فصل 34 : أختام الذاكرة وصدى الفوضى
بعد أن قال الزاحف المقنّع كلماته، تبخّر من مكانه، وظهر باب ضخم بلا نهاية. تقدّم غريب ولمسه، وفجأة وجد نفسه في مكان غامض، تغمره الرموز والأختام من كل الأنواع. جلس في زاوية هادئة، يراجع ما حدث وما قِيل له. كلمات الزاحف المقنّع أثّرت فيه بعمق، لكن الذكريات... كانت شيئًا آخر تمامًا.
كان هناك شيء واحد لفت انتباهه في تلك الذكريات، شيء تكرر بأشكال وملابس مختلفة، لكنه لم يفهم معناه بعد. وقف على قدميه، تاركًا خلفه كل الضجيج العقلي، لكنه بدأ يشعر بنوع من الجنون الخفي، دون أن يعرف مصدره.
واصل الاستكشاف. كان المكان مليئًا بالأسرار، والرموز التي لم يتمكن من فك شيفرتها بسهولة. كل رمز بدا كأنه يحمل جزءًا من ماضٍ مجهول. جلس يتأملها، محاولًا فهم الرسائل المخفية فيها. هذه الرموز... ربما كانت مفتاحًا لفهم ذاته بشكل أعمق. تساءل عن علاقتها بذكرياته، وكيف تؤثر على حاضره.
بينما هو مستغرق في تأملاته، تغيّر المكان فجأة. أصبح شاحبًا، بلا حياة. لكنه شعر في أعماقه بأنه زار هذا المكان من قبل.
وفجأة، ظهر طيف أسود من العدم، وقال بصوت فخم:
"مرحبًا يا غريب... نلتقي مجددًا."
ردّ غريب بارتباك:
"من أنت؟"
أجاب الطيف بابتسامة باردة:
"أما زلت لا تتذكرني؟ أنا هامس الفوضى... من كاد يسحق جسدك في آخر لقاء لنا. كان أمرًا ممتعًا."
زمّ غريب شفتيه بغضب:
"ما الذي تفعله هنا؟"
قال هامس بهدوء:
"كنت أتجوّل في إحدى ذكرياتك غير المختومة."
ارتبك غريب، اختلط داخله الفضول بالقلق. لم يكن يتوقّع أن يلتقي بهذا الكيان مجددًا، خاصة في هذا المكان الغامض. ذكرياته بدت وكأنها تتداخل مع الواقع، كأنه في حلم لا ينتهي. حاول أن يستجمع شجاعته وسأل:
"ولماذا تظهر الآن؟ ما الذي تريده؟"
ابتسم الطيف ابتسامة غامضة وأجاب:
"لقد كنت دائمًا جزءًا منك، حتى وإن لم تدرك ذلك. هذه الرموز جزء من رحلتك لفهم ذاتك... لفهم الماضي الذي شكّل حاضرك. كل ذكرى غير مختومة هي باب مفتوح، فرصة لفهم ما فات، وتأمل أثره."
تردد غريب قليلًا، ثم قال:
"لماذا أشعر أنني زرت هذا المكان من قبل... دون أن أتذكره؟"
في تلك اللحظة، رفع هامس يده وصفق.
ظهرت رؤى مباغتة: ذكريات لغريب وهو يواجه هامس الفوضى باستخدام أسلحة متطوّرة، إلى جانب مجموعة من الأشخاص. شيء واحد صدمه... سيليرا كانت تقف بجانبه، تقاتل معه.
عاد غريب من الذكرى، متجهّمًا، وسأل هامس بعصبية:
"ما الممتع في الفوضى التي تخلقها؟"
انفجر هامس ضاحكًا بصوت عالٍ:
"ما الممتع في الفوضى؟! إنها تمنحني المساحة للعب وحدي... بينما أنتم تصرخون!"
بدأ المكان يهتز، يفقد توازنه.
أضاف هامس:
"سنلتقي مجددًا... ولكن هذه المرة في الواقع، لا في الذاكرة. وحتى إن نجحت في هزيمتي، فلن يبقى الحُكّام مكتوفي الأيدي."
استفاق غريب فجأة أمام نورثان، وجهه مغطّى بالعرق.
سأله نورثان بقلق:
"ما بك؟ ماذا حدث هناك؟"
لكن غريب لم يرد، فقط نهض وغادر دون أن يقول كلمة.
كان يشعر بالارتباك والقلق، يحاول استيعاب ما رأى وما قيل له. المواجهة مع هامس الفوضى كانت أكثر مما توقع. أضاءت داخله أسئلة لم يعرف لها إجابة. وبينما كان يسير نحو منزله، كان ذهنه مشغولًا بالتفكير في الرموز، وفي الذكريات غير المختومة.
عندما وصل إلى منزله، جلس في ركن هادئ، يحاول تهدئة نفسه. كان بحاجة إلى وقت ليرتب أفكاره، ويقرر خطوته القادمة. فهم الآن أن رحلته لفهم ذاته لن تكون سهلة، وأنه سيواجه الكثير في سبيل ذلك. لكنّه عقد العزم على المضيّ قدمًا، لفهم تلك الرموز، وتلك الذكريات... وللصلح مع ماضٍ لا ينفك يُلاحقه.