29 - لا راحة للضعفاء

فصل 29 : لا راحة للضعفاء

استيقظ، أيها غريب!" كان صوت نورثان صاخبًا كالرعد، ففتح غريب عينيه بصعوبة، ونهض بسرعة نحو حديقة المنزل، جسده ما زال مرهقًا من الطقوس السابقة، لكن شيئًا في أعماقه يدفعه للاستمرار.

"سيدي، أنا جاهز للتدريب!" قال غريب بحماسة ظاهرة في نبرته، رغم الإرهاق الكامن خلف عينيه.

ابتسم نورثان ابتسامة حادة وقال: "جيد... نشيط منذ الصباح؟ إذًا أنت مستعد لجحيم قادم. جحيم لن يدعك تنام حتى بشكلٍ صحيح!" كانت عيناه تلمعان بجنون حقيقي.

استدعى سيليرا التي تمتمت بكلمات غير مفهومة، فظهر ثقب في الهواء أمامهم، دوامة من الضوء والضباب.

"هيا، سندخل هنا. هذا هو مكان تدريبك الجديد."

تردد غريب للحظة، ثم تقدّم. ما إن عبر الدوامة حتى وجد نفسه في سهل غريب، تغمره أشعة من نور أبيض مبالغ فيه، كأن الشمس أقرب من اللازم، وكل شيء يبدو أوضح وأثقل.

"أين نحن، سيد نورثان؟"

"نحن في أحد مجالات سيليرا السحرية، هذا المكان لا يتبع قوانين العالم الطبيعي. كل ساعة هنا تساوي أربع ساعات في الخارج. يمكننا التحكم في التضاريس والظروف حسب نوع التدريب. واليوم... سيكون تدريبك بدنيًا. التحمل، ثم التحمل، ثم المزيد منه. إن لم تتحمّل الألم، فلن تقف يومًا في وجه قوة حقيقية."

نظر غريب حوله بقلق، لكن لم يُعطه نورثان وقتًا ليفكر:

"أول تدريب: احمل هذه الصخرة على ظهرك، وزنها ضعف وزنك، وسِر بها صعودًا في هذا الطريق المنحدر. لا تتوقف، لا تجلس، لا تطلب الرحمة."

حاول غريب رفع الصخرة، فانكسر جسده تحتها أول مرة. ثم ثانية، وثالثة... حتى نجح. مشى بخطى غير ثابتة، يقع أحيانًا، يغيب عن الوعي ثم ينهض مجددًا، الشمس لا تتحرك، والزمن ثقيل كالجمر. استمر التدريب لثلاثة أيام بلا نوم، بلا طعام، بلا صوت إلا لهاثه وسقوطه.

سقط أخيرًا على الأرض، جسده لا يستجيب، صدره يعلو ويهبط كأنه يغرق في الهواء.

ظهر نورثان وسيليرا فجأة، وقال نورثان ساخرًا:

"انظر إلى حالك، تلهث كجرو صغير... بهذه الحالة لن تكمل أسبوعًا آخر دون أن تموت. هيا، أعد الجولة!"

صرخت سيليرا من خلفه: "جدي، توقف! إنه بالكاد حي! لم يأكل منذ ثلاثة أيام!"

أجاب نورثان بلا مبالاة: "محظوظ هو لأنك هنا... كل ما سيحصل عليه هو بضع لُقيمات، ولن تنقذينه في المرة القادمة."

بعد دقائق قليلة من الأكل، قال نورثان:

"هيا، عد! لا راحة لك. ساعتان من النوم فقط في اليوم... هذا كل ما ستأخذه. تمرينك القادم؟ ستسحب هذه السلاسل الصلبة من المنحدر الرملي، وتصعد مستخدمًا ذراعيك فقط."

بدأ غريب المهمة الجديدة. الرمال تنهار تحته، السلاسل أثقل من عظامه. كانت عضلاته تصرخ، كأن كل ليف فيها يحترق، أنفاسه قصيرة، قلبه يدق بجنون. بدأ يرى الظلال تتحرك من شدة الإرهاق.

في عقله، ترددت كلمات سيليرا كصوت من بعيد:

"القوة الحقيقية لا تولد من الراحة، بل من الألم الذي لا يُحتمل."

استمر، سحب السلاسل بكل ما تبقى له من قُوة، حتى غابت عيناه عن العالم. فقد الوعي وهو ممسك بها، كأن روحه أُفرغت من جسده.

ظهر نورثان مجددًا، وسكب على وجهه ماءً باردًا.

"ارتَح قليلًا... فما زال الجحيم الحقيقي لم يبدأ بعد."

2025/05/22 · 5 مشاهدة · 466 كلمة
Amen
نادي الروايات - 2025