حمل رافي رفيقته نوبا على سلاح البرق الشبيه بالدراجة النارية واتجه دون التفات نحو جبل معين، ورغم أنه كان يبدو كمن يسير في اتجاه عشوائي إلا أنه في الحقيقة كان يملك وجهةً محددة بعناية، حيث حصل على وثائق شديدة السرية في إحدى الخزائن وكانت تصف بعناية مواضع مجموعة من البيوت الآمنة في دولة الجبل المنعزل، ومما فهمه رافي فقد كانت هذه البيوت الآمنة تابعة لمنظمة تجسس تعمل لصالح دولة معادية، وشدّدت الوثائق على أن هذه البيوت يجب استخدامها مرة واحدة فقط قبل تدمير مداخلها ووضع علامة لا ينتبه إليها أحد خارج البيت الآمن، وبهذا سيعرف الجواسيس ما إذا كان البيت لا يزال متاحا أم لا، وبالطبع سيقومون بحديث قوائم البيوت الآمنة باستمرار، لكن حاجز الاتصال مع دولتهم سيتسبب بشكل طبيعي بتأخير التحديثات.

مع أن العالم الذي يعيش فيه رافي يعتبر حديثا نوعا ما، إلا أنه لا يزال يعاني من الكثير من النواقص، فمع أنهم يملكون الكثير من الآليات المتقدمة وآليات التصوير وشاشات العرض... إلا أنها كلها تعمل محليا ولا يمكنها الاتصال فيما بينها عبر الهواء، لذلك تعتبر المدن معزولة عن بعضها البعض، ناهيك عن الدول، وإذا أراد أحدهم إرسال رسالة إلى مدينة أو دولة أخرى فلابد له من الاعتماد على خدمة البريد أو القيام برحلة بنفسه، ومع ذلك.. يبدو بأن هذه المشكلة لن تستمر طويلا بسبب تخطيطات رافي المستقبلية، حيث أبلغ كارب قبل فترة عن ظاهرة غريبة تحدث مع الفضاء الضبابي، وبعد دراسة الوضع.. اقترح رافي القيام ببعض الإجراءات وانتظار النتائج، وإذا نجح الأمر فلن تُستخدم بذور الفراغ فقط في إنتاج أدوات التخزين وإنما سيتم استخدامها لإنتاج العديد من الأدوات الأخرى.

بالعودة إلى رافي و نوبا، وصل الاثنان إلى جبل مقفر، تتبع رافي إرشادات الوثيقة السرية حتى وصل إلى صخرة بيضاء، ولحسن الحظ أنها كانت سليمة وليس عليها أية خدوش، مد يده وأخرج سيفا قويا عبارة عن سلاح مبارك يعتمد على عنصر النار، ضرب به الصخرة البيضاء ورسم عليها ثلاثة خدوش عميقة على شكل مثلث غير مغلق، وكانت هذه العلامة تعني بأن البيت الآمن لم يعد متاحا للاستخدام، استمر للأمام بعد تخزين السيف والدراجة قبل أن يسمع صوت نوبا في ذهنه، نعم.. في ذهنه لأنها كانت تتحدث معه عبر كارب بما أنها كانت لا تزال في ملكة الحمالين، قالت باستغراب

"كيف استخدمتَ سلاح عنصر البرق ثم سلاحاً آخر من عنصر النار؟"

في العادة.. سيشكل هذا تحديا لأي شخص عادي ما لم يمتلك عنصرا مزدوجا، ابتسم رافي ثم أجاب

"مجرد خدعة بسيطة، الأسلحة المباركة تطلب العنصر المناسب لها وأنا قمت بإعطائه إياه"

استغربت نوبا قليلا قبل أن تصرخ بصدمة

"ساحة المعتدين!، ألا يعني هذا بأنك تستطيع استخدام جميع العناصر السبعة؟"

تم إطلاق اسم ساحة المعتدين على تلك المساحة الشاسعة التي تحتوي على الهجمات التي استهدفت الحمالين طيلة القرون الماضية، و رافي الذي يتحكم جيدا بالفضاء الضبابي.. قام باقتطاع أجزاء صغيرة من طاقة البرق من هجمات البرق المجمدة هناك، ونفس الشيء مع طاقة النار، وهذا سيجعله شخصا يستخدم جميع العناصر ما دامت هذه العناصر موجودة في ساحة المعتدين.

واصل رافي تقدمه وهو يشرح

"مواطني مملكتي مميزون عن الجميع، كل ما أطلبهم منكم هو الولاء والطاعة، وفي المقابل سأجعلكم لا تقهرون"

قالها بكلمات واثقة جعلت كل من ينظر إليه عبر الشاشات يتهلل ويفرح، لكنه قال بعدها جملة جعلتهم مصدومين

"لن أحكم أرضا ولن أبني قصرا، مملكتي ستمتد في كل مكان ولن تتواجد في أي مكان"

صمت الجميع عندما سمعوا نبرته القيادية رغم أنه كان عاريا بجسده النحيل والمختلف تماما عن صورته الافتراضية التي يظهر بها أمامهم في المملكة، تجاهلهم رافي وهو يتقدم حتى وصل إلى صخرة سوداء كبيرة، انحنى أسفلها ثم بدأ يحفر التراب بيديه حتى عثر على ثقب صغير، أدخل يده عميقا ووجد ذراعا صغيرة، سحبه بقوة فسمع صوت دحرجة قبل أن يظهر باب صغير بالكاد يمكن الدخول إليه حبوا على الأرض، دخل رافي أولا ثم سحب نوبا خلفه قبل إغلاق الباب، وبطريقة غريبة.. تم طمر الحفرة وعاد كل شيء كما كان.

في الداخل.. وجد رافي غرفة واحدة مجهزة بأثاث بسيط ولديها حمام وقناة تهوية ومصدر إنارة يكفي لبضعة أشهر وعدد كبير من المأكولات المعلبة والأدوية المخصصة للإسعافات الطبية، لوّح رافي بيده واختفت صورته على الشاشة الكبيرة في ملكة الحمالين قبل أن يطلب من نوبا العودة إلى جسدها، حيث سيبدأ بمساعدتها في استرجاع صحتها قبل أن يبدآ التدريب على تقنياتهما، وفي أوقات الفراغ سيعيشان كزوج وزوجة.

...

بعد بضعة أشهر.. أنهى رافي و نوبا تدريباتهما الجسدية والتي كانت جحيمية لأي شخص آخر، كان الاثنان مليئان بالعرق والإعياء، حيث كانت هذه عادتهما منذ دخلا إلى البيت الآمن، ولأنهما قد كانا متعوّدين على الظلام فقد كانت بضعة أشهر إضافية فترة صغيرة، خاصة أنهما كانا يملكان ثروات العالم ويمكنهما أكل وشرب ولبس ما يريدانه، وطبعا فهذا لا يعني بأنهما كانا يأخذان أملاك الآخرين بتهور، فقط كانوا ينقصون منها بطريقة لا تثير الانتباه حتى لا يشك أحد بأن هناك خطأً في الخزائن، خاصة بعد استبدال الحمّالين بأدوات التخزين، لأنهم إذا شكّوا فقد يطالبون باسترجاع الحمّالين الأكثر أمانا عبر التاريخ، وهذا سيؤثر على خطط رافي.

جلس رافي أرضا ثم أخرج قارورتين كبيرتين فيهما سائل أحمر دموي، طلب من نوبا الجلوس أمامه قبل أن تسأله

"هل حان الوقت؟"

أومأ ثم رد

"بهذا.. ستحصل مملكتي على أفراد جدد لا أحد يعلم من أين أتوا، المشكلة الوحيدة هي أني لم أجد الكثير منها، هناك فقط حوالي عشرة آلاف قارورة بينما لدينا أكثر من مليون مواطن"

كانت هذه القوارير تحتوي على مزيج طبي قديم مصنوع من بعض المواد الغريبة، ومع أنه كان رائجا في الحقبة الصفراء إلا أنه كان يُمنح فقط للذين حصلوا على موافقة الحكومة، قالت نوبا

"إذن.. بعد شربه سيكون بالإمكان تغيير الوجه وشكل الجسد متى أردنا؟"

هز رافي رأسه ثم شرح

"يبدو أنك لم تفهمي جيدا، ربما يكون من المستحيل وجود شيء يمنحك خواص التنكر متى أردت دون الاعتماد على قناع أو أدوات مماثلة، وهذا المحلول أيضا لا يمنحك ذلك، كل ما في الأمر هو أنه سيقوم بإجراء عملية تجميل على جسدك ويخرجه بأفضل صورة ممكنة، وسيعتمد نوعا ما على الصورة المعدلة التي كنا نرسمها باستمرار في الأيام الماضية عبر الذاكرة الحية.. أقصد عبر الفراشات التي تساعدك على التفكير والتحليل، لكن عملية التجميل هذه ستضع ثقلا على أجسادنا ولا يمكن تكرارها في المستقبل"

خلال الأيام السابقة.. كان كل من رافي و نوبا يرسمان صورة معدلة لجسديهما، وبما أن نوبا كانت امرأته فقد كان يساعدها أيضا على تشكيل جسدها، لكنه لم يسمح لها بمساعدته في المقابل، سواء لمفاجأتها أو فقط لأنانيته، أو ربما فقط لأنه خشي من معارضته بسبب تفكيره الجامح.

اليوم.. قرر رافي بأن يبدأ العملية التجميلية، ومع أنها لن تؤثر على طول جسده إلا أنها ستمنحه شكلا خارجيا أفضل، وكل شيء يعتمد على شد الجلد وملأ بعض الفراغات ومثل هذه الأمور، ابتسم نحو نوبا ثم قال ساخرا

"على الأقل سأحصل على وجه أفضل من وجهي الحالي، لا تعتقدي بأني لم أشعر بخيبة أملك عندما رأيتِني أول مرة"

احمر وجه نوبا خجلا لأن هذا كان صحيحا، فهي كانت تعرفه فقط من خلال شكله المُتخيَّل داخل ملكة الحمالين، لذلك صُدِمت عندما رأت وجهه الطفولي الدائري، ضحك رافي ثم أضاف

"شكل الرجل لا يهم كثيرا، لذلك أتمنى ألا تُصدَمي من الشكل الذي اخترته لنفسي بعد عملية التجميل"

قال هذا ثم شرب المحلول الدموي، وفعلت نوبا نفس الشيء بعد ثوانٍ قليلة، وفجأة.. شعر الاثنان بأن هناك شيئا خاطئا، حيث بدأت الحرارة تغزو جسديهِما بشكل ينذر بالخطر، تعرق الاثنان بغزارة قبل أن تبدأ نوبا بالأنين، صرخ رافي

"كارب، ما الذي يحدث؟"

2021/01/13 · 389 مشاهدة · 1159 كلمة
zombiking
نادي الروايات - 2024