1 - فجر جديد بداية جديدة

في ركن منعزل في كهف يجلس فتى صغير في الثالثة عشر من عمره في وضعية تامل بينما تدور حوله الوان ضوء مختلفة و امامه يطفو كتاب اسود غامض مكتوب على غلافه بحروف قديمة كلمة واحدة الروح !

واصل الطفل الصغير تأمله و حينها تحرك الكتاب من نفسه و بدأت الصفحات تتقلب لوحدها حتى توقفت في احدى الصفحات ، فتح الطفل الصغير عينيه و حدق في الصفحة لمدة ، ثم تنهد و همس : " يبدو ان دوري سينتهي قريبا "

اغمض الطفل عينيه من جديد و حرك طاقته الروحية ليفعل احد التقنيات المحرمة في الكتاب ، التقنية التي تدرب عليها طيلة الخمس السنوات الماضية ، تقنية التنبؤ السماوية !

بتفعيله هذه التقنية ، اشعة ضوء ظهرت من حواجبه و طاف عقله في بحر الزمن اللانهائي ليشاهد المستقبل ، و حينها غاص وجوده بأكمله في العملية ، كيانه بدا يجول في الازمان و العوالم متخطيا حدود الزمان و المكان و متحديا بذلك قوانين السماوات .

ضاقت عينا الفتى مما رأى و حينها نزل برق من السماء على نطاق الطفل الروحي ليمنعه من رؤية ما يجب ان لا يراه احد ، صعق الطفل من قوة ضربة البرق المرعبة و تمتم بصوت منخفض : " اذن هذا ما يدعى بالمحنة السماوية ، عقوبة السماوات على كل من سيشكل تهديدا لها في المستقبل ، همف ! لقد اتلفت نطاقي الروحي و دمرت اعضائي الداخلية ، لكن خصم السماوات ليس انا بل هو ! "

بمجرد قوله هذا ابتسامة خفيفة ارتسمت على شفتي الطفل .

ضربة البرق التي ارسلت من السماوات جعلت كل سكان القارة يلتفتون في اتجاهها ، الكل تملكه الفضول و لم يستطع منع نفسه من التساؤل عن هوية الشخص الذي استهدفه البرق .

احد الشيوخ الذين عاشوا لاجيال عديدة تنهد قائلا : " عبقري ساقط جديد ، السماوات لا ترحم حقا ! انها بارعة في اسقاط العباقرة "

في كهفه المعزول جلس الصبي غير قادر على الحركة ، تنفسه اصبح ثقيلا و طاقته اصبحت فوضوية ، الاضواء حوله اختفت لكن الكتاب واصل طفوه امامه .

مد الصبي المغمور بالدماء يده الى الكتاب و قلب صفحاته بصعوبة ثم توقف اخيرا في احد الصفحات و حدق بها طويلا ، قليل من التردد برز في عينيه لكنه اخيرا تشجع و قال : " هذه مهمتي في هذه الحياة ، يجب ان افعلها ، من اجلي و من اجلهم "

عيناه بداتا تشعان بوميض من الاصرار في الكهف المظلم و الخالي من الحياة ، اخيرا حرك يديه لتشكيل ختم .

رغم ان جسده متهالك و على وشك الانهيار إلا ان ارادته تفوقت على كل هذا . صدى ترنيمة تقنية محرمة سمع في الكهف ، لمع الكتاب الغامض و امد الطفل بالطاقة اللازمة لتنفيذ التقنية . صوت الفتى دوى في الكهف

" ايتها الروح الضائعة و الغارقة في دوامة التيهان ، اخيرا حان يوم حصولك على جسدك الجديد "

ردد الفتى هاته الكلمات بصوت هادئ و بعدها بقليل اختفى صوته الهادئ ليستبدل بصرخات يائسة و مؤلمة

التقنية التي فعلها الطفل كانت تقنية انقلاب الروح ، تقنية غامضة ، من خلالها خرجت روحه من جسده و استبدلت بالروح الضائعة ، و تلك الصرخات كانت اخر لحظاته في جسده ، فحينها فقط ادرك كم هو مؤلم خروج الروح من الجسد .

الروح الضائعة التي دخلت جسد الفتى كانت روح الامبراطور تيان ، هذا الاخير كان متفاجئا من تطور مجرى الاحداث الذي حصل ، كانت لديه العديد من التساؤلات لكنه قرر تركها الى ما بعد التحكم في هذا الجسد . و حينها في عقله ظهر شخص ، لقد كان هذا الشخص الفتى الصغير و كان على شكل روح ، حدق تيان في هذا الفتى لبرهة ، و في اللحظة التي اراد ان يتكلم ، سبقه الفتى حيث قال : " اخيرا نجح الامر ، ايها الامبراطور تيان اعلم ان لديك العديد من التساؤلات لكن رجاء اتركهم للمستقبل ، فليس لدي وقت كثير متبقي على اي حال "

تيان رد عليه : " حسنا ، لكن بما انك ظهرت فلا بد ان لديك شيئا لقوله غير هذا "

اوما الفتى براسه ثم قال : " لا شك انك لاحظت العقاب السماوي الذي نزل علي ، لقد فعلت تقنية التنبؤ السماوية و رايت في المستقبل بعد مئة عام ، ابادة العرق البشري من طرف عرق الشياطين "

" !!! " تيان

اكمل الفتى قائلا : " و امام مستقبل مظلم كهذا لم يكن امامي خيار غير فعل هذا ، اعتقد انك الوحيد الذي تستطيع تغييره "

حدق فيه تيان لبرهة ثم ادار وجهه عنه ليقول : " و ما يهمني انا ؟ اتعتقد انني لا زلت ذلك الاحمق الذي يريد ان يكون حامي البشرية و منقذها ؟ لقد فعلت ذلك من قبل و انتهى بي الامر معروفا للاجيال القادمة كوحش لعين سفاك للدماء ، ملعونا من البشر و الشياطين على حد سواء ، و لهذا لا مانع عندي من موت هاته الكائنات الناكرة للجميل "

تنهد الفتى بحسرة ثم قال : " سيدي تيان ، لا يمكنك تغطية مشاعرك الحقيقية بالكلمات الزائفة ، فانا اعرف حقيقتك ، و اعرف تمام المعرفة انك لن تسمح لهذا ان يحصل مهما كان ، و الا لما واصلت العيش في معاناة و عذاب جهنمي لملايين السنين حتى الان ؟ "

لم يعقب تيان على كلمات الفتى ، فقط واصل الاستماع لكلمات هذا الاخير الذي واصل قائلا : " لقد اعطيتك جسدي لهذا السبب ، لانني اثق في في جدي "

" !!! " تيان

انحنى الفتى لتيان ثم واصل القول : " جدي تيان انت سلفنا و فخر طائفتنا ، طائفة اليانغ السماوية "

و حينها تذكر تيان الطائفة التي انشاها حينما كان على قيد الحياة ، كم مر من الوقت على ذلك ؟ مليون سنة ؟ عشرة ملايين ؟ او ربما مئات الملايين ؟

تيان ابتسم و سال الفتى عن احوال الطائفة و هل واصلت الاستمرار لهذا الوقت . عندها ، لمحة خيبة امل ظهرت في عيني الفتى ليقول : " سيدي تيان ، انها في اقصى مراحل انحدارها ، لكن بوجودك لن يستمر هذا "

حرك تيان راسه رافضا و قال : " لا اريد ان اتدخل في كل هذا ، لدي اشياء كثيرة لفعلها و علي ان اواجه اشخاصا ذوي مستويات قوة اسطورية لم تعرف عنها ابدا في حياتك هذه ، لذلك انا مشغول جدا ، اسف ايها الصغير "

بعد سماعه كلمات تيان ، لم تظهر علامات خيبة الامل على الصغير كما كان تيان يتوقع ، بدلا من ذلك ، ظهرت ابتسامة غامضة على جانب فمه و قال : " اتعتقد ان سبب هذه المحنة السماوية القوية هو مجرد رؤيتي للمستقبل ؟ اذا كنت تعتقد هذا فانت ساذج جدا "

تيان عقد حاجبيه و بعد برهة من التفكير ، نطق كلمات في عدم تصديق : " هل يعقل انك حاولت التجسس على ذلك الشخص ؟ "

ابتسامة الصغير الغامضة اتسعت اكثر فاكثر ثم قال : " نعم هذا ما حدث و الاكثر من ذلك انني حصلت على بعض المعلومات التي قد تفيد سيدي ، لكن اذا اردت الحصول عليهم ، يجب ان تعدني بانك ستحمي عائلتي و اصدقائي و طائفتي من اي خطر و انك ستدافع عن الجنس البشري خلال المئة عام القادمة "

ابتسم تيان هو الاخر ثم رد موافقا : " اعدك ! و كن متاكدا من وعودي فكلماتي اكثر وزنا و قيمة من الذهب "

رد الصغير بذكاء : " ان لم اثق بجدي ففي من ساثق ، اذن ساخبرك الان بكل ما رايت ، ذلك الشخص .... "

....

..

بعد مرور بعض الوقت اختفت روح الفتى الصغير ، ما تبقى هناك هو جسده بروح الخبير السامي تيان

مد تيان يده و امسك بها شيئا ثم ضغطه بقوته الروحية ، ثم قال : " عمل جيد ايها الفتى ، استرح الان ، لن يضيع مجهودك سدى ، جدك لن يسمح لشخص بشجاعتك ان يموت "

قوة تيان الروحية الهائلة احاطت جسده و شفت كل جروحه ، ضربات برق سماوية نزلت كعقاب سماوي على استعمال التقنية المحرمة لكن طاقة تيان الروحية كبحتها ، شيئا فشيئا ، بدات طاقة تيان الروحية بالاختفاء ، بدخول روحه جسدا جديدا ، فقدت اغلب قواها و لم يتبقى الا جزء قليل تمكن من دخول اعماق نطاقه الروحي "

غمغم تيان : " بداية جديدة و تدريب جديد ، لن اضيع هذه الفرصة الان ، تبقت لي حياة واحدة ، حتى كتاب الروح لن يستطيع انقاذي بعد الان "

امسك تيان الكتاب الذي لا زال يطفو ثم خبأه و خرج من الكهف . حدق في الافق حيث كانت الشمس تشرق ، اشعة الفجر غمرت السماء معلنة عن يوم جديد

ابتسم تيان لرؤيته هذا المشهد و قال : " انه فجر جديد بداية جديدة ، ساري العالم من جديد ما معنى الرعب "

و عندها واصل طريقه سائرا نحو ما يخبئه المستقبل ، نحو المجهول ....


------------------------------------------------------------------------------------------

رواية الروح الضائعة هي رواية من تاليفي بالنسبة لكم من فصل يتم نشره ساحرص على نشر فصلين في الاسبوع واحد يوم الاحد و الاخر يوم الاربعاء و ذلك حتى تكون الرواية مستمرة و بلا انقطاعات طويلة . اليوم كان استثناء لانها البداية .

اتمنى من قراء الرواية ان يعطوني اراءهم على البداية في التعليقات

شكرا

استمتعوا جميعا

2018/01/28 · 757 مشاهدة · 1448 كلمة
AKMACH
نادي الروايات - 2024