فصل 39 : كلمات من العدم

حول "غريب" بصره في محاولة لفهم الوضع من حوله. تقدم إلى الأمام، محاولًا تحديد موقعه، لكن المشهد تغيّر فجأة مرة أخرى.

وجد نفسه في مدينة متوسطة الحجم، حيث تتنوع الأحياء والمرافق بشكل كبير. في وسطها، تعجّ الأسواق والمقاهي بالحياة والنشاط، بينما تمتد المناطق السكنية الهادئة على الأطراف، لتوفّر ملاذًا بعيدًا عن صخب الحياة اليومية. تتخلل المدينة حدائق عامة ومساحات خضراء، تضفي عليها جمالًا طبيعيًا يريح النفوس. كان السكان يتمتعون بتنوّع ثقافي واضح، ما جعل المدينة غنية بالتجارب المختلفة، ومليئة بالفرص للتواصل والتفاعل الاجتماعي.

لكن هذا المشهد لم يدم...

في ومضة، أصبحت المدينة مهجورة، خالية من الحياة، صامتة كالموت.

وقف غريب مشدوهًا، لا يعرف ما يفعل. تمتم بصوت منخفض وهو ينظر إلى الفراغ: — "ماذا يحدث هنا؟... أين أنا؟... أشعر باختناق... شيء ما يتسرّب إلى رأسي..."

كان الهمس في داخله يزداد، لكنه فجأة فهم شيئًا واحدًا فقط: "في كل مكان حللتُ فيه، جاء الخراب..."

ثم فقد وعيه وسقط أرضًا.

...

بعد دقائق، بدأ غريب يستعيد وعيه تدريجيًا. حاول النهوض، محاطًا بالارتباك والضياع، لكنه أدرك أن عليه التحرك فورًا. بدأ بالتجول في المدينة المهجورة، محاولًا العثور على أي دليل يساعده على فهم ما يحدث. أثناء تجواله، لاحظ أن بعض المباني كانت تحمل آثار حياة قديمة: كتابات على الجدران، ملصقات باهتة، ولافتات محطمة.

كان الجو هادئًا بشكل غير طبيعي، هدوء يزيد التوتر ولا يخففه.

قرر غريب التوجه نحو مبنى ضخم بدا كمركز مهم في الماضي. دخل عبر بوابة متهالكة، وبدأ في فحص ما تبقى من داخله. وجد وثائق وخرائط تشير إلى أن المدينة كانت مشروعًا كبيرًا، يهدف إلى أن يكون مركزًا للتكنولوجيا والابتكار، لكن لسبب غامض تم التخلي عنها.

رغم شعوره بالوحدة، أحس بأن هذا المكان يروي أحداثًا لا يجب أن تُهمَل.

انهمك في قراءة الوثائق واحدة تلو الأخرى... حتى لفت نظره شيء غريب.

هيكل عظمي بشري، متكئ على الحائط، يضم بين يديه رسالة.

ترك غريب الوثائق، واقترب بحذر. مدّ يده نحو الرسالة، لكن...

قبض الهيكل العظمي على كتفيه!

وانطلق يصيح بكلمات متقطعة، غير مفهومة:

— "فلوراكس... إنتراس... زيل-ناما..."

ثم وقف على قدميه ودفع غريب بقوة، مرددًا نفس الكلمات بجنون:

— "فلوراكس... إنتراس... زيل-ناما..."

— "فلوراكس... إنتراس... زيل-ناما..."

أمسك غريب رأسه من شدة الألم، كأن آلاف الإبر تخترق جمجمته.

ثم ظهرت كلمات غريبة داخل وعيه:

"افتح عينك الثالثة، لكن لا تنظر إلى الوراء...

فليرقص الزمن في دمك، ولْيلتحم الظل على عظامك...

هو ليس أنت، لكنه..."

ثم صمت داخله للحظات، قبل أن يتابع: "سبعة مفاتيح... وخاتم ناقص... والنَفَس الأول ما زال حيًا..."

انفجرت أذناه فجأة، وانساب منهما دم أسود لزج.

بعد دقائق، عاد كل شيء إلى ما كان عليه.

أما الهيكل العظمي، فقد تبخّر، تاركًا خلفه فقط الرسالة.

التقطها غريب، وفتحها بيد مرتجفة.

أول جملة لفتت انتباهه:

"لقد نزل... ودمر كل شيء، لكن..."

ثم سُحبت الكلمات التالية، وكأنها تم محوها من الوجود.

2025/06/02 · 1 مشاهدة · 444 كلمة
Amen
نادي الروايات - 2025