناحية جده وأبيه عندما دخلا الساحة، حتى أنه تجاهل سخرية بعض الحضور منه."
"لاحظت ذلك أيضاً"، قالت الفتاة الأخرى. "بمجرد وصول القادة، انسحب بهدوء وجلس في ركن إلى جانب بقية الشباب.أليس هذا يبدو مخالفاً لطبيعته الحمقاء والمتفاخرة ؟!." صمتت لبرهة ثم اردفت: " ربما اكتسب بعض الرجولة مؤخراً؟"
صرخت رولا بسخرية: "ذلك الأحمق؟ أنتِ تهزين، إنه أبعد من أن يكون رجُل."
بالعودة إلى وانغ تشين فقد إكتفى بالجلوس وحيداً في ركن منعزل بالجهة الأخرى، وغرق في صمته.
قاطع شروده صوت شاب حسن المظهر ،توجه نحوه، وقبض يديه مبتسماً. "مرحباً، هل يسمح لي السيد الشاب بالجلوس في هذا المقعد القريب منه ؟"
نظر وانغ تشين إلى المتحدث، ثم أومأ بالموافقة. "بالتأكيد، لا يزال هناك متسع، اجلس." ثم عاد بتركيزه إلى الساحة الفارغة.
"أشكرك على هذا الشرف، أشعر بأن السيد وانغ تشين سيتألق بشدة في منافسات اليوم."
ضحك وانغ تشين بخفة ولم يلتفت. "ولم تشعر بذلك؟ أنا مجرد سيد غو متواضع من الرتبة الثانية، وهناك الكثير من الموهوبين."
ابتسم الشاب شيانغ فا، حفيد عائلة شيانغ الكبرى. ثم تكلم بثقة واضعاً يده فوق موضع قلبه: "لدي حدث لا يخيب، ويخبرني حدثي أن السيد وانغ تشين يخبئ الكثير في جعبته، وليس مجرد سيد غو متواضع كما يدعي."
"هههه، من يدري." ضحك وانغ تشين ثم عاد إلى تأمله السابق.
لم يكن الأمير فاي، كما يُعرف، يتحدث بدافع الإعجاب، بل بدافع المجاملة والإستلطاف. على الرغم من أنه كان يعلم أن وانغ تشين أحمق، إلا أن إحدى الدروس التي تعلمها في ظل عائلة شيانغ هي الحفاظ على صورة ودية دائماً مع الجميع. العجرفة والتكبر صفات لا يجب أن يتحلى بها التجاريون.
على الجانب الآخر، إبتهج السيد الشاب وانغ يوهان كثيراً لحضور وانغ تشين. و رأى في ذلك فرصة لإبراز قوته وفي نفس الوقت ممارسة الضغط على إبن زعيم القرية، لجعله يدرك جيداً من هو السيد الشاب الحقيقي.
تمتم في سعادة "بما أن وانغ تشين حضر إلى هنا بالفعل، فلن أضيع هذه الفرصة من يدي. وبعد أن أقوم بسحقه على العلن، ستأتي رولا إلى جانبي دون عناء."
وسط ترقب الجميع، قام الشيخ فو ياو بتفعيل دودة غو من مسار الصوت ونقل صوته عبر الساحة.
"أيها الجميع، اليوم سنقيم المسابقة السنوية لقياس مدى أهلية شباب قريتنا في مواجهة التحديات القادمة. يرجى من جميع المنافسين إبراز قوتهم قدر الإمكان!"
اشتعلت الساحة بالهتاف والحماس.
قاطع الهتاف صوت الشيخ فو ياو مجدداً: "يرجى العلم أن الفائزين الثلاثة الأوائل سيحظون بتقدير قيادة العشيرة. أما الفائز الأول تحديداً، فإلى جانب حصوله على ديدان غو نادرة وموارد زراعة، فسوف يحصل أيضاً على لقب سيد شباب القرية، بغض النظر عن منزلة عائلته الفعلية! لذا قدموا أقصى ما لديكم."
ضجت الساحة مرة أخرى، وازداد الهتاف حماساً. لأول مرة، يعلن الشيخ فو ياو عن منصب رفيع ينتظر الفائز الأول. طمع الجميع في الحصول على هذا اللقب، وتعهدوا في قلوبهم على الفوز به بأي طريقة. كانت فكرة الحصول على الزعامة بغض النظر عن الأصول العائلية شيئاً لا يمكن مقاومته.
"هاهاها، السيد يوهان، هل سمعت ما قاله الشيخ فو ياو بخصوص المنصب؟"
أومأ يوهان بابتسامة خفيفة. "ماذا تنوي؟"
"هيهيهي، بالتأكيد سأكون أنا الفائز الأول، هاهاها، أرجو ألا ينزعج السيد الشاب مما سأقوله، أنا أيضاً أفكر في الحصول عليه، لذلك لن أمنع نفسي."
ارتسمت ابتسامة ملتوية على شفتي يوهان. "ابذل أقصى جهدك، الفائز الأول في النهاية سيكون أنا."
أشار الشيخ فو ياو إلى مجموعة من المنظمين الذين علقوا لوحة بأسماء المنافسين. ظهرت الأسماء بوضوح، وقد شملت ما يقارب 150 سيد غو، معظمهم من المستوى الثاني، وبعضهم في ذروة المستوى الأول. في النهاية، كانت المنافسات لإظهار الكفاءة في التحكم بالغو، وليس فقط قوة الجوهر البدائي.
نظر الشيخ فو ياو تجاه السيد وانغ لي الذي أشار له ببدء المنافسة الأولى.
نزل أحد المنظمين إلى أرض الساحة الرملية وقال بصوت مرتفع: "الشاب وانغ جيانغ شا، والشاب شونغ تاي، ليتقدم الاثنان إلى الساحة!"
نزل كلاهما من المدرجات، وتوجها لتحية الزعيم وانغ لي والشيوخ الٱخرين ، ثم انحنى كل منهما للآخر.
كان وانغ جيانغ سيد غو من الرتبة الثانية في مسار الرياح، بينما وصل شونغ تاي إلى ذروة المستوى الأول في مسار النار.
أطلق المنظم إشارة البدء، وتنحى جانباً. نظر الشابان إلى بعضهما البعض في أعين متفحصة. شعر وانغ جيانغ بالثقة بسبب فرق المستوى، وسارع بتفعيل غو، وأطلق هجوماً يشبه الطلقات، فبدأت العديد من كرات الريح المضغوطة تنهال على شونغ تاي من الأعلى.
لم ينزعج شونغ تاي كثيراً، وقام بتفعيل غو "الشعلة المتناثرة" في كل الاتجاهات، ليراوغ طلقات الريح بسهولة. ثم حقن جوهره البدائي في غو السهام البركانية، فتكونت ثلاثة أسهم نارية وتناثرت في اتجاهات مختلفة. شعر وانغ جيانغ بالخطر، حيث لم يمنحه الهجوم الفوضوي أي فرصة لمعرفة الاتجاه الصحيح.
تلاعب شونغ تاي بالأسهم الثلاثة بمهارة وسط إعجاب الشيوخ، الذين أثنوا على براعته.
"هذا الهجوم استنزف كل جوهري البدائي تقريباً، يجب أن أفوز!" قال شونغ تاي في نفسه.
ثم ركز في تدوير الأسهم التي انتشرت في جميع أنحاء الساحة وبدأت تتجه نحو وانغ جيانغ بسرعة البرق من ثلاث جهات مختلفة، لتضع المنافس المتلقي في وضع مرتبك
ابتسم وانغ جيانغ وقال: "حركة جيدة، لكنها لن تنفع ضدي!"
بسرعة، حقن جوهره البدائي في غو "زوبعة الخريف"، والتف جسده بسرعة رهيبة.
ثم تحطمت من حوله زوبعة شرسة طردت جميع الأسهم .
تلاها بوابل من طلقات الريح المستمرة، لم يجد شونغ تاي تحت هذا الضغط ، أي جوهر بدائي متبقي للدفاع عن نفسه وهُزم.
صرخ المنظم بصوته الأجش: "وانغ جيانغ يفوز في المنافسة الأولى!"
وامتلأت المدرجات بالهتاف مرة أخرى.
ضحك الشيخ الرابع وانغ شوي وربت على ظهر الشيخ جيانغ: "هاهاها، إنه فوز حفيدك الأوسط في المنافسة الافتتاحية، رائع جداً، مبارك للشيخ جيانغ امتلاكه حفيداً قوياً في مسار الرياح."
ابتسم الشيخ جيانغ، لكن وجهه أظهر عبوساً خفيفاً. "إنه فوز لا يستحق الفخر به، كان المتنافس الثاني مجرد سيد غو من الرتبة الأولى على كل حال." حاول الشيخ جيانغ إظهار كبريائه، فكيف يسمح لنفسه بالفرح لمجرد فوز حفيده على سيد غو أدنى منه رتبة.
أشار وانغ لي إلى المنظم ليبدأ في النداء على المنافسين التاليين.
"السيد الشاب وانغ تشين، وكذلك السيد الشاب وانغ فونغ مينغ، تقدما إلى أرض المنافسة!"
عاد الصمت المرتقب إلى الساحة، وكان الجميع يترقبون ما سيحدث. بينما شعر وانغ يوهان بالانزعاج من أن وانغ تشين سيُسحق مبكراً في المنافسة الثانية.
بحدوث ذلك فلا توجد الفرصة لإهانة حفيد شيخ العشيرة الأكبر وخطيب رولا السابق أمام أعين المجتمعين .
بعد الانتهاء من التحيات الرسمية، وقف الشابان متقابلين، وعلى وجهيهما ابتسامة. كان وانغ فونغ سيداً شاباً وقوياً في ذروة الرتبة الثانية من مسار القوة، وحفيد الشيخ وانغ با، أحد القادة الفاعلين في المجلس الاستشاري. منذ دخوله المنافسة، كان يطمح بشدة للفوز بلقب سيد الشباب.
لكنه شعر بالشفقة تجاه منافسه الأول، وانغ تشين، أراد التألق و تحقيق فوز سريع أمام سائر القرية و بالأخص جده ، لكن بدون أن يكون منافسة كتلة من الحماقة .
كان وانغ فونغ مينغ طفلاً نبيلاً ، و شعور الإنجاز في معركته لا يمكن تحقيقه من خلال الفوز على الضعفاء والتافهين
في نظره الفوز على وانغ تشين لم يكن مختلفاً بشكل كبير عن التنمر وفرض الهيمنة.
تمتم في إنزعاج : "إذا فزت عليه سريعاً بحركة أولية ألن يجعلني هذا أبدوا كشرير في نظر الجميع؟! ."
قبض يديه و إبتسم لوانغ تشين في لطف : "السيد الشاب تشين، بما أن هذه هي منافستي الاولى معك ،فأود ان أرى قدراتك القتالية الرائعة " وسط تمتمات المشاهدين رفع صوته وقال بفخر :" ماذا عن هذا ، سوف أسمح للسيد الشاب وانغ تشين ببدء هجومه الأول."
أُعجبت الفتيات اللواتي كن يشاهدن. "ياااي، إنه وسيم وشهم للغاية!"
"أوووه كم هو لطيف، يسمح لمنافسه ببدء الهجوم أولاً."
" همف ، طبيعي جداً ، لم يشأ إحراج ابن الزعيم وانغ تشين والتغلب عليه بسرعه "
بينما كان الشباب يشعرون بالملل، وأرادوا من وانغ فونغ إنهاء هذه المهزلة سريعاً ومن ثم العودة لبقية المنافسات وبدء بعضهم في التململ و التثاؤب .
في نظرهم لم يكن وانغ تشين شيئاً يستحق الإنتباه
" هيا هيا ، تخلص منه سريعاً ، لدي مبارة قادمة"
" سحقاً ، هذا سيأخذ بعض الوقت"
أظهر وانغ تشين ابتسامة خافته ولم ينزعج . "منذ أن طلب مني السيد الشاب وانغ مينغ الشروع بتنفيذ حركتي الأولى فلن أتردد . ثم اسمح لي بتقديم هذه الحركة الأن والتي تدعى ب ....."
وضع وانغ تشين يده أسفل ذقنه متظاهراً النسيان ثم أردف: "ما هو اسم تلك الحركة ؟! ، آه، تذكرت! لقد كنت أسميها بحركة 'سحق مؤخرة الكلب'."
بمجرد تلفظ وانغ تشين بإسم حركته ، اندلعت ضحكات هستيرية من الحشود، بينما شعرت بعض الفتيات بالخجل.
عقد وانغ فونغ حاجبيه منزعجاً من الاسم السخيف، لكن انزعاجه قُطع باهتزاز شديد أسفل قدمه. ودون أن يدرك انخسفت به الأرض حتى رأسه.
قال بسخرية: "هه، مجرد غو تافه من مسار الأرض، هل تعتقد أن شيئاً كهذا سيوقفني؟ سأخرج الآن و أعلمك درساً في الأدب."
وما أن وضع يده على حافة الحفرة الضيقة محاولاً الخروج، حتى صدى صوت انفجار شديد اهتزت له اركان الساحة
ـ بووووم!"