فصل 31: الممر الثاني

فتح غريب عينيه ببطء بعد نومٍ عميق وطويل، لكنه فوجئ بوجه سيليرا قريبًا منه، تحدّق فيه بعينيها الواسعتين. انتفض جالسًا وهو يصرخ:

"ما الذي تفعلينه؟! لقد أرعبتِني!"

ابتسمت سيليرا بلطف وقالت بهدوء:

"آسفة... لم أقصد إخافتك. فقط كنت أتأكد من أنك بخير بعد كل ذلك التدريب والنوم الطويل."

تنفس غريب بعمق ليهدأ، ثم سألها:

"لكن... لماذا كنتِ هنا كل هذا الوقت؟"

أجابت سيليرا:

"لقد تأخرتَ في الاستيقاظ، وكنتَ تتمتم بكلمات غريبة وأسماء أماكن مدمرة... حتى أن جدي ذهب للبحث عنها في الكتب القديمة."

عبس غريب قليلًا، ورفع حاجبيه بدهشة:

"أماكن مدمرة؟ أنا لم أزر أي مكان كهذا..."

قالت سيليرا:

"ربما ظهرت لك في الحلم... لكنها حقيقية في بعض الأساطير القديمة. وهناك من يعتقد أن تلك الأماكن كانت مراكز لقوى خفية، أو معارك نُسيت مع الزمن."

جلس غريب مسندًا ظهره إلى الوسادة، ما زال يحاول استيعاب الأمر. شكر سيليرا على اهتمامها، ثم همس لنفسه:

"هل هذه رؤى من الماضي؟ أم ذكريات لا أملكها؟"

اقترحت سيليرا:

"علينا أن نبحث في الأمر معًا. قد يكون هذا مرتبطًا بما تمر به الآن."

وقبل أن يرد، انفتح الباب بعنف، ودخل نورثان صائحًا بصوت صارم:

"كفى أحاديث! هل تظن أنك ستتهرب من التدريب؟ اليوم لن يكون تدريبًا جسديًا... بل رحلة أخرى داخل وعيك."

تبددت لحظة الهدوء، ونهض غريب متأففًا، يتبع نورثان إلى الخارج حيث أُقيمت الطقوس مجددًا. وقف غريب وسط الدائرة، وشيئًا فشيئًا انسحب وعيه إلى الداخل.

---

وجد نفسه هذه المرة في ساحة حجرية فسيحة، تلمع تحت ضوء خافت. كانت الجدران مغطاة بأسلحة ودروع عتيقة.

مدّ يده يتحسس مقبض سيف ثقيل. نظر حوله متأملًا، وهو يشعر بتوتر داخلي.

"يجب أن أكون مستعدًا... ربما يظهر وحش جديد."

بدأ يتقدّم بحذر، خطواته تتردد فوق الأرض الصلبة، حتى وصل إلى باب حجري عملاق. دفعه بقوة... وفجأة تغيّر كل شيء.

الظلام.

الهدوء.

رائحة العفن.

ثم جاء الصوت...

"أنا... الزاحف المُقنَّع."

تسارعت نبضات غريب، تراجع خطوة للوراء، يحدق في الفراغ أمامه. قال بتردد:

"من أنت؟ ما هذا المكان؟"

لم يجب أحد. فقط ظلال تتحرك من بعيد، وصوت أنفاس خافتة. المكان كان يضج بالخطر، ومع ذلك... لم يتحرك غريب. كان يعلم أن الهرب مستحيل، وأن عليه المواجهة.

"إن كنت اختبارًا آخر... فأنا مستعد."

ظهرت فجأة ملامح وجه غامض خلف قناع أسود مخرّم. قال الصوت مجددًا، بهدوءٍ عميق:

"ما زلتَ لا تعرف من أنت... لكنك تقترب. وأنا حارس الحقيقة التالية."

وقف غريب بثبات، يحدق في القناع، وهو يشعر أن ما سيحدث الآن... سيغيّر كل شيء.

2025/05/24 · 3 مشاهدة · 387 كلمة
Amen
نادي الروايات - 2025