في هذا العالم المريض، لديك طريقتان فقط لعيش حياة طبيعية، دونهما ستكون عرضة للإصابة بمرض اللمسة المظلمة، كيف ظهر هذا المرض العتيق وكيف ظهرت الطريقتان اللتان تحميانك منه؟

لا أحد يعلم، أو ربما يجب القول بأن لا أحد يذكر، فمنذ فجر التاريخ كان الناس العاديون يصابون باللمسة المظلمة، وهي مرض يصيب المرء بدون سبب، يبدأ بظهور بقعة سوداء على منطقة عشوائية من جسده، وهذه تكون علامة إصابته لأكثر من ثلاث سنوات، حيث لا يمكن اكتشاف الإصابة قبل ظهور البقعة السوداء.

قبل تأكيد الإصابة.. سيكون أمامك خيار أن تصير مباركا، وهذا لا يشمل أغلب العبيد لأن العشائر لن تصرف عليهم بذور الإيقاظ باهظة الثمن، إلا في حالة كان العبد واعدا في جوانب معينة فقد يحصل لنفسه على راعٍ، أو إن كانت الجارية جميلة فقد تحصل على سيد يتخذها محظية وينقذها، وكلتا الحالتين قد تتحولان إلا مأساة بعد بضع سنين بسبب خداع البشر للعبيد، ما يجعل العبيد يفكرون مرتين قبل قبول لطف البشر، وخاصة الجواري الحسناوات.

العبيد مملوكون للحاكم، وللحصول عليهم يجب أن يكون بموافقة العبد أو الجارية أولا، لكن هذه القاعدة ليست مطبقة في أغلب الأحيان، لأن الحكومة لا تخاف من مظالم الأفراد وإنما من الفضائح الجماعية مثل سرقة العبيد للأعمال الشاقة بأعداد كبيرة بدون ظروف تضمن استمراريتهم لأقصى مدة، وهذا يضر الحكومة من حيث الأرباح لأن العبيد غير المسجلين لا يتم تحصيل الضرائب عليهم، ويضرها أيضا في حال انتفاض العبيد وتسبيب الشغب.

الطريقة الثانية للنجاة من اللمسة المظلمة سواء كنت من البشر أو العبيد هو أخذ لقاح سنوي، وهذا يجب أن تقوم العشائر بدفع ثمنه للعبيد الذين يعيشون على أراضيها، وهو شيء لا تلتزم به العشائر مما يجعل ضحايا اللمسة المظلمة في ازدياد دائم، ويجعل العبيد يقعون في ضائقة جديدة بعد ظهور أول بقعة سوداء على أجسادهم.

نعم.. بعد الإصابة، يمكن أخذ نوع آخر من الأدوية لإطالة مدة الانتشار والتي قد تصل لأكثر من عشر سنين في بعض الحالات، وهنا.. يضطر العبيد لبيع أنفسهم بدون شروط مقابل الحصول على دواء، ومنهم من يبيع بعض أبناءه أو بناته لإنقاذ البقية، بينما يقوم القلة منهم إما بالصبر حتى الموت أو الانتحار، سواء بقتل النفس أو الانتفاضة الفردية ضد العالم لينتهي بهم الحال بالموت قتلا أو مقاضاتهم ثم الحكم عليهم بالإعدام أو بالأشغال الشاقة حتى الموت.

المباركون يُعتبرون الصنف الناجي والأكثر حصانة، لكن البذور التي وضعوها في أجسادهم تضعهم في صراع دائم مع العناصر المباركة التي تحيط بهم، أو بالأحرى.. الطاقات الموجودة في العناصر الطبيعية والتي تحولها أجسادهم إلى عناصر مباركة، حيث تتحول أجسادهم إلى مستقبلات دائمة للعناصر التي أيقظتها البذرة.

لا أحد يعلم ما هي البذور بالضبط، فمع أنها تبدو كمادة صلبة مثل كرة زجاجية بحجم الظفر إلا أنها سهلة الكسر، وبمجرد كسرها تذوب وتختفي خلال دقائق إذا لم تجد جسدا يرعاها، ومع كل البحوث حول البذور وأصلها والتفكير في سبب ظهورها أمام المباركين بدون سبب أو الشخص الذي اخترع طريقة زرعها في الرضّع للحصول على أجساد مباركة.. إلا أنهم لم يصلوا إلى الجواب النهائي، وكل ما حصلوا عليه كان مجرد نظريات فلسفية لا قيمة لها.

للأسف، استخدام البذور لمباركة الأجساد ليس أمرا هينا، فالمبارك بالنار مثلا سيتعرض جسده للحروق على الدوام، وسيكون عليه مراقبة حالته بشكل دوري لتجنب التحول إلى بشري محمّص، ونفس الشيء لباقي العناصر الأخرى، وذلك لأن العناصر التي يجذبها المباركون ستحاول على الدوام التسلل إلى أجسادهم، ومهمته هي موازنة الجدب حتى تبقى العناصر في الطبقة الخارجية للجلد، وكلما دخل جزء من العنصر إلى الجسد يحتاج المستخدم إلى طرده اعتمادا على البذرة، وهذا يعتمد على المهارة والموهبة.

وعند السؤال حول ماهية هذه العناصر فسيكون الجواب بأنها تنتج بسبب تحفيزات معينة، وبسبب الأبحاث لعدة قرون فقد فهِم البشر كيفية التحفيز وليس ماهية التحفيز، وإلا لكانوا قد فهموا ماهية البذور المباركة وبالتالي كيفية عملها لتحفيز العناصر، وبسبب هذا القصور في الفهم.. كان البشر ولا يزالون يعتمدون على البذور المباركة، سواء لإيقاظ أنفسهم أو لصناعة الأسلحة المباركة، حيث تعتبر البذور هي المحفز الوحيد للعناصر، ولنفس السبب تحتاج الأسلحة المباركة إلى المباركين لاستخدامها، وكلما كان السلاح مرتفعا في المستوى كانت الحاجة إلى مباركين مرتفعين في المستوى لاستخدامها أمرا ضروريا.

طوال هذه السنين فهِم البشر الكثير حول العناصر الستة والتي هي: النار، الماء، النور، الظلام، البرق والرياح، ورغم أن هذه تسميات عامة وشعبية بسبب الثقافات القديمة حول الحكماء والآلهة وتحكمهم في العناصر، إلا أن هذه العناصر الستة أبسط بكثير من المتخيل، فهي في الحقيقة مجرد محفزات لاستخدام الأسلحة المباركة، بمعنى أن كمية البرق والنار التي يستطيع الجسد جذبها قد لا تشكل فرقا بالضرورة عند القتال مع مختص في القتال التقليدي، خاصة عندما تقاتل مع مقاتل شرس لا يهتم بالألم المؤقت فلن يتضرر كثيرا من الحروق والصعق النابع من مبارك من المستوى العاشر.

إذن فما هو الفرق بين المبارك والمقاتل التقليدي؟

الفرق يكمن في استخدام الأسلحة المباركة، فسلاح مبارك ناري في المستوى الأول يمكنه قتل مقاتل تقليدي قوي بضربة واحدة، وإن كان في المستوى العاشر فقد يقتل فرقة عسكرية من المقاتلين التقليدين، وهنا تكمن قوة المباركين، ويتضمن هذا جميع العناصر الأخرى حيث يصل مبارك المياه إلى قَطع مئات الأميال بالبحرية إذا امتلك السلاح المبارك المناسب، وبنفس النهج يطير مستخدم الرياح ويختفي مستخدم الظلام ويخترق مستخدم النور كل شيء أمامه..

هذا هو حال العناصر الستة، فما هو العنصر السابع ولماذا وصل الحال بـ بريام لقتل ابنه الأكبر بمجرد إيقاظه؟

لشرح الأمر ربما يجب أن نعود إلى الأزمنة القديمة، أو ربما يجب فقط أن نشرح ما سيحدث لمن يوقظ العنصر السابع، فعلى أية حال.. لم يتطور العنصر السابع منذ البداية، لا أسلحة ولا تقنيات ولا دراسات، وهذا لأن موقظ العنصر السابع سيفقد تلقائيا حقه في العيش الكريم رغما عنه، ويصير بموجب الاتفاقيات العالمية ملكية عامة يستخدمها الجميع ويحق للجميع اصطحابه معهم إلى أي مكان يريدونه، ولا يجب على العشائر الاعتراض على هذا الأمر مهما كان الشخص مقربا أو مهما، أما المبارك نفسه فلا يستطيع أصلا الإدلاء بصوته في هذه القضية، ليس لأن القانون يقوم بإجباره وإنما لأسباب أخرى.

العنصر السابع حسب أكثر النظريات شيوعا هو عنصر الفراغ، وقيل الفضاء، وقيل إنما هو عنصر مكاني أو حتى زمكاني، لا أحد يدري بالتحديد ماذا يكون، لكن الذي يتفق عليه الجميع هو أن مباركي هذا العنصر يعتبرون مهمين بشكل كبير لجميع الأجناس الذكية، رغما عنهم بالطبع.

ما الذي يحدث لمباركي عنصر الفراغ؟

حسنا، أولا.. يغطيهم ضباب أبيض غريب ولن يبتعد عن أجسادهم مهما كان، ولا يمكن إبعاده بالقوة لأنه على ما يبدو ليس حاضرا في نفس المكان، لا يتأثر بالرياح ولا يمكن لمسه، لكن الغريب فيه هو أنه يبتلع كل ما يقترب منه بسرعة معينة، مثلا.. إذا تم طعن مبارك الفراغ بسيفٍ طويل فإن السيف سيدخل في الجسد ويخرج لكنه لن يلمس جسد المبارك، أي أنه بطريقة ما.. لا يمكن إيذاء مبارك الفراغ، فكيف تؤذي من لا تستطيع لمسه ؟

لكن هذا ليس شيئا جيدا بالضرورة، فالمشكلة الأكبر هي أن مبارك الفراغ سيفقد إدراكه ويبدأ في الحركة هنا وهناك بدون هدف وكأنه شخص نائم، ولحسن الحظ فالجميع يستطيعون لمسه عندما لا يستخدمون القوة، لذلك يمكن ربطه بحبل وجرّه معك أينما ذهبت، لكن الحبل لن يلمسه مباشرة وإنما سيبقى بعيدا عن جلده بسنتيمتر واحد أو نحو ذلك، والجميل في هذا هو أن أوزانهم تصبح خفيفة جدا وكأنهم يطفون على الهواء، لكن الرياح لن تجعلهم يطيرون فعلا لأنها تستخدم القوة وليس الرفق.

الغرائب الأخرى حول مباركي الفراغ هي أنهم لا يكبرون في العمر، نعم.. يموتون كما يموت البشر لكن أعمارهم أطول من العادة، لكن هذا ليس هو الشيء الغريب، الغريب هو أن أشكالهم لا تكبر، أي أن أشكالهم دائما تحت عمر العشرين، وفقط حالات قليلة منهم فوق العشرين بسبب إيقاظهم المتأخر.

وأيضا، أحد أهم الأمور حولهم هو أنهم لا يأكلون عندما تحاول إطعامهم، ولا يبحثون عن الطعام بشكل دوري، لكنهم أحيانا قد يتوقفون تلقائيا أمام الطعام ويبدؤون بالأكل، وحينها سيأكلون أكبر كمية ممكنة من الطعام، ولأنك لا تستطيع لمسهم فما عليك إلا أخذ الطعام وإخفاءه عنهم.

أمم، نعم، الشيء الغريب الآخر هو أنهم لا يتبرزون مهما كانت كمية الأكل التي أكلوها، نعم، لا يتبولون أيضا مهما شربوا، وهذا يجعلهم جنسا غريبا ومثيرا للاهتمام، ليس هذا فقط وإنما -أيضا- أغلبهم عراة لا يلبسون شيئا، وذلك بسبب طقوس الإيقاظ المتشابهة بين جميع الأجناس والتي تفرض عليهم نزع ثيابهم أثناء الإيقاظ، ومع أنه عراة إلا أن الضباب لا يسمح لك برؤية ما لا يجب عليك رؤيته، حتى ملامح وجوههم ليست واضحة تماما بسبب الطبقة الضبابية، لذلك لن ترى منهم شيئا سواء كانوا ذكورا أو إناثا.

حسنا، ما الذي يجعل الآخرين يهتمون بهؤلاء المباركين؟

آه، في الحقيقة.. يعتبر مباركي الفراغ غصة في حلق البشر وباقي الأجناس، وذلك لأنهم لا يستطيعون قتلهم، وكل ما يستطيعون فعله بهم هو تقييدهم أو حبسهم، وحتى هذا سيعطيهم حياة لأكثر من عشر سنين بدون طعام ولا ماء، وكأن أجسادهم قد استغنت عن احتياجاتها الضرورية، ومع ذلك.. صدرت القوانين والاتفاقات التي تحكم عليهم بأن يصيروا ملكية عامة وتمنع حبسه بدون سبب، ومهما مر من الحروب والخلافات بين الأجناس الذكية إلا أن هذه الاتفاقيات تبقى كما هي دائما، والسبب الرئيسي لهذا هو أن مباركي الفراغ يعتبرون آليات مهمة للجميع.

نعم، مبارك الرياح يتحول تلقائيا إلى أداة تخزين، والغريب هو أنه لا يتم تخزين المواد في جسده وإنما يعتبر مجرد بوابة إلى مساحة تخزين لا أحد يعلم أين هي، وبهذا يمكنك تخزين أغراضك خلال مبارك فراغ معين وسحبها من مبارك فراغ آخر، لهذا صاروا ملكية عامة يمكن لمن يحصل عليه أن يأخذه معه، وهناك من يقوم بتأجيرهم مقابل إرجاعهم أو إرجاع مباركين آخرين من نوع الفراغ، فهم ليسوا أكثر من خزانة عمومية، ويطلق عليهم الحمّالين.

يمكن لأي شخص أن يستخدم طريقة عتيقة معروفة ومنتشرة لفتح خزانة مجانية، كل ما عليه هو أن يقف أمام أحد الحمّالين ويُدخل يده بقوة في الضباب المحيط به وكأنه يطعنه بيده، ثم ينتظر لبعض الوقت حتى يتسلل الضباب إلى يده ثم إلى جسده، حينها سيشعر بخزانته الخاصة وما بداخلها من أغراضه، ويمكنه سحب أيها شاء أو استخدام اليد الأخرى لتخزين ما يشاء، وبمجرد انتهائه وسحب يده سيتم إغلاق الخزانة، وإذا قام شخص آخر بتكرير هذه العملية فسيدخل إلى خزانته الخاصة وليس إلى خزانة الشخص السابق.

من اخترع هذا أو كيف يعمل؟

لا أحد يعرف، والأهم من ذلك هو أن هذه الطريقة آمنة ولم تُسجّل مشكلة واحدة منذ فجر التاريخ حيث سرق أحدهم ممتلكات شخص آخر، حتى إن تم استخدام يد شخص ميت فلن تحصل على ممتلكاته، والطريقة الوحيدة لأخذ ممتلكات شخص ميت هي اجتماعه بورثته قبل موته وإدخال أيديهم معا عبر الضباب المحيط بالحمّال، وفي هذه اللحظة يستطيع الواحد منهم إعطاء الإذن للأشخاص المشاركين بدخول خزانته إذا لم يفتحها لمدة معينة، وبنفس الطريقة لا أحد يعلم كيف تم الوصول إلى هذه الطريقة، إلا أن الاعتقاد السائد هو أن مكتشفها كان بارعا في الطاقة الذهنية التي يعتمد عليها ضباب التخزين لقراءة إرادة مستخدمي الخزانة.

و رافي الآن قد صار مبارك فراغ، لكنه -على ما يبدو- لن يقوم من الأرض بعد تلقي هذه الضربة القاتلة من والده.

2021/01/11 · 394 مشاهدة · 1696 كلمة
zombiking
نادي الروايات - 2024