فصل 16:لعنة الغريب

بعد معركة طاحنة ضد المسخ، تمكّن غريب من توجيه الضربة القاتلة، لكن ما أربكه حقًا كانت الكلمات الأخيرة التي تمتم بها سيفه، بصوت بدا وكأنه يأتي من أعماق الهاوية:

"هذا فقط... البداية."

تسللت قشعريرة إلى عموده الفقري، وركبتاه كادتا تنهاران تحت ثقله. تنفس بصعوبة، وقطرات العرق تتصبب من جبينه رغم برودة جسده.

استند إلى سيفه كعكاز، يخطو بتثاقل فوق أرض الحلبة المتفحمة، متوجهًا نحو كاين.

"أيها القائد..." صوته بالكاد خرج. "هل... هل تعرف ماذا حدث؟"

نظر كاين إليه بعينين جادتين، وتعابير وجهه قد غشاها القلق.

"هذه أول مرة أرى شيئًا كهذا... شيء ما فيك حفّزه. شيء... غريب."

"المهم أن الجميع بخير..." همس غريب وهو ينظر إلى الساحة المدمرة.

هز كاين رأسه: "عُد إلى غرفتك، خذ قسطًا من الراحة. سنتحدث لاحقًا."

---

وصل غريب إلى غرفته، خطواته ثقيلة كأنها تحمل وزناً من الحديد.

جلس على سريره، ثم استلقى، محدقًا في السقف المظلم.

كانت أنفاسه غير منتظمة، وأفكاره مشوشة كأنها أوراق تتناثر في عاصفة.

"هيه، أيها الغريب... لماذا أنت شارد الذهن؟ كأنك خسرت المعركة."

اخترقت همسة مألوفة صمته — صوت السيف — وبدت وكأنها تسكن في نخاعه.

"أجبتَ أخيرًا... لماذا لم تردّ عليّ قبل قليل؟"

صمت السيف قليلًا، ثم أجاب بصوت بدا كأنه يحمل ذكريات قديمة:

"كنت أبحث في ذاكرتي عن شيء... شيء دفن منذ زمن طويل."

"وماذا وجدت؟"

"ما يهم الآن... هو ما تعرّضت له. المسخ استهدفك تحديدًا، وهذا ليس صدفة."

نهض غريب قليلًا، جلس وهو يمسك رأسه.

"لماذا أنا؟"

"لأنك تحمل اللعنة، غريب. لعنتك أنت... وسيفك. وجودكما معًا يجذب المسوخ كما يجذب الدم الذئاب."

"لكن لماذا؟ ما السبب؟"

تنهد السيف ببطء كمن يفتح بابًا من الألم:

"لأن كل مسخ يشعر في أعماقه... أن إن أكل جسدك، وأمسك بالسيف... فسوف يستعيد بشريته المفقودة. وهذه غريزة مغروسة فيهم. طُعِنت بهم كما طُعِنت أنت."

تجمد وجه غريب، لم يجد كلمات يرد بها، فقط سقط ببطء على ظهره، وأغمض عينيه، يحاول ابتلاع هذه الحقيقة الجديدة.

---

في أحد القصور الفاخرة التابعة للنبلاء الثلاثة، داخل غرفة مظلمة ذات ستائر حريرية سوداء، اجتمع ثلاثة وجوه متجهمة.

"هل بلغكم الخبر؟" قال أحدهم وهو يدير كأسًا من الشراب الأحمر في يده.

"المسوخ يتزايدون. وأعداد البشر الموهوبين تنقص في الآونة الأخيرة. نحتاج إلى تنظيم، ومنع أي بشري خارق من الاحتفاظ بقوته."

رد الثاني، شاب نحيل ذو نظرة حادة:

"فقط النبلاء يجب أن يُسمح لهم بذلك. كل ما عداهم فوضى."

لكن شيخًا جالسًا في نهاية الطاولة ضرب عصاه على الأرض وقال بصرامة:

"الملك يستمتع بالفوضى. لا تطرح هذا مجددًا... وإلا ستكون عشاء ملك القادم."

ساد الصمت، وارتجفت لهب الشموع رغم انعدام الريح.

---

في صباح اليوم التالي، خرج غريب من غرفته بعد نوم متقطع.

كانت عيناه نصف مفتوحتين من التعب، لكنه قرر أن يتجه نحو مقر كاين ليتحدث معه.

وفي طريقه، عندما مرّ بجانب قاعة التدريب الخالية، هبت نسمة باردة على رقبته.

وفجأة، سمع صوتًا غريبًا، عميقًا، كأنه آتٍ من داخله:

"اللـعنة... تبدأ من اليوم."

توقف غريب، قلبه يدق بعنف، نظر حوله — لا أحد.

لكن شيئًا ما بداخله تغير.

2025/05/07 · 4 مشاهدة · 473 كلمة
Amen
نادي الروايات - 2025