فصل 2:الهروب من القيود
بعد ساعات من الركض، أصبح جسده منهكًا، وكأن القوة التي اكتسبها تستهلكه أكثر مما تمنحه. الذنب كان يطارده في كل لحظة. كان يعلم أن هويته قد تغيرت إلى الأبد، لكنه لا يزال لا يستطيع فهم الطبيعة الحقيقية لما حدث له. هل هذا ما يريد أن يصبح عليه؟ هل يلتزم بما فرضه عليه العالم أم أن هناك طريقًا آخر؟
أخذ نفسًا عميقًا وهو يستند على صخرة كبيرة في قلب الغابة، يراقب الضوء الباهت للشمس الذي يتسلل عبر الأوراق الكثيفة. كان هناك شيء غريب في الهواء، شعور لا يُحتمل، كأنما الكون كله يراقب.
"قوة." تمتم بصوت منخفض، لا يكاد يسمع نفسه. الكلمة كانت ثقيلة في فمه، تتردد كأنها حمل ثقيل عليه.
قوة تأتي من أكل الآخرين. قوة غريبة، قذرة.
كان يعلم الآن، أن كل شخص في هذا العالم قد اختار هذا الطريق، اختار أن يكون جزءًا من نظام وحشي حيث لا يوجد مكان للضعفاء. لكن، هل كان يجب عليه أن يصبح مثلهم؟ هل كان الخيار الوحيد هو أن يستمر في أكل الآخرين لكي يبقى حيًا؟
في تلك اللحظة، بدأت تتحرك الذكريات المظلمة في ذهنه.
كانت اللحظة التي أُجبر فيها على أكل ذلك الشخص مؤلمة، لكنها لم تكن مجرد لحظة قسرية فقط. بعد أن ابتلع الروح، بدأ يشعر بشيء غريب في جسده، وكأن الطاقة كانت تتدفق فيه بشدة، تنبض بقوة، لكنها كانت غريبة، وكأنها ليست جزءًا منه. كانت كأنها قوة من مكان آخر، قوة كان يجب عليه أن يتحكم بها، وإلا فإنها ستقوده إلى التدمير.
كلما حاول التفكير في الأمر، كان شعور الذنب يزداد، كأن تلك القوة تهاجمه بألم. هل كانت القوة تستحق التضحية بإنسانيته؟ هل كان حقًا مستعدًا لتغيير كل شيء من أجل البقاء؟
وأثناء تفكيره في هذه الأسئلة، سمع صوت خطوات ثقيلة تقترب.
كان هنالك شخص آخر. لا، ليس شخصًا واحدًا. كان مجموعة من البشر، أو بالأحرى كانوا نوعًا من الكائنات التي تُشبه البشر، لكنها كانت تحمل قوة غير طبيعية، قوة تماثل ما اكتسبه هو. تحركوا بهدوء عبر الأشجار، يقتربون منه، وكأنهم كانوا يبحثون عنه.
فجأة، وقف شخص أمامه، أطول منه بكثير، وعيناه مليئتان بالخبث.
"أنت... الذي هرب."
كان هذا الشخص يبتسم ابتسامة غامضة، وكأن لديه أسرارًا يريد أن يرويها.
"أنت الآن جزء من هذا العالم، مثلنا."
"ماذا تعني؟" سأل البطل، محاولًا أن يفهم ما يجري.
"كل شيء هنا يدور حول القوة. لن تعيش إذا لم تتغذى على قوة الآخرين. عندما تأكل، تكتسب المزيد من القدرة، المزيد من القوة. لكن هناك قيد."
"قيد؟"
"نعم، القيد. ليست القوة وحدها ما يمكنك اكتسابه. القوة لها ثمن. إذا لم تتمكن من التحكم فيها، فإنها ستقضي عليك."
في تلك اللحظة، اكتشف البطل بعض التفاصيل الحاسمة عن نظام القوة الذي كان يعيشه هذا العالم. كانت القوة التي يمنحها أكل الآخرين تعطي مميزات هائلة: القوة الجسدية، السرعة، التحمل، وحتى بعض القدرات الخاصة. ولكن كما كانت تمنح المزيد من القدرات، فإنها كانت تتطلب الكثير من الضحايا. وكلما أكل الشخص أكثر، أصبح أكثر قوة، لكن أكثر فسادًا أيضًا.
"ماذا يحدث إذا أكلت أكثر من اللازم؟"
سأله البطل بتوتر، وهو يشعر بأن هناك جزءًا كبيرًا من اللغز لا يزال مجهولًا بالنسبة له.
"في البداية، الأمر جيد. لكن مع الوقت، تصبح آلتك. تصبح مجرد وحش يتغذى على حياة الآخرين."
بدأ البطل يشعر بما كان يحدث في داخله. في اللحظة التي أكل فيها ذلك الشخص، كانت حياته تتغير إلى الأبد. كان جسده يزداد قوة، لكن روحه كانت تضعف. كانت هناك فجوة بينه وبين نفسه الآن، وكانت هذه القوة تحمل في داخلها تهديدًا لا يمكنه الهروب منه. هل سيتخلى عنها؟
هل سيصبح مثلهم؟
"إذا لم تسيطر على هذه القوة، ستقضي عليك." كانت كلمات الشخص أمامه تتردد في عقله، وكانت تلك هي اللحظة الحاسمة. البطل كان على وشك اتخاذ قرار. هل سيستمر في هذا الطريق؟ أم أنه سيبقى متمسكًا بما تبقى من إنسانيته؟
فجأة، قطع الصوت في ذهنه. كان تهديدًا جديدًا، شيء يقترب بسرعة. كانت قوة عميقة تلوح في الأفق، وكأن العالم كله كان يتهيأ لاختبار ما إذا كان البطل سيصمد أم سيغرق في هذا النظام المظلم.
انقض على البطل شعور عميق بالحيرة. كان هناك اختبار جديد أمامه، اختبار حقيقي: هل سيعيش باستخدام هذه القوة؟ أم سيبحث عن طريق آخر؟
اختار الهروب مرة أخرى، لكن هذه المرة، الهروب لم يكن فقط من المكان. كان هروبًا من نفسه، ومن تلك القوة التي بدأت تلتهمه شيئًا فشيئًا. لكنه لم يكن يعلم أن الهروب ليس الحل النهائي. ربما كان اختبارًا أكبر ينتظره في الطريق.