فصل 9:همسات الظل
بعد أن تذكّر غريب أول قطعة لحم بشري أكلها، اجتاحه الغثيان وبدأ يتقيأ بلا توقف. حاول لملمة شتات نفسه، لكن ما كان يخشاه بدأ يتحقق. دمه غلا في عروقه، وعظامه راحت تتحطم وتُعاد تشكيلها من الداخل.
بدأت الحرارة تتصاعد من عمق جسده، كأن نارًا خفية اشتعلت في صميم عظامه. شعر أن وجهه يُعاد تشكيله، كما لو أن يدًا غير مرئية تعجنه وتكسره ثم تعيد بناؤه. جلده ارتجف، لا من البرد، بل من شيء خفي... شيء أعمق من الفهم.
رأى انعكاسه في بركة ماء صغيرة بجانبه، لكنه لم يكن وجهه. كان يرى وجوهًا كثيرة، تتبدل كل ثانية، كأن مئة وجه تتصارع لتأخذ مكانه. عجز عن تمييز نفسه.
صوته انكسر في داخله، ثم عاد بصدى مئات الأصوات المتداخلة. وعلى بشرته تكوّنت حبيبات شاحبة تُثير القشعريرة لأي كائن طبيعي.
كان يشعر كما لو أن وجهه يذوب، كشمعة تذوب تحت حرارة لا تُطاق. استمر التغير لساعات طويلة، حتى توقف أخيرًا، وخرج منها غريب آخر... أقوى، أعمق، وأقل بشرية.
أول ما لاحظه، أن سمعه صار حادًا، وبصره يخترق الظلام. لكنه لم يشعر بالاطمئنان، بل بشيء يراقبه من الداخل.
ثم، شعر بنبض غريب، يأتي من أسفل المتجر، كأنه نداء لا يُقاوم. تحرك نحو مصدره دون وعي، حتى وصل إلى باب حديدي مغطى برموز غريبة وكلمات غير مفهومة. مد يده، فانفتح الباب دون مقاومة.
في الداخل، وجد سيفًا بغمد أسود قاتم، تلمع عليه زخارف فضية باهتة كأنها بقايا نقوش طُمست عبر العصور. حين أخرج النصل، صدر صوت حاد كهمسة موت.
كان السيف طويلًا ونحيلًا، تتلألأ شفرته الخافتة كأنها مقطوعة من ظل نيزك. لم يكن لامعًا كالسيوف الأخرى، بل كان له بريقٌ خافت، كجمرة قديمة لا تنطفئ. مقبضه ملفوف بخيوط داكنة متقاطعة على شكل X، ملوّثة بآثار العرق والدم.
وفي قاعدة النصل، نقشٌ صغير بكلمات لا يفهمها، لكنها تنبض بشعور حي... كأن السيف يتنفس.
قبض غريب عليه وشعر بقلبه يرتجف، وعيناه تقعان على ورقة موضوعة بجانبه، مكتوب فيها:
> "لم يكن هذا مجرد سلاح... بل ذكرى. لعنة. أو وعد بالدم."
تراجع غريب، وقد همّ برمي السيف من الخوف... لكن قبل أن يفعل، صدر صوت خشن وعميق من النصل نفسه:
"أنت... أيها الغريب، سعيد بلقائك مجددًا."