فصل 26:وعي لا يُخترق
في غرفةٍ خافتة الضوء، جدرانها ملساء كأنها مصقولة من حجر داكن يمتص النور، تمتم غريب:
"ماذا تقصد بالوعي؟ لا أفهم… كل من في هذا العالم يريد شيئًا مني."
ظهر كرسي فجأة، كأنه انبثق من فراغ، وجلس عليه نورثان. كان صوته جافًا، كأنّه ينحت الكلمات من صخر:
"أيها السيف الملعون، لِمَ تصوّرني شريرًا في هذه القصة؟ كل ما أردته هو إنقاذ سيليرا… ليس مجانًا بالطبع. سأعلّم غريب أشياء كثيرة."
قاطع غريب كلماته بصوت متقطع:
"أنت تريد وعيي؟ يعني سأصبح دمية؟"
ردّ نورثان بنبرة صارمة:
"أنت مخطئ، يا شظايا الأزل. أنت من بدأ الأمر… فلتنهه الآن."
قال السيف، بنبرة تتأرجح بين السخرية والندم:
"حسنًا، حسنًا… آسف، أيها غريب. الحقيقة أن وعيك غير قابل للاختراق، وهذا ما يجعل جسدك مثاليًا. من يملك القدرة على الختم، يملك أيضًا الحماية… أنت تحمي نفسك من ذكريات ماضية لو انكشفت لكسرتك. ما يريده نورثان ليس السيطرة عليك، بل أن يشاركك ختمًا، ليضع فيه النور المقدس ويحميه من عيون الحكماء… أولئك لا يمكنني حتى أن أنطق أسماءهم دون أن يُكشف مكانك."
سكت برهة، ثم أكمل:
"المهم، أنك الآن عرفت ما يريده… أما الباقي، فستعرفه في الوقت المناسب. الفهم، يا غريب… هو بداية السقوط."
توقف غريب لحظة، ثم نظر إلى نورثان، وقال بنبرة صادقة:
"إذًا… هكذا هو الأمر؟ لا أعرف ما أقوله، لكن هناك شيء واحد فقط… من داخلي، ما زلت أعتبر نفسي بشريًا. لم أفقد السيطرة على نفسي."
ابتسم نورثان ابتسامة خافتة:
"إجابة جيدة… نسبيًا. لكن السبب الحقيقي لثباتك هو أنني ختمت داخلك كل قوة اكتسبتها من أكل البشر. سأُعيدها إليك تدريجيًا… كلما تقدّمت في تدريبك. الآن، اذهب ونَم. غدًا نبدأ."
. . .
في مكانٍ بعيد، غرفةٌ واسعة مغطاة بالستائر السوداء، تتراقص فيها الشموع ذات اللهب الأسود كأنها أرواح معلقة. رائحة رماد وسخام تتسلل في الهواء.
"يا ظل… تعال بسرعة!"
ظهر وهج أسود وسط غيوم متحركة، وكأن كيانًا من العدم تشكّل أمامه، تكلم بصوتٍ شبه مسموع:
"ما أوامرك، سيدي؟"
قال الرجل الجالس على العرش الرمادي:
"هناك أمرٌ بالغ الخطورة… لقد عاد أحد الحكماء القدماء. سيد السيوف، المبارز الذي لم يُهزم. شظايا الأزل أيضًا قد عاد، لكن قوّته لم أعد أشعر بها. مهمتك أن تجده… يتنكر كسيف، دوماً."
مدّ يده وقدّم خاتمًا حجريًا غريبًا:
"خذ هذا… سيتغير لونه عندما تقترب منه."
قال الظل بانحناءة منخفضة:
"أمرك، طوعُ أمرك."
ثم اختفى في لحظة، كأنّ الهواء ابتلعه.