فصل 40 : ظل الحاكم

أكمل غريب قراءة الرسالة بصمت، وكان عقله يشتعل بأسئلة لا تنتهي:

> "لقد حاولنا... لكن دون جدوى.

ظهر أشخاصٌ يرتدون زيّ الكهنة،

يقيمون طقوسًا غير إنسانية،

لا أحد يجرؤ على منعهم.

كنا نسعى لتطويرٍ عظيم...

لكننا فشلنا.

لقد نزل... إنها كارثة لا يمكن إيقافها."

ارتكز غريب على ركبتيه، منهكًا من تدفق المعلومات، ثم جلس على كرسيٍ قديم مهتز، يحدق في السقف المتشقق الذي بالكاد يصمد فوقه. كان قلبه يخفق بقوة، لا من الخوف وحده، بل من الإدراك الثقيل بأن ما رآه وقرأه ليس مجرد أطلالٍ صامتة، بل آثار كارثة ما زال صداها يتردد في هذه الجدران.

الظلام يملأ الغرفة، وبرودتها كانت كأنها تسحب الدفء من عظامه. صمت المكان لم يكن مريحًا… بل خانقًا. تملّكته لحظة من الشك، هل هو حيٌّ فعلًا؟ هل خرج من عقلٍ بشري أن يُبنى هذا المكان ثم يُترك بهذه الطريقة؟ لكن الأسئلة لم تُجب، وكان عليه أن يتحرك.

خرج من الغرفة، وجال لساعات طويلة عبر ممرات المدينة المهجورة، يفتش عن أي دليل، أي خيط يوصل للحقيقة. وأخيرًا، في مكتبٍ شبه منهار، وجد خريطة قديمة تؤشر إلى وجود منشأة سرية تحت الأرض، مخفية خلف جدار في أحد أحياء المدينة المقفرة.

عندما وصل إلى الموقع، وجد بابًا معدنيًا مغلقًا بإحكام، تحيط به كتاباتٌ محوَّلة بالكاد تُقرأ. أخرج سيفه، ثم همس بشيء في داخله وهو يشحنه بطاقة سوداء داكنة، جعلت الهواء من حوله يضطرب.

لوّح بالسيف نحو الباب، فانطلقت الطاقة السوداء كأنها لهبٌ بارد، تتسلل بين الشقوق وتحت المفاصل. بدأ الباب يرتجف، ثم صدر عنه أنينٌ معدني خافت… وبدأ ينفتح ببطء، كاشفًا عن ممر مظلم تنبعث منه رائحة الرطوبة والعفن القديم.

تردد غريب للحظة، لكنه تقدّم بخطى حذرة، ممسكًا بسيفه الذي بات ينبعث منه نور خافت، يكشف الجدران المغطاة بنقوش وأختام غريبة. وكلما تقدم، ازدادت النقوش كثافة، وكأنها تحاول أن تحكي قصة لا تُقال بالكلمات.

ثم سمعها... همسات خافتة، بعيدة، كأن المكان نفسه يهمس إليه. هل كانت حقيقية؟ أم هل بدأ يفقد عقله مجددًا؟ لم يعرف، لكنه لم يتوقف.

وفي نهاية الممر، وقف أمام تابوت حديدي ضخم، مغطى بالرموز والأختام. مد يده بتردد، وبدأ بفتحه ببطء. صدر صرير معدني ثقيل، ثم انكشفت داخله مجموعة مخطوطات موضوعة بعناية، ملفوفة بجلد داكن.

كانت مكتوبة بلغة غريبة، لكنها تشبه بعض الرموز التي رآها من قبل. بدأ يفك رموزها ببطء، وكل رمز يفكّ معناه، كان كأنه يكشف عن لُغزٍ أعمق. هذه ليست مجرد مخطوطات… بل تعليمات، ذكريات، وربما تحذيرات.

فجأة، شعر غريب بوجود شخصٍ ما. التفت بسرعة، ليرى ظلًا طويلًا يتحرك في نهاية الممر. كان كيانًا لا ملامح له، مجرد شبحٍ أسود يشع طاقة لا تُحتمل. أمسك غريب سيفه بقوة، ثم اندفع نحوه بلا تردد.

اخترق السيف الظل دون مقاومة... وكأنه لا شيء. شعر بجسده يبرد فجأة، وسقط على الأرض مصعوقًا، يلهث.

ثم... انفتحت الأنوار في المكان تلقائيًا، شعلة تلو الأخرى. بدأ الظل يتحرك نحوه، متمهلًا، حتى وقف أمامه تمامًا، ثم همس بصوتٍ مخيف، كأن مئات الأصوات تتكلم في آنٍ واحد:

> "مرحبًا… أيها الحاكم الأصلي…

للعوالم السبع...

سيد كل الموجودات...

لمتحكم الحاضر… وناحت المستقبل..."

رفع غريب رأسه ببطء، ويده لا تزال ترتعش على مقبض السيف. لكن قبل أن يتمكن من الرد، أكمل الظل:

> "كل من حاول أن يكشف الحقيقة... فُقد.

وكل من صمت... صار ترابًا.

لكنك… مختلف.

الزمن يسكن في دمك،

والظل يحتمي في عظامك،

وأنت… ."

صمت الظل لحظة، ثم بدأ يضحك، ضحكة باردة كأنها تأتي من بعد آلاف السنين. بعد ثوانٍ، تبخّر كما الدخان، ولم يبقَ سوى الصمت… والمخطوطات.

وقف غريب ببطء، يتنفس بصعوبة، عيناه معلقتان على المكان الذي اختفى فيه الظل. في صدره، كانت هناك نغزة… ليست ألمًا، بل نداء. وكأن ما بدأ هنا… لم يكن سوى أول السطر.

2025/06/03 · 3 مشاهدة · 576 كلمة
Amen
نادي الروايات - 2025