ما حدث لكوجا....ما سمعه كوجا....و ما رآه كوجا....كان شيئا صادما حقا....بعد أن اقتنع....و بعد أن سمح لنفسه بتصديق ما رآه....لم يستطع تمالك نفسه....شعر و كأن حياته انقلبت رأسا على عقب....شعر و كأن حياته كانت مجرد كذبة....
و منذ تلك اللحظة....فهم لما يكره شعب القارة تلك المنظمة....فهم ما تعنيه المنظمة الخاصة....المنظمة المنافقة التي تنهب و تقتل باسم الأمن
و أول عمل إجرامي قامت به كان....محو قارة كاملة عن الوجود في غمضة عين

بعد أن استيقظ كوجا....و بعد أن كان مستلقيا على سرير الآنسة جريشا....استقام هذا الأخير جالسا....و جسده يتمايل يكاد أن يسقط...فقام بمد كفيه نحو الأمام محدقا فيهما بنظرات مكتئبة....فكانت أول كلمات قالها بعد استيقاظه :

" -بهدوء- الشيء الوحيد الذي....صرت أصدقه الآن...هو أنني حقيقي أعيش هذا الوهم...."

ثم بعد لحظات من التحسر....متذكرا كل ما مر به.....قام هذا الأخير من السرير...ماشيا بتمايل نحو شرفة الآنسة جريشا....فقام بفتح بابها بهدوء....ثم جلس على حافتها....رافعا رأسه نحو الأعلى...محدقا في ظلام سماء الليل...
إن...
هذا الظلام....
لا يعادل شيئا بما يوجد في داخلي.....


لقد كان كل من الرئيسة و النت دوغ جالسان وراء باب غرفة جريشا....كانا ينتظران استيقاظه بعد الذي جرى معه....

" ما العمل الآن ؟ " ذاك ما قاله النت دوغ مخاطبا الرئيسة
فأجابته الرئيسة قائلة :
" هل...تريد الدخول أولا ؟ "
" لا....لست مهتما به إلى تلك الدرجة....ألست أنت من أردت إنقاذه أو ما شابه ؟ لذلك أدخلي فحسب "

يبدو أن الاثنان كانا يشعران بالتوتر الشديد....بعد الذي جرى لكوجا....كيف سيقومان بمقابلته يا ترى ؟ كيف ستكون ردة فعله عند رأيتهما ؟ بل هل بإمكانهما النظر إليه حتى....

فجأة في تلك اللحظات و بينما كان الاثنان يحاولان اقناع بعضهما بالدخول....قدمت مايا إلى المكان بعد أن قامت نائبة الرئيسة بإخبارها عن مكان كوجا و الرئيسة
" همم الرئيسة....نت دوغ ؟ "

فجأة استدار كل من الرئيسة و النت دوغ نحو مايا...فجعلهما ذلك يشعران ببعض الراحة...لقد وجدا من بإمكانهما إرساله نحو الداخل....
" آه...مايا...لما أنت هنا ؟ "
فركت مايا رأسها بعد أن خاطبتها الرئيسة...فأجابتها قائلة :
" لقد أتيت باحثة عنكما...أنت و كوجا....لقد ذهبت إلى منزل زعيم المدينة كما أخبرتني و....."
فجأة قاطعت الرئيسة كلام مايا قائلة بضحكة مصطنعة :
" آه....لما لا تدخلي و تخبري كوجا بكل التفاصيل....إنه في الداخل "
حدقت مايا في الرئيسة باستغراب قائلة :
" همم ؟ حسنا "
ثم التفت نحو باب غرفة جريشا و قامت بركلها بقوة داخلة الغرفة بخطوات مرحة....
التفتت يمينا يسارا لكنها لم تجد أحدا داخل الغرفة...كان ذلك قبل أن تلمح أن باب الشرفة كان مفتوحا...
" آه...إنه هناك إذا..."
تقدمت مايا بخطوات مرحة....عابرة باب الشرفة....لتجد...كوجا جالسا على الحافة...رافعا رأسه نحو الأعلى متأملا نجوم الليل المظلم....
لكنها...لم تقم بمخاطبته....بل اكتفت بالاقتراب من الشرفة أكثر...ثم رفعت رأسها نحو الأعلى...متأملة النجوم معه في صمت
و صمتت للحظات...حتى أتت تلك اللحظة التي ابتسمت فيها متأثرة بما كانت تراه...قائلة :
" إنه....ليل منير....رغم ظلامه الحالك....إن سماء الليل....حتما كانت ستكون مملة لو لم تقم النجوم بتزيين ظلامها...إن هذا المنظر جميل حقا....أليس كذلك ؟ "
أجاب كوجا بكل برودة :
" لكن ظلام الأنفس....لا يمكن أن ينار مهما كانت نوع الانارة التي تتوهج في أعماقه...."
ما إن قال كوجا ذلك...استدار نحو مايا بنظرات حزينة....فسقطت دمعة من عينه اليسرى بهدوء....راسمة خطا أسودا على وجهه
حدقت مايا في كوجا بضع لحظات....ثم أنزلت رأسها قائلة...بعد أن ارتسمت ابتسامة لطيفة على وجهها الطفولي ذاك...
" لا...أنت مخطأ تماما...فما الظلام إلا....نور قد خفت حتى انطفئ....الظلام...هو الضلالة التي نعيشها عند.... تجاهلنا للطريق الصائب....لكن ما نجهله نحن البشر هو....أنه دائما ما يوجد فرصة أخرى للوقوف مجددا من أعماق الظلام....بما أن الطريق الصائب لن يختفي وهجه مهما أحيط بالظلام "
استدار كوجا نحو الجهة الأخرى بهدوء...فرد قائلا :
" كعادتك....رغم غبائك الذي لا حدود له....إلى أن...كلماتك دائما ما تكون عميقة...."
ثم صمت لبضع لحظات رافعا رأسه نحو الأعلى مجددا....فواصل حديثه مخاطبا نفسه :
" لكن...رغم ذلك فما زلت أشعر بذاك الظلام في أعماق داخلي....رغم أنني عملت بجد لتنفيذ ما وصاني به قائدي الراحل....عرفت في الأخير أن كل ما فعلته...غدى سرابا....بمجرد استيقاظي من الوهم الذي نسج من حولي....حتى الآن....ما زالت لا أصدق ما كانت تفعله المنظمة من وراء ظهري...كم كنت غبيا...عند ظني أن فرقة الحروف القاتلة الخاصة ستواصل السير على خطى قائدي...بل كم كنت غبيا عندما ظننت أن المنظمة....ستجعلنا نسير مرة أخرى على الطريق التي صنعها قائدنا... "

عندها...قام كوجا بوضع مرفقه على عينيه....بعد أن شرع في البكاء فجأة....مواصلا كلامه مخاطبا نفسه بصوت مسموع...ناسيا أن مايا كانت بالقرب منه

" و ها أنا ذا أسقط نحو الأسفل مجددا...بعد أن اكتشفت أنني كنت أسقط داخل هاوية حدها هو اختفاء الضلالة التي استولت على داخلي....بعد ظنّي كل ذلك الوقت أنني كنت أسقط نحو الأعلى صاعدا على خطى معلمي....لقد قمت بقتل الكثير من الأبرياء...لقد نقضت وعدي لمعلمي....بأن أحمي شعب هذه القارة....منذ لحظة موته...أنا...لم أفعل أي أمر صائب...حتى أن....ليسيا قد ماتت بسببي.....ما سلب عقلي كل ذلك الوقت هو....أنانيتي في معرفة ما حدث لوطني الذي أنتمي إليه لأكتشف في الأخير أن....الذي خدمته كل تلك السنوات هو نفسه الذي قام بقهري و تضيعي....تلك المنظمة المنافقة....أنا حتما سأمحيها عن الوجود...."

توسعت عينا مايا بعد الذي سمعته من كوجا و فهمت الأمر تماما....من خلال كلماته تلك....فهمت أن المنظمة أسوأ و أبشع من الوحش الذي كانت تتصوره في مخيلتها عند ذكر اسم المنظمة أمامها....هذه المنظمة....أكثر من مجرد منظمة منافقة

رفع كوجا رأسه نحو الأعلى مواصلا حديثه....و الغضب يعتريه قائلا :
" أنا...بعد أن أحصل على انتقامي....حتما سأخطو خطوات معلمي من جديد....أنا....سأبدأ من الصفر.... "

سمع كل من الرئيسة و النت دوغ الحديث الذي دار بين كوجا و مايا....فابتسم النت دوغ مخاطبا الرئيسة قائلا :

" و الآن هل أنت سعيدة ؟ "

فأجابته الرئيسة بابتسامة....
" آه....يمكنك قول ذلك.... "

فجأة تحركت رئيسة فيلق العنقاء مغادرة إقامة فتيات الفيلق....بعد الذي قالته للنت دوغ
....
....
شعرت مايا بالسعادة بعد الذي سمعته من كوجا....هل هذا يعني أن بإمكاني أن أطلب منه ذلك مجددا ؟

اقتربت مايا من كوجا بعد أن أرادت سؤاله أمرا ما....لكنها شعرت بالتوتر خوفا من الرفض.....فجأة استدار كوجا نحو مايا و ما إن رأت وجهه انحنت بسرعة قائلة بتردد :

" ك...كوجا...أنا...أطلب منك مجددا الانضمام إلى فيلقنا.....فهل تقبل بذلك ؟ "

ابتسم كوجا ثم استدار نحو الشرفة....قائلا :
" أنا......."

لم يكمل كوجا كلامه حتى رأى أعضاء فيلق العنقاء مع الرئيسة مجتمعين تحت غرفة جريشا التي تقع في الطابق الثاني....فبدأ الأعضاء في الكلام مخاطبين كوجا....كأنهم كانوا يشعرون بالتأسف في تلك اللحظة

" آه...نحن نعتذر عمّا بدر منا....لم نكن ننوي الهجوم عليك...."

ثم قالت جريشا بصوت عال :

" لقد سمعنا من الرئيسة أن لا منزل لك يأويك...."
ثم قال لويس الطباخ :
" لهذا ما رأيك أن....."

و أكملت كاترينا نائبة الرئيسة الحديث قائلة :
" تنضم إلى فيلقنا و سنؤمّن لك مسكنا مريحا "

ابتسم كوجا مجددا مستديرا نحو الجميع....بعد أن شعرت مايا بالفرحة عند رؤيتها لهم...فقامت بالتلويح بكلتا يديها...
فقال كوجا بصوت خافت :
" حمقى....لا أدري ما يدفعني لقول هذا...لكن أنا....أقبل بطلبكم...أيها الفيلق الكسول "

صرخت رئيسة الفيلق بصوت عال قائلة :
" مرحبا بك في عائلتي....أيها العنقاء الجديد "


2019/08/30 · 359 مشاهدة · 1099 كلمة
zeedo
نادي الروايات - 2024