في تلك اللحظات...دخل شاب في العشرينات من عمره....من بوابة الضفة الأمامية للبلدة مع مجموعة من الأشخاص...يبدو أنهم أتباعه...و فجأة راح سكان البلدة إليه بأوجه مصطنعة يتهافتون ويقبّلون يداه...حتى أن أحد أهالي البلدة راح يقبل رجليه من شدة الخوف و الرهبة منه...و هو رجل كبير في السن نوعا ما...فخاطب الزائر بتردد قائلا :
" ارجوك....سيدي أعفو عني هذه المرة....فزوجتي مريضة جدا و لا يمكنني تسديد ثمن الدواء حتى....أعدك أن أضاعف مجهوداتي في المرة القادمة للحصول على المال الكافي "
حدق الزائر في الرجل المسن....قائلا بنبرة تغطرس :
" مثير للشفقة....قلت لا تملك المال الكافي ؟ "
ثم داس على رأس الرجل المسن آمرا أتباعه أن يقوموا بتقييده...بعد ذلك استدار الزائر إلى أهل البلدة قائلا :
" أيها الحثالة....هل جهزتم الضرائب كونكم تسكنون أرضي ؟ "

" اها ن...نعم...نعم يا سيدي...نعم بالطبع فعلنا..." ذاك ما أجاب به أهل البلدة بصوت عال...و بضحكات مصطنعة تعلو وجوههم البائسة

فجأة...و بعد أن أمر الزائر أهل البلدة بأن يحضروا الضرائب المالية...شعر هذا الأخير بحضور غريب... حضور مزعج و قاتل في نفس المنطقة التي كان فيها...و في نفس الوقت كان حضورا مألوفا...فالتفت يمينا و يسارا و كأنه شعر بالخوف من الحضور القاتل ذاك...قائلا :
" ما ما ما هذا ؟....مستحيل...هذا الحضور....هل يعقل أن...."
و بدأ يحدق في وجوه الحاضرين...و كأنه يبحث عن شخص ما....حتى صاح فجأة قائلا :
" إن...إنه حقا هو...ك...كوووجا...؟؟ سحقا ما الذي يفعله هنا في مثل هذا الوقت ؟ "
سمع كوجا صياح الزائر من بعيد....لم يتعرف عليه كوجا في البداية...حتى دقق في قسمات وجهه جيدا...و فجأة صرخ بطلنا بصوت عال قائلا :
" أوه ؟ ذاك الشخص....أليس نفسه أدار ؟ "
يبدو أن كوجا وجد وجه الزائر مؤلوفا عنده...أجاب الزائر قائلا في نفسه....و برعب شديد
" سحقا لقد سمعني....اللعنة لقد صحت باسمه من شدة التوتر....لقد لاحظ وجودي....لو عرف بأنني أتنمر على العامة لاستأصل رأسي من جسدي تماما مثلما فعل بأخي....سحقا "

ثم واصل الزائر كلامه بخوف شديد و بتوتر بعد أن صنع وجها مثيرا للشفقة
" ااااه سيدي....لقد كنت مارا من هنا...اهاهاها يبدو أن سكان البلدة قد علموا بخبر قدومي لهذا راحوا يرحبون بي....اهاهاها كما تعلم فانا لطيف مع العامة هاها..."
شعر سكان البلدة بالاستغراب الشديد...فالتفتوا فجأة نحو كوجا محتارين تماما....من يكون هذا الشخص حتى يخاطبه السيد أدار بهذه الطريقة ؟ إنه يبدو خائفا للغاية...
قال كوجا :
" همم ؟ لما أشعر بخلاف ذلك يا ترى...هل يكون الترحيب بهذه الطريقة ؟ أن يسمح المستضيف بأن يدوس الضيف على رأسه ؟ "
لم يجد أدار ما يقوله....لذلك لجأ للهرب كآخر حل له للنجاة من المصيبة التي كان فيها...فقال بتردد و فمه يكاد أن لا ينطق
" بالطبع لا يا سيدي...حسنا....أنا راحل الآن لقد تأخرت عن موعدي مع وكيل الضرائب....و الآن وداعا...هيا يا رجال فلنغادر بسرعة "
رحل أدار بسرعة مع أتباعه بعد الذي حدث...و من ردة فعله تلك...يبدو أنه لن يعود مجددا لتلك البلدة...بعد أن علم أن العميل إبسيلون المرعب يزورها بين الحين و الآخر....فجأة راح القرويون بسرعة يحييون كوجا و يضمونه....رغم أنه لم يفعل شيئا....لا بل فعل الكثير لهم على ما يبدو
" اااه سيدي...نشكرك كثيرا لقد خلصتنا من ظلم ذلك الرجل...لا ندري كيف نكافئك على ذلك "
تراجع كوجا خطوات نحو الخلف...قائلا :
" امم ؟ ما الذي فعلته حتى تكافئوني ؟ "
قامت مايا بضرب كتف كوجا بقوة قائلة :
" إبتهج يا هذا لقد خلصت بلدة كاملة من شر ذاك المدعو بأدار...رغم أنك غبي حتى تدرك ما فعلته "

في تلك اللحظات تقدم الرجل المسن الذي تم قهره من طرف المدعو بأدار...بعد أن قام أهل البلدة بفك قيده....فتقدم و هو يحمل كيسا مليئا بالسمك ثم أعطاه لكوجا....فهذا الرجل المسن...هو بائع سمك
قال كوجا بهدوء بعد أن شعر بالذهول
" هذا السمك....هل هو القاروص المرقط ؟ إنه من أنواع السمك المفضلة لدي...هذا حقا كرم منك...."
ضحك بائع السمك ضحكة عفيفة قائلا :
" لقد أذهلتني أيها الفتى....لا يبدو عليك أنك خبير سمك....هذه هدية صغيرة مني نيابة عن أهل البلدة لإنقاذك لنا...لقد صرت أتاجر بهذا النوع من السمك بسبب زوجتي التي أصيبت بمرض السرطان....إن سمك القاروص يحمي من هذا النوع من الابتلاءات لهذا صرت أتاجر بنصفه و آخذ النصف الباقي من البضاعة إلى زوجتي....."
ثم ابتسم الرجل المسن مواصلا كلامه قائلا :
" ذاك المدعو بأدار كان يأتي كل سنة في مثل هذا اليوم من أجل سلب نصف ما نجنيه من عملنا بحجة أن هذه الأرض كانت ملكا لأجداده....لذلك كان يجبرنا على دفع الضريبة كل شهر منذ أكثر من ثلاث سنوات.....لقد كان كابوسا مريعا و حضورك المفاجئ خلصنا من ظلمه....فمن ردة فعله تلك يبدو أنه لن يطأ أرضنا هذه مجددا...نحن حقا نشكرك يا سيدي الفتى "
قالت مايا بقلق شديد على أهل البلدة :
" هذا فظيع حقا "
تقدم كوجا خطوات نحو الرجل المسن قائلا :
" اممم هكذا إذا....أدار هو أحد عملاء المنظمة....المسؤول عن جمع ضرائب المحلات...لطالما قام أخوه بمضاعفة الضرائب على أهالي البلدات المجاورة من أجل الاستفادة من الأرباح لذلك قمت بمعاقبته و ها هو ذا أخاه يسير على خطاه....إذا كان الأمر كذلك سأكلّم قائد أدار لاحقا...ليلحق به العقاب المناسب...وإن لم يفعل سأقتل كلاهما بسبب الظلم الذي ألحقه ذلك المعتوه بهذه البلدة "
" قلت...تتحدث مع قائده ؟ تقتل كلاهما ؟ بحق خالق الجحيم من تكون أيها الفتى ؟ "
قام كوجا بفرك رأسه قائلا بهدوء :
" ربما لا يجب علي البوح بإسمي...لكن يمكنك أن تعتبرني عضوا مهما في المنظمة "
تراجع الرجل المسن خطوات نحو الخلف من الذهول قائلا :
" م...مستحيل هل حقا أنت كذلك ؟...إنه لمن المطمئن حقا أن نرى فردا من المنظمة يحمل قلبا أبيضا كقلبك يا سيدي "

أومأ كوجا برأسه للرجل العجوز دون قول شيء...لكنه شعر بنوع من الانزعاج....حتى في هذه البلدة...هناك من هو معارض لنظام المنظمة


2019/08/26 · 332 مشاهدة · 896 كلمة
zeedo
نادي الروايات - 2024