فصل 28:باب الذنب
بعد أن ترددت في أذني غريب تلك الكلمات الغامضة، حاول تتبّع مصدر الصوت، لكن دون جدوى. كان الفراغ من حوله صامتًا كثيفًا، كأن الزمن نفسه توقّف. لاحظ فجأة بابًا ضخمًا، بلا نهاية، يطغى عليه لون أسود غامق، يتوسّطه رمز معقد يتوهج بخفوت.
تقدّم بخطًى حذرة ولمس الرمز. وفور ملامسته، انبعث منه ضوء خافت ودُفع غريب إلى الخلف بعنف غير مرئي.
زمّ شفتيه وقال:
"ما أمر هذا الباب المزعج؟ لمَ لا يفتح؟ اجمع شتات نفسك، سأحاول مجددًا."
تقدّم خطوة، وقبل أن يلمس الرمز مرة أخرى، ظهر أمامه مخلوق.
كان المخلوق هزيلاً، شبه بشري، لكنه مكسور المفاصل، يتحرك على أطرافه الأربعة كحيوان جائع. أسنانه طويلة، رفيعة كالإبر المعدنية، وعيناه الغائرتان تنزفان دمًا أسود. اقترب بصوت خافت يخترق الروح:
"أنا الناشب... أمثل الذنب والندم، أنا أنت... لحظة أول سقوط، أول قضمة من لحم بشري."
ارتجف جسد غريب. سمع صوتًا باكيًا ينبعث من فم الناشب:
"لم أرد... لم أفهم... لماذا لم توقفني؟"
كاد غريب أن يتقيأ، لكنّه تمالك نفسه. نظر إلى عدوّه الملتف كعقرب الألم، وقال بصوت متقطع:
"إن كان هذا وعيي... فأنا المتحكم فيه."
مدّ يده، فظهر فيها سيف قديم استدعاه من أعماق ذكرياته، مغطى بهالة رمادية وسوادٍ قاتم. قفز تجاه الناشب، واختفى خلفه، ثم ضربه في صدره ضربة خاطفة، انبعث منها وميض أسود.
ارتجّ جسد الناشب واختفى للحظة، ثم ظهر فوق غريب. لوّح بمخلبيه الطويلين، وفي لحظة ارتطامهما، انفجرت موجة طاقة دوت في الفضاء الداخلي، دفعت الظلام ذاته إلى التراجع، تاركةً بقعًا بيضاء باهتة في الأفق. بدأ الظلام يعيد تكوين نفسه.
تراجع غريب خطوتين، ثم قفز عاليًا، استدار في الهواء، وهبط بضربة عمودية مزقت الأرض تحت قدمي خصمه. في اللحظة التالية، طعن الناشب يد غريب بمخلبه. تأوه غريب وتراجع ممسكًا بيده، حينها هبّت هجمة ثانية، سريعة كالظل، شعر فيها ببرودة مخالب تمرّ على رقبته، لكنه تراجع في اللحظة المناسبة، تاركًا خصمه يضرب السراب.
وبحركة مفاجئة، ظهر غريب بجانب الناشب وقطع رأسه بضربة واحدة حاسمة.
سقط غريب على ركبتيه يلهث، أنفاسه ثقيلة، وعرقه يختلط بألمه.
ثم لاحظ الباب الكبير ينفتح ببطء.
جمع ما تبقى من قوته، ودفع الباب بلطف. وجد نفسه في قاعة واسعة لا نهاية لها، تعجّ بالأسلحة والدروع. لم ير مثلها من قبل، كانت تلمع تحت نورٍ غير معروف المصدر. اقترب من درع خفيف، ومد يده ليلمسه...
---
استفاق فجأة أمام نورثان وسيليرا، وكانت الأخيرة تنظر إليه بقلق بالغ.
"هل أنت بخير؟" جاء صوت نورثان حنونًا على غير عادته.
ابتسمت سيليرا حين نهض، وساعدته على الجلوس.
قال نورثان:
"تعال إلى الداخل، وأخبرني بكل ما حدث."
أطرق غريب رأسه، فأكمل نورثان:
"الآن فهمت أمر وعيك. لا يمكن لأحد أن يلمسه دون أن يتحول إلى غبار أسود. ما حدث يعني أنك نجحت."
جلس غريب بتعب، وشعر ببعض الراحة، لكن نورثان أضاف بصوت منخفض:
"ومن الغد... يبدأ جحيم التدريب الحقيقي."