فصل 22 : هبوب الريح القديمة
في أعلى قمةٍ وسط المدينة...
قال الخادم بانحناءة مرتجفة:
"سيدي الملك، هل تأذن لي بالدخول؟"
جاء الجواب بصوتٍ أشبه بذكريات حربٍ منسية، فيه رنين يُذكّر السامع بخسارات لم يعرفها بعد:
"تعال..."
تقدّم الخادم بخطواتٍ ثقيلة، تعبر صمتًا لا يجرؤ الهواء نفسه على كسره
كانت غرفة العرش واسعة، كأنها قُدّت من قلب جبلٍ قديم. سقفها لا يُرى من فرط ارتفاعه، يغمره ظلامٌ كثيف تتدلّى منه سلاسل حديدية تمسك مشاعل خافتة اللهب، لا تمنح نورًا بل تُلقي بظلالٍ تتحرك كأنها كائنات تهمس فيما بينها.
الجدران من حجرٍ أسود، محفورٍ عليه رموزٌ غريبة، بعضها يلمع أحيانًا وكأنه يتنفس.
الأرضية مرصوفة ببلاطات داكنة، وفي منتصف القاعة يمتد بساطٌ من جلدٍ غير بشري، مغطى بأنماطٍ متشابكة تُصوّر معارك منسية وأهوال لا تُحكى.
في نهاية الغرفة، يرتفع العرش فوق خمس درجاتٍ حجرية، كل درجةٍ منقوشة برمزٍ مجهول.
العرش نفسه منحوت من عظام كائناتٍ عملاقة، يعلوه مسند ظهرٍ يشبه أجنحةً مكسورة، وعلى جانبيه قرون ملتوية كتيجانٍ ملعونة.
خلف العرش نافذة طويلة ضيّقة تُطل على هاويةٍ أبدية، تهبّ منها ريحٌ باردة تحمل رائحة الغبار والرماد والزوال.
كل شيء كان ساكنًا...
كأن الزمن نفسه توقّف احترامًا لصاحب العرش.
قال الخادم وهو ساجد، عرقه يتصبّب:
"سيدي الملك المبجّل... هل لديك أوامر لعبدك الحقير؟"
رد الملك بصوتٍ خافت، لكنّه يبثّ الرعب في الأرواح:
"استدعِ رؤساء العائلات النبيلة الثلاث... حالًا."
لم تمرّ سوى دقائق حتى ظهر كلّ من رؤساء العائلات الثلاث، ساجدين أمام العرش.
قال الملك دون أن يحرّك ساكنًا:
"لدي أوامر صارمة... يجب تنفيذها دون خطأ.
عاد 'هامس الفوضى'، لكنه اختفى بعد لحظات...
وهناك أثر لتحفةٍ غامضة تُدعى 'شظايا الأزل'... ابحثوا عن أي علامة لوجودها."
تقدّم رئيس عائلة 'فالدرين' وقال:
"سيدي الملك... هل أمر مرتبط بالأثر الغامض الذي وجدته؟"
فجأة شعر الجميع بهالةٍ خانقة...
كانوا الحُرّاس الأربعة.
اصطفّوا على جانبي العرش، لا يُشبهون البشر إلا في الأطراف.
أجسادهم مكسوّة بدروعٍ داكنة، كأنها صيغت من ظلال متجمّدة، لا تُصدر صوتًا، لكن كل حركة منهم تُشعر الغرفة بالاهتزاز.
خوذهم السوداء بلا فتحات، وأعينهم تتوهج بوميضٍ أحمر خافت لا ينطفئ، كأنهم يرون ما لا يُرى.
كل منهم يحمل سلاحًا مختلفًا:
رمحٌ طويل مكتوب عليه بلغةٍ منسية، سيفٌ من نار سوداء لا يبرد، فأسٌ مزدوج النصل يُصدر همسات، ودرعٌ ينبض كأنه قلبٌ حي.
لا يتكلّمون، لا يتنفسون، لكن حضورهم وحده يُرعب من حولهم.
قال رئيس 'فالدرين' سريعًا:
"أعتذر عن تطفّلي يا مولاي... اعتبر الأمر منجزًا."
...
في مكانٍ آخر، بعد ألمٍ ومعاناةٍ من الآثار الجانبية لقوى السيف...
استفاق غريب داخل غرفةٍ واسعة مضاءة بهدوء، محاطة بجدران حجرية ناعمة، مفروشة بسجادٍ ناعم وعطر خافت.
جسده ملفوف بالضمادات، لا يشعر سوى بثقل جسده المنهك. حاول النهوض، لكنه فشل.
بعد محاولاتٍ عدة، سمع صوت شيخٍ عجوز يقول:
"أخيرًا استيقظت، أيها الغريب..."
—