فصل 37 : مرآة الوحش

بعد أسبوعٍ آخر من التدريب، كان غريب قد بلغ أقصى حدٍّ من تطوّر جسده، وتعمّق في مهارات استخدام السيف التي تمرّن عليها تحت إشراف نورثان.

وقف الأخير أمامه، قائلاً بصوتٍ حازم:

"استعدّ... حان وقت دخول مجال سيليرا. ستقابل هناك الوحش الذي حدثتُك عنه. لن تخرج من ذلك المجال إلا بهزيمته... حيًّا."

لكن غريب قاطعه بنبرة محتجّة:

"سيدي... ألم تنسَ شيئًا؟ لم تُقدّم لي أيّ مستلزمات للعيش هناك، ولا ذكرت شظايا الأزل المختومة."

أجاب نورثان، وصوته يحمل نبرة غضبٍ مكبوت:

"لم أنسَ شظايا الأزل. كنت أتحدث معه أحيانا. وأما المستلزمات... فلن تأخذ معك إلا هذا السيف القديم. إن كنت تبحث عن النجاة، فستجدها بداخلك، لا في عتاد خارجي."

شعر غريب بالقلق. ما ينتظره لم يكن اختبارًا عاديًا. لكنه أدرك أن هذه الخطوة حاسمة، وأن عليه أن يعتمد على مهاراته وشجاعته.

كان يعلم أن نورثان، رغم شدّته، يثق به.

وقبل الدخول، استعاد غريب في ذهنه كل ما مرّ به من تدريباتٍ مضنية، وكل كلمةٍ سمعها من نورثان. مع كل خطوة يخطوها نحو البوابة، كانت ثقته تنمو. هذه الرحلة لن تكون مجرد اختبار... بل نقطة تحوّل.

---

فتح عينيه فوجد نفسه في مكانٍ جبلي، تغمره أشجار كثيفة خضراء، والضباب يملأ الهواء حتى يكاد يحجُب الرؤية. كان السكون المحيط كأنّه مقبرة زمنية.

تقدّم بحذر وسط الضباب. الأرض تحت قدميه كانت تتغيّر؛ صلبة حينًا، وسائلة كالزئبق حينًا آخر. أما الأشجار، فبدت كأنّ جذوعها تراقبه بعينٍ خفية.

ثم سمعها...

ضحكة طفلة.

لم تكن شريرة... بل بريئة، لكنها في غير موضعها.

تجمّد مكانه. دارت عيناه في محيطه المتلاشي.

"مجرد وهم..." همس لنفسه.

لكن الصوت تكرّر، أقرب هذه المرة.

"هل أتيت لتلعب معي؟"

استدار فجأة، فرأى فتاة صغيرة بثوبٍ أبيض، شعرها الطويل يغطي وجهها، وتلوّح له بيدها الصغيرة.

"من... أنتِ؟"

لم تجب، بل استدارت ومشت، فتبعها غريب على مضض. شيء داخله أخبره أنها تعرف الطريق.

قادته إلى بحيرة صغيرة بلا قاع، سطحها يعكس سماءً لا تشبه سماء هذا المكان.

قالت الفتاة:

"إذا كنتَ شجاعًا... اقفز."

"لماذا؟"

"لتتذكّر..."

شعر بشيء يشد صدره. خوف قديم. لم تكن تدعوه للغوص في الماء... بل في ذاته.

تردّد، ثم شتم تحت أنفاسه وقفز.

---

غاص في الماء، لكنه لم يبتل.

وجد نفسه في ظلمة، يقف أمام مرآة.

لكنها لم تعكسه كما هو... بل أظهرت نسخة مقلوبة منه، بعينين خاليتين من الحياة.

سمع صوته يأتي من الداخل، مبحوحًا:

"إن أردت القوة... عليك أن تكسرني."

رفع قبضته وضرب المرآة، فتشققت، وانبعث منها وميض طاغٍ جعله يصرخ.

---

استفاق على ضفة البحيرة، والطفلة اختفت.

لكن شيئًا ما تغيّر...

عيناه لم تعودا كما كانتا. ذكرى ما أُيقظت داخله، شيءٌ منسيّ.

وقف، فلاحظ أن الضباب يتكثّف، ويتجمّع ليشكّل كيانًا غريبًا.

وحش...

---

كان المخلوق المتكوّن من الضباب مهيبًا، كأنّه جزء من الطبيعة نفسها. له عيون متوهجة تبرق من قلب الظلام، وأجنحة ضخمة ترفرف دون صوت.

تذكّر غريب كلمات نورثان، واستجمع قواه. حانت لحظة الاختبار.

تدفّقت الطاقة داخله، وكأن المرآة قد منحتْه شيئًا جديدًا.

ببطء، تقدّم نحو الوحش، يراقب كل حركة، وكل ذبذبة في الهواء. كان الجو يتغير، لكن بدلاً من أن يُربكه، شعر أن الضباب يُخفيه... يُسانده.

بدأت المعركة.

كانت ضرباته دقيقة، وسريعة، والوحش يردّ بعنف.

ومع كل ضربة، كان غريب يشعر أنه يقترب من السيطرة.

لكن الوحش لم يكن غبيًا.

كان يراقب أسلوبه، ويتكيّف.

اضطر غريب إلى التلاعب بأسلوبه، إلى إظهار نقاط ضعف مزيفة، ثم استغلال لحظات غرور الوحش.

وفي لحظة فارقة، وجّه غريب ضربة قوية أجبرت الوحش على التراجع.

لم يتردّد. انقضّ بسرعة، وبدأ الهجوم النهائي، مستعينًا بكل ما تعلمه.

---

وبعد معركة طويلة، سقط الوحش، وتبعثر جسده الضبابي.

لكن النصر لم يدم.

من بين بقايا الضباب والجسد المتلاشي...

بدأ جزء جديد بالتشكّل.

أصغر، لكنه أكثر كثافة.

أشبه بقلب ينبض... لكنه لا يحمل حياة.

نظره غريب، وعيناه متسعتان:

"ما هذا الآن...؟"

2025/05/31 · 1 مشاهدة · 590 كلمة
Amen
نادي الروايات - 2025