في قاعة الإيقاظ، نظر الجميع نحو رافي الغارق في دمه، ثم رفعوا أبصارهم ونظروا نحو بريام بنظرات معقدة، شعروا جميعا بأن قلبه مفطور، مهما كان الأمر سيئا فلن يصل إلى سوء قتل ابنك الأول بيديك، ومع ذلك.. تفهّموا جميعا سبب سرعة تصرّفه، فلو انتظر ثانية أخرى لما استطاع الوصول إلى جسد ابنه مهما فعل، فهذه ليست المرة الأولى التي توقظ فيها عشيرة أوانيا عنصر الفراغ، والتحوّل يتم بسرعة خارقة عكس باقي العناصر، لذلك تصرف بريام بسرعة حتى يقتل رافي قبل أن يصير حصينا مثل باقي الحمّالين.

صمت الجميع لأكثر من دقيقة قبل أن يقول سيرر بصوت مقموع

"يجب علينا إخفاء هذه الحادثة"

نظر إليه الجميع قبل أن يومئوا برؤوسهم، فمع أنها حادثة داخلية إلا أنه اعتداء غير مصرح به على حمّال، وقد يجلب هذا الأمر بعض المشاكل للعشيرة، استدار بريام وواجه جدارا فارغا بصمت، تنهّد ثم مسح عينيه الحمراوين الرطبتين متظاهرا بالإرهاق قبل أن يتحشرج

"أبلغوا رئيس العشيرة عنه ثم ادفنوه سرا، ابحثوا عن شخص آخر لإكمال عملية الإيقاظ، سأنعزل لبعض الوقت لترتيب أفكاري"

قال هذا ثم غادر، وما هي إلا دقائق حتى وصل رئيس العشيرة، وكان شيخا سبعينيا صارم الملامح، نظر إلى جثة رافي وهو يهز رأسه أسفا

"لقد كان بذرة جيدة، يا للأسف، على الأقل.. يملك أبا حكيما"

تنهد بصمت وهو يفكر ثم أمر

"ادفنوه في مقابر العبيد، ثم قولوا بأنه قد أيقظ عنصرين وتعرض لبعض الشذوذ، لذلك أرسلناه إلى الجزيرة الفارغة لتصفية ذهنه، بعدها نستطيع الإبلاغ عن موته على يد القراصنة"

أومأ الجميع بطاعة ثم اقترب احد الحاضرين من رافي قبل أن يصرخ

"سيدي، إنه حي"

تجمد الجميع بصدمة وكأن جبلا قد نزل على رؤوسهم، حي؟

ثم ماذا ؟

نظروا إليه وكان جسده يرتعش قليلا، لكن لا توجد علامات على استيقاظه، اللعنة، كيف يحلّون مثل هذه المشكلة؟

فلا هو حي فيبلّغون عنه لتقوم الحكومة بتسجيله كمِلك عام، ولا هو ميت فيتم نسيانه، ولا هو قابل للعلاج لأنهم لا يستطيعون لمسه الآن بعد أن غطّاه الضباب، وإن سلّموه للحكومة في حالته الحالية، أليس هذا مثل الإبلاغ عن جرائمهم بأنفسهم؟

صمت الجميع بعد رؤية تعابير رئيس العشيرة الليئة بالشذوذ، وبعد فترة تنهد ثم أمر

"لن ينجو بعد كل هذه الدماء التي فقدها، وربما هذه الرعشة مجرد ردة فعل مؤقتة، على أي حال.. ضعوه في صندوق قبل دفنه في قبور العبيد"

ذكر الصندوق كنوع من الإحسان، بمعنى أنهم لن يكبوا عليه التراب مباشرة وهو حي، صمت قليلا ثم أكمل

"لا تخبروا والده، هذا أمر قاسٍ حتى على عجوز مثلي، وهو يمر الآن في فترة حزن وندم"

قال هذا ثم خرج.

...

في ظلام دامس، تنهد رافي بصمت ثم قال في نفسه

'يا له من عالم قاسٍ، قتلني أبي ودفنني عمي الأكبر وأنا حي، لكن.. لماذا لا أشعر بالغضب منهم ؟'

'هل لأن ما فعلوه أمر معقول؟'

'ربما كنت سأفعل مثلهم أنا أيضا، فالعواقب كبيرة ولا يجب جر العشيرة بأكملها إلى المشاكل'

'أبي، أيها الوغد القاسي، لطالما ظننت بأنك ضعيف الشخصية وأن شخصيتي قد أخذتها من أمي، لكن..'

'لكني فخور بك، أنا فعلا ابنك وأنت أبي، لكن هذا هو فراقنا، من اليوم.. لسنا أبنا وأب، تبا لك'

'هيهيهي، يبدو أني في مشكلة عويصة هذه المرة'

'تبا، ظننت بأني سأوقظ عنصرا من بين الستة إذا لم أركز على أيٍّ منهم، لكن الحظ قادني إلى العنصر السابع'

'أخبرت الجميع عن عنصر النار لكني لم أهتم يوما بالفرق بين العناصر ما دامت الأسلحة المباركة هي التي تحكم على القوة'

'نعم، كانت مقامرة، مقامرة خاسرة بامتياز، هل هذا بسبب غرور الرابح؟'

'لقد كنت أربح لوقت طويل، هل أصابني الغرور وقامرت على هلاكي؟'

'هيه، المقامر دائما ما يتأثر بحالته النفسية، سواء كان رابحا أم خاسرا فإن نسبة سقوط العملة على الأرض تبقى دائما 50%، لكن المقامر سيعتقد بأنها ستسقط على الوجه الذي يرغبه بمجرد أنه يرغب بذلك، لكن النسبة ستبقى كما هي دائما، الربح والخسارة وجهان لعملة واحدة'

'اللعنة، ما الذي أفكر فيه؟'

'لا أدري ما هي حالتي الجسدية لكن إدراكي لا يزال جيدا، أشعر بألم حاد في رأسي رغم أني لا أستطيع تحديد مكان رأسي من رجلي'

'هل يعقد بأني فقدت رأسي؟'

'هيهيهي، اللعنة، لدي حس للمزاح حتى وأنا في هذه الحالة، للأسف.. لا أستطيع الشعور بجسدي ولا أملك حتى القدرة على فتح عيني'

'أمممم، هل ربما هذا بسبب العنصر السابع وليس بسبب الإصابة؟'

'أشعر ببعض الغرابة، هل أنا.. متعب؟'

'أوه ... لا'

'هذا ... سيء'

'لا ... يجب أن ... أنــــا ... م'

...

'كم مرّ من الوقت وأنا نائم ؟'

'لا أسمع شيئا، هل قام أولئك العجزة بدفني؟'

'يا للإزعاج، أنا تحت تأثير أمرين مختلفين ولا أدري أيهما سيقضي علي أولا، الإصابة أم العنصر السابع؟'

'هذا يجعل الأمر صعبا علي، فرضا أني استطعت التحرر من العنصر السابع فربما أكون مصابا بجلطة دماغية، هيهيهي، أسوأ من السيء، ومع ذلك.. هذه تجربة فريدة، ونسبة نجاتي منها تكاد تقارب الصفر، لذلك ربما يجب علي التركيز أكثر، خاصة أني لا أدري لِكَم من الوقت سأبقى واعيا'

'سأدع إصابتي جانبا بما أني لا أستطيع التصرف، دعنا نركز على العنصر السابع، عنصر الفراغ، سمّي بهذا لأنه فراغ مجهول يخزّن ما لا نهاية من الأغراض، قام الباحثون قديما بالتجربة ولم تمتلئ خزائنهم حتى بعد تخزين صخور جبل كامل'

'هناك من سماه عنصر الفضاء لاعتقادهم بأن هذه المساحة ليست على الأرض وإنما في مكان ما في الفضاء، هذا معقول بعض الشيء، لكن هذا القول أيضا لا تدعمه أي حقائق علمية'

'أما تسميته بعنصر المكان فذلك يفترض بأن الخزائن موجودة معنا في نفس الأرض لكنها مخفية في نطاق موازي، وهذا قد تدعمه نظريات النطاق الموازي وادعاءات البعض بالدخول إليه أو مشاهدة مخلوقات أو وحوش تخرج منه، وكالعادة.. لا دليل'

'وتسميته بعنصر زمكان كان بسبب أن مساحة التخزين لا تتأثر بالزمن بدليل أن الطعام لا يفسد فيها، وهذه ليست حقيقة كاملة لأن بعض الخزائن القديمة التي فتحها بعض الورثة المتأخرين قد وجدوا فيها طعاما فاسدا، ما يعني بأن الزمان يمر داخل الخزائن لكن بوتيرة بطيئة جدا، حتى قدّر البعض بأن يوما واحدا في الخزانة يساوي عشر سنوات في الخارج'

'قد تكون الخزائن في مكان بعيد بالفضاء أو في مكان تحت الأرض ويخضع لعوامل زمكانية، الفضاء والزمكان هما أفضل نظريتين، لكن المهم فيهما هو: أين هي أجساد الحمالين؟'

'الحمال أيضا يموت ميتة طبيعية مثل باقي المخلوقات، قد يموت شابا أو بعد مائتي عام، لكن.. لماذا يبقى جسده يافعا ولا يشيخ؟'

'ولماذا لا يأكل إلا نادرا؟'

'هل لأن جسد الحمال متداخل مع المنطقة المخصصة للتخزين؟'

'بهذه الطريقة ستكون نظرية الزمكان هي الأفضل، جزئية الزمان تؤثر على عمر الجسد وليس عمر الروح، وجزئية المكان تحمي الجسد من الإصابات بجعله في مكانين مختلفين في نفس الوقت، وهذا يعني بأن الحمال يستطيع الوصول أيضا إلى مكان التخزين، لكنه لا يملك الإرادة لتحريك جسده، ثم.. أين يذهب البول والبراز؟'

'فعلا، من الذي يتخلص من البول والبراز من جسد الحمال؟'

'آه، أنا متعب مرة أخرى'

2021/01/11 · 434 مشاهدة · 1065 كلمة
zombiking
نادي الروايات - 2024