فصل 5:عمل مقابل البقاء"
بعد أن سمع القزم كلام الشاب، صمت لثوانٍ وهو ينظر إليه، ثم قال: "هذا غريب... مثلك حقًا."
ثم تابع بنبرة لامبالية:
"حسنًا، لا يهم اسمك. ما يهم هو عملك. لكن اسمك... هممم، سأُطلق عليك غريب، مثلما وصفت نفسك."
صرخ القزم بصوت حماسي: "هيا، إريك! أخبره بما يجب عليه فعله أولًا: نظّف الحمّام، واغسل أدوات الطبخ، ثم تعال إليّ."
أخذ الشاب أدوات التنظيف واتجه نحو الحمّام في الطابق الثاني.
وبينما يصعد على درجٍ خشبي بلون بنيٍّ فاتح، كانت كل خطوة تُصدر طنينًا مزعجًا، كأن الخشب يئن تحت وزنه.
وصل إلى باب الحمّام، وانتشرت رائحة كريهة، كثيفة، كأنها تطرد الهواء من الرئتين.
تمتم الشاب ساخرًا في نفسه:
"لم أفتح الباب بعد... والرائحة كأنها ضاربة في الجحيم."
فتح الباب بقوة، ليتلقّاه منظر مقزز:
كتل من لحم بشري متناثرة، دماء داكنة تسيل، وبقع سوداء تغطي الجدران.
ارتعش جسده، لكنّه بدأ في التنظيف رغم كل شيء، يتنهد في كل مرة كأنّه يطرد الرعب مع الزفرات.
مرّ وقتٌ لا يعرف مدّته، لكنه أنهى العمل وعاد إلى القزم، يتصبب عرقًا ويكاد يتقيأ من الغثيان.
صرخ القزم كعادته بصوت مرتفع: "أحسنت، أيها غريب! بقي تنظيف أدوات الطبخ، وبعدها يمكنك النوم في الطابق العلوي."
نفذ الشاب ما طُلب منه، رغم التعب.
وبعد أن انتهى، صعد إلى غرفة ضيقة مظلمة، فيها شمعة واحدة بالكاد تُضيء المكان.
خلع ثيابه، واتجه إلى حوض صغير ليغتسل، ثم وقف أمام مرآة متوسطة الحجم.
لم يكن يذكر اسمه... ولا حتى ملامحه.
لكنه حين نظر إلى الانعكاس، رأى رجلًا في منتصف العشرينات، شاحب البشرة كمن لم يرَ الشمس منذ زمن.
عيناه رماديتان، باهتتان، فيهما نظرة تائهة، كأنهما تبحثان عن شيءٍ مفقود منذ ولادته.
شعره الأسود مربوط إلى الخلف، أنيق لكنه ثقيل كأنّه يحمل ذاكرة مدفونة.
جسده قوي، كأنّه نشأ للنجاة لا للعيش. ومع ذلك، ظهرت عليه علامات الجوع والإرهاق، وكأن القوة وحدها لا تكفي للبقاء في هذا العالم.
حدق في نفسه طويلًا، ثم تنهد، ومشى إلى السرير الخشبي المهترئ.
استلقى، وأغمض عينيه ببطء، وهو يتمتم:
"يوم آخر في عالمٍ لا يعرف اسمي... ولا أعرف فيه لماذا وُجدت."