فصل 3: المدينة التي تأكل نفسها
استفاق فجأة من كابوسٍ مزق سكونه.
كانت كلمات غريبة تتردد في عقله:
"القوة... تُكتَسب بأكل البشر."
تجمد في مكانه، قائلًا لنفسه بصدمة:
"هذا مقزز..."
لكن، ما إن هدأ قليلًا، حتى بدأت مجموعة من ذكرياتٍ مبهمة تطفو في ذهنه. لم يكن يعرف مصدرها، لكنها بدت مألوفة على نحو غريب.
رفع رأسه ببطء. أمامه، قلعة هائلة تلوح في الأفق، تغطي مساحةً لا يمكن تخيلها.
بخطى مثقلة بالجوع والإرهاق، بدأ يسير نحوها، وجهه شاحب، وملامحه تئن بصمت.
عندما وصل، كانت البوابة الطويلة مفتوحة بلا حارس.
ومع أول خطوة عبرها، شعر بقشعريرةٍ تسري في عموده الفقري، وعرقٍ بارد يتصبب من جبينه.
الجو مظلم وكأن الحياة نفسها هجرت هذا المكان.
لكن ما رآه في الداخل كان أبشع مما تصوّره.
متاجر تبيع لحم البشر.
ورش تقطع الأطراف مقابل المال.
ضحكات مريبة، ورائحة الموت تملأ الهواء.
راح يتجول بين الأزقة، والروائح الكريهة تهاجمه من كل صوب.
وفي زاوية السوق، تجمدت نظراته على مشهدٍ لا يُنسى:
أناس يُباعون كالعبيد، ليس للعمل، بل للإنجاب... ثم تُؤكل ذريّتهم.
هذا لم يكن عالمًا حيًا.
كان نظامًا من الجحيم.
جلس في زاوية مهجورة، يحاول استيعاب ما رآه.
تذكر ما سمعه من كلمات متفرقة، وكأن عقله يعيد بناء النظام الطبقي لهذا المكان:
الملك في القمة.
النبلاء يليه، وهم الأقوى، ولكن قوتهم محدودة بأمرٍ ملكي.
ثم العمال، وأدناهم العبيد، المولودون ليُستهلكوا.
همس لنفسه، وعيناه تائهتان:
"منذ الولادة... يُحدد مصيرهم. إما أن تأكل، أو أن تُؤكل."
حلّ الليل، وكان أسودَ حالكًا لا نجمة فيه ولا قمر.
تمتم، وعيناه على السماء العمياء:
"كيف تأتي هذه الكلمات إلى رأسي... وأنا لا أعرف حتى اسمي؟ لا أعرف لماذا أنا هنا. حتى ذلك الظل الذي كنت أراه... اختفى."
ثم، سمع أصواتًا قادمة من بعيد.
ضوء خافت ينبعث من بيتٍ قديم جذب انتباهه وسط الظلام.
توقف للحظة. حدّق في ذلك الضوء، ثم همس:
"سأذهب... ربما أجد شيئًا يُجيبني."
ونهض، متجهًا نحو المنزل.