بينما تيان ماضي في طريقه شعر و كان كل شيء هنا مألوف و حينها ظهرت امامه ذكريات الفتى عن المدينة و عائلته و الطريق الذي يمشي عليه الان ، امام هذا السيل من المعلومات ، ركز تيان ليجد اجابات على اسئلته مثلا كيف حصل الفتى على كتاب الروح ؟

لكنه لم يتمكن من ايجاد اي اثر للكتاب في ذاكرة الفتى ، بعد البحث و البحث من جديد ، كل ما لاقاه في النهاية هو خيبة الامل ، لقد بدا و كان كل الذكريات حول الكتاب محيت او ربما ...

مع ظهور هذه الفكرة في عقله ركز تيان اكثر فاكثر ليجد ان الذكريات تشكل مساحة كبيرة و ان جزءا منها ضبابي ، و انه كل ما قرب وعيه من هذا الجزء ، يقذف بعيدا

تفاجئ تيان من ذلك ، و حينها فقط فهم معنى كلمات الطفل " ستجد الاجابات في المستقبل"

ستظهر الاجابات على اسئلته عندما ينفك الختم المسلط عليها ، لكن متى سيحدث ذلك؟

تنهد تيان و قرر ان لا يفكر في هذه المسالة من جديد بما انه لا يمكنه فك الختم في المدى القريب على الاقل

بعد مضي ساعة ، وصل تيان الى المدينة في ذكرياته ، مدينة الحارس السماوي .

حسب ذكريات الفتى فهذه المدينة هي واحدة من اصغر المدن في امبراطورية التنين العتيقة ، و رغم انها صغيرة الا ان تعداد سكانها يصل الى مئات الالاف ، و الصراع على السلطة فيها محتدم بين عشر عشائر رئيسية ، بعضها مدعوم بالطوائف الاربعة الكبار للامبراطورية .

رغم ان المدينة لا تحظى باهمية كبرى في اعين القيادات الكبرى للامبراطورية الا ان تيان يعرف ان هذه المدينة تخفي اسرارا مخيفة و لها اصول عريقة تعود الى مئات ملايين السنين .

تمشى تيان في الطرقات غير مستعجل ، مراقبا بعينه الثاقبة كل ما حوله ، من طريقة لبس الناس الى حركتهم ، نشاطهم او كسلهم الى تجارتهم ، حتى يجمع المعلومات و يتمكن من فهم محيطه بشكل افضل .

اخيرا ، وقف تيان امام بوابة كبيرة تبدو مهترئة من القدم ، مكتوب على البوابة بحروف صفراء كبيرة

" عشيرة اليانغ السماوية "

برؤيته لهاته الكلمات ، تنهد تيان و غمغم : " عشيرة ، هاه ؟ "

و عندها بدا يتذكر احداث الماضي ، عندما انشا هاته الطائفة التي كان كل العالم يرتعب عند ذكر اسمها ، و لكنها الان لم تعد سوى عشيرة ، هذه الطائفة التي كانت يوما ما اقوى قوة في العالم لم تصمد امام اختبار الزمن و انحدرت بهذا الشكل . بتفكيره بكل هذا ، حزن عميق ظهر من خلال عينيه ، لكنه اخفاه عندما راى شخصا قادما باتجاهه .

" مرحبا شين ، اين كنت الليلة الماضية ؟ "

المتحدث كان فتى في الثالثة عشر و كان احد اصدقاء شين

عاد تيان الى سيل الذكريات و اخيرا تعرف على الشخص و علاقته بشين الصاحب السابق لهذا الجسد فرد عليه مبتسما : " هيهي ، فقط كنت اتنزه قليلا "

بدا الفتى غير راضي بهاته الاجابة من خلال تعابيره ثم قال بنبرة قلقة : " كن حذرا ، لقد خشي الجميع ان يصيبك جزء من العقاب السماوي الذي كان البارحة هذا دون ذكر انك لا تملك قوة لتدافع عن نفسك في حال هاجمتك الوحوش "

ابتسم شين ثم قال : " شكرا لك اخي لي ، ساتذكر نصيحتك "

ابتسم يانغ لي هو الاخر ثم قال : " شين ، والداك قلقان عليك ، يجب ان تذهب للمنزل لتريحهما "

اوما شين براسه ايجابا تعقيبا على كلمات يانغ لي ، و عندها فتح احد الحراس البوابة العتيقة ليدخل الاثنان .

تمشى شين في اراضي الطائفة ملاحظا المنازل و طريقة بنائهم التي بدت نوعا ما عتيقة ، فقد كان يبدو على اكثرهم انه ايل للسقوط . برؤيته لهذا المشهد لم يتمالك شين نفسه من التنهد بمرارة في قلبه فهو لم يتوقع ان تكون الأمور سيئة لهذه الدرجة ، و ان يكون انحدار العشيرة وصل الى هاته الدرجة ، فهذا لم يعد انحدارا ، بل اخر انفاس رجل مريض .

واصل شين طريقه حيث صادف العديد من الاشخاص البعض حياهم و ردوا عليه بتحية و البعض الاخر حياهم و ردوا عليه بنظرة احتقار و ازدراء .

صراحة تيان لم يكن من عادته فعل شيء كهذا ، لكن لم يكن امامه خيار الا فعل هذا ، بما ان الفتى الصغير في اخر ايامه كان يسلم على الجميع محبيه و كارهيه ، لذلك قام بنفس الفعل حتى لا يشتبه به اي احد .

أخيرا ، توقف شين امام منزل عائلته، دخل المنزل ثم حيى الجميع، و هناك وجدهم قلقين عليه خاصة امه التي خافت ان يكون اصيب البارحة عند نزول المحنة السماوية . شعر شين بالدفئ يغمر قلبه عند رؤية تعابير افراد عائلته القلقة . و غمغم " عائلة هاه؟"

و حينها عاد به فكره الى ملايين السنين الى ذكريات حبست في اعماقه متى اخر مرة راى افراد عائلته ؟ متى مات اخر فرد منهم ؟

و مع ذلك، بقي هو، بقي هو الوحيد مقاوما العصور ماضيا في طريقه ليحصل على اجابة ليصل الى ذلك الشخص و يحقق هدفه .

تنهد شين بعدما فكر في كل هذا و ظهرت علامات حزن على وجهه، لكنه سريعا غطاها بابتسامة دافئة ليغرق نفسه في حضن امه التي كانت الدموع تملا وجهها بالفعل، هذا الشعور الجميل بالدفئ جعله يفهم اكثر فاكثر معنى العائلة ،و عندها تذكر من جديد اخر طلبات الصبي .

"احمي عائلتي "

تيان لم يدر حقا ابامكانه اعتبارها عائلته ،ففي النهاية ،هذه عائلة شين و ليست عائلته هو لكنه لن يخلف وعدا قطعه و بالتالي سيحاول ما استطاع ان يحمي هذه العائلة .

بعد ان احتضنته امه، اندفع اخوة شين و اخته الصغيرة نحوه، و احتضنوه بدورهم و من اعينهم تنعكس مشاعر حب صافية و قلق حقيقي، هاته المشاعر حركت قلب تيان المتجمد الذي جمده مرور الزمان فجعله اقسى من الحديد و ابرد من الجليد .

في الجانب وقف الاب يشاهد ابنائه و ابتسامة على وجهه تبين مدى ارتياحه بعد عودة شين سالما .

بعد موجة من العناقات و الاحضان اخيرا انتهى المشهد الحميمي و حينها سأل الاب بنبرة جادة

" اين قضيت ليلتك شين ؟ هل ذهبت الى الكهف ؟ هل رايت شخصا ما هناك ؟ "

الجميع كان يعرف عن عادة شين في الذهاب الى ذلك الكهف، لذلك الكل خشي ان يكون فيه اثناء حدوث المحنة السماوية

هز شين راسه نافيا ثم قال " لم اقض الليلة هناك، لو فعلت لن تجدني هنا امامك هاهاها " ثم واصل " لحسن الحظ ،انه حدث لي شيء غير متوقع ،فعطل مسيرتي لقد سقطت في وادي بدون قصد، و قررت في النهاية ان ابيت هناك و هكذا نجوت من المحنة السماوية، يبدو ان لدي بعض الحظ هاها "

رد احد الاخوة " يبدو ان القدر اعطاك فرصة اخرى للعيش ،فاغتنمها "

رد شين " هيهي بالتاكيد "

و في اللحظة التي حاول الاب و الاخرون طرح المزيد من الاسئلة، قاطعتهم الام " كفى اسئلة الا ترون انه متعب و جائع ؟ يجب ان يستريح و ياكل شيئا لا بد ان الامر كان صعبا عليه "

ابتسم شين لامه التي كانت دموعها على وشك ان تنهمر من جديد و شكرها في نفسه لانها انقذته من الاسئلة فكلما كثرت الاسئلة كلما ظهرت فراغات في الكذبة و بالتالي يتضح عدم صحتها .

شين ارتأى ان من الافضل ان يحافظ على سره و ان يبقي هويته سرا طوال الوقت على الاقل ليس الان فهو ما زال ضعيفا جدا .

ان حدث و عرف الاخرون هويته، فسينقلب العالم راسا على عقب و سيسعى الكثيرون لحصد راسه، و البعض الى الاستفادة من معرفته لذلك يجب ان تبقى هويته سرا .

2018/01/31 · 520 مشاهدة · 1201 كلمة
AKMACH
نادي الروايات - 2024