تفتيش الخزائن؟

هل تمزح معي؟

لماذا يوجد عدد لا نهائي من الخزائن وكل واحدة أبعد من الأخرى بمساحات شاسعة؟

كيف سأفتش كل هذه الخزائن يا كارب؟

وقع رافي في محنة جديدة بعد تفتيش أكثر من مائة خزينة، لم يهتم بالمبالغ الضخمة أو الملابس الداخلية التي وجدها فيها، لكن الذي أزعجه هو أنه قضى شهرا كاملا في التنقل بين هذه الخزائن، ولا زال استشعاره يخبره بأن هذه ليست سوى البداية، لذلك قرر رافي بأنه لن يكمل تفتيش الخزائن الأخرى بعد اليوم، وكل ما سيفعله هو قراءة الكتب التي وجدها في بعض الخزائن السابقة، حيث كانت بعض هذه الكتب مثيرة للاهتمام.

بسبب رغبته.. تراجع كارب عن مسح واستكشاف الخزائن القريبة، لكنه في هذه اللحظة بالذات.. ركّز على خزانة معينة ثم قال

[أنصحك بفتح تلك الخزانة، أعتقد بأنها تحتوي على بعض المنتجات الخاصة بالشركة التي صنعتني]

استغرب رافي قليلا قبل أن يفهم بأن المتحدث هو الذاكرة الحية وليس كارب، لكن استغرب أكثر عند التفكير بأن هناك خزانة تحتوي على منتجات قديمة ومنقرضة، لذلك سارع نحو تلك الخزانة وبدأ عملية اختراقها التي تدوم بضع ساعات في العادة، أثناء ذلك كان يستفسر من كارب حول شركته ومنتجاتها لينتهي به الحال بفتح فمه بشكل واسع، وذلك لأن الحقبة الصفراء قد كانت شيئا لم يصل إليه البشر من قبل، والذاكرة الحية ليست سوى منتج عادي يمكن لأي شخص شراؤه في ذلك الوقت.

بعد فتح الخزانة، علِم رافي من كارب بأنها كانت مغلقة لعدة قرون وأن صاحبها ربما كان أحد الباقين من أصحاب تلك الشركة القديمة، وهذا يعني بأن هناك خزائن قديمة يمكن لرافي سرقتها دون جذب الانتباه، لكنه لم يهتم بالكنوز في هذه اللحظة لأنه لا يزال عالقا وغير قادر على الشعور بجسده المدفون، وقد يموت في أي لحظة إذا تعرض جسده للجفاف والجوع، لذلك ركز على المنتجات التي تركها صاحب الخزانة.

بشكل غير متوقع، وجد في الخزانة عدة صناديق مليئة بعلب ذهبية عليها كتابات قديمة، قال كارب شارحا

[يبدو أن صاحب الخزانة مجرد سارق نهب أحد مخازن الشركة، أو ربما تاجر صغير اشتراها على أحد اللصوص]

تساءل رافي

"لماذا تقول بأنه لص؟"

قال كارب

[لأن المحتويات هنا مكتوب عليها بأنها لا تزال تحت التجربة وغير مرخص لها للبيع]

أومأ رافي ثم تقدم نحو إحدى العلب وحاول فتحها، وهذا الفعل البسيط كان تحديا له في البداية، لكنه الآن يستطيع استخدام قدرات الضباب لتصليب يديه وتحريك الأغراض داخل الخزائن، لذلك لم يقضِ الكثير من الوقت قبل فتح إحدى العلب وكان داخلها خمسون شريحة مربعة غريبة الشكل، وقبل أن يسأل.. قال كارب

[يبدو أنها نسخة أحدث من الذاكرة الحية]

تنهد رافي ثم بدأ يفتح العلب الأخرى ووجد بأنها كلها متشابهة، هز رأسه بأسف ثم قال

"يبدو أن رحلتنا كانت بلا فائدة، أنا أملك ذاكرة حية بالفعل"

قال كارب

[ليس بالضرورة، تستطيع استخدام هذه الذاكرات الحية لتشكيل شبكة مترابطة، يتم استخدامها عادة في العمليات العسكرية لاستكشاف المناطق الخطرة بدمجها مع معداتهم الاستكشافية، ويستخدمها الباحثون على آلياتهم المخبرية لزيادة جمع المعلومات وتحليلها، أستطيع تفعيلها لأجلك، كما أنصحك بتغيير الذاكرة الحالية بأخرى أحدث وستحافظ على المعلومات التي تملكها حاليا]

اتسعت عينا رافي حين اكتشف بأنه لا يعرف الكثير عن الاختراعات القديمة، ابتسم ثم قال

"كيف أقوم بتفعيلها ؟"

...

بعد سنتين

كان رافي واقفا أمام شيء يشبه مرآة صغيرة معلقة في الهواء، وكان يضحك بجنون

"لقد فعلتها أخيرا، هل رأيت ذلك يا كارب؟"

بعد تفعيل الذاكرات الحية التي عثر عليها قبل سنتين.. تحولت كلها إلى كرات بيضاء طافية في الهواء، في العادة لا يجب أن يحدث هذا لكنه الآن كان في مجال يدعم تشكيل الوعي، لذلك تشكلت الكرات البيضاء خارج الجسد البشري، وحتى الشركة المصنعة قد تستغرب من هذا التطور إذا رأته، بعد قيامه بهذا.. أطلق عليها رافي اسم الفراشات وقام بأمرها للسفر في جميع أنحاء الفضاء الغامض، وبمساعدة كارب.. قامت الفراشات بتحديد أي شيء غير عادي مثل بوابات الخزائن، وبعد فترة صارت الفراشات قادرة على فتح الخزائن واختراقها، ومع التدريب المتواصل صارت الفراشات قادرة أيضا على تحريك أغراض الخزانة وتسجيلها وحتى قراءة الكتب.

اندمج وعي رافي مع وعي كارب والفراشات وصارت الأمور المسجلة جزءا من ذاكرة رافي، وبعد شهر ونصف من استخدام الفراشات.. اكتشف رافي خزانة قديمة تحتوي على المزيد من منتجات الوعي القديمة لتلك الشركة الرائدة، وهذا جعل كارب قادرا على إنشاء مركز لمعالجة البيانات بمساعدة خبرة "كارب" الذي شارك في بناء هذا المشروع، وشعر رافي لأول مرة بأنه مجرد عنصر إضافي لا فائدة له وهو يشاهد عملية إنشاء مركز البيانات.

سبب تكامل هذا الفضاء مع قدرات الوعي ليس سرا، حيث اكتشف رافي من ذكريات كارب بأن عملية الانتقال عن بعد تحتاج إلى وعي قوي لتحديد منطقة الوصول بدقة لتجنب الضياع في الفضاء، فالانتقال لألف كيلومتر مثلا سيحتاج لطي هذه المساحة إلى مسافة الصفر وكأنك تطوي ورقة عليها نقطتان محددتان وملاءمة تلك النقطتين بالشكل الصحيح، وفي كل عملية انتقال سيختلف موضع النقطتين، وهذا سيحتاج إلى وعي قوي للقيام بهذه العمليات الحسابية المعقدة، لهذا قاموا بتصميم هذا الفضاء وتعزيزه بآليات وعي قوية يمكن اعتبارها نسخة عملاقة من الذاكرة الحية، وهذه الآليات هي التي تساعد رافي على تشكيل كل ما يفكر فيه، وهي نفسها التي تسهل عمل الفراشات.

أقر رافي في نفسه بأنه محظوظ لحصوله على خبرة كارب وأن جميع أموره كانت تتطور نحو الأفضل بسهولة كبيرة، وهذا جعله يشك في بعض الأحيان بأنه ربما كان يعيش داخل حلم سعيد ولن يعود إلى جسده المدفون، بل حتى أنه شك بضع مرات بأنه ربما يكون ميتا بالفعل، ومع ذلك.. ساعدته كمية المعلومات التي يحصل عليها يوميا من قراءة الفراشات للكتب القديمة والحديثة في الخزانات على إدراك الكثير من حقيقة هذا العالم، وهو شيء لا يجب أن يوجد داخل الأحلام، خاصة أنه استطاع الوصول إلى بعض أكثر الوثائق السرية في العالم والتي تقوم الحكومات بتخزينها بـ "أمان" داخل خزائنها.

بعد مرور الوقت.. تم فتح ملايين الخزائن وتم تحديد الخزائن القديمة من الحديثة، حيث يمكن لرافي استخدام الخزائن القديمة براحة أكبر، ومع ذلك كان عددها أقل من ألف، لذلك سيضطر عاجلا أم آجلا إلى استخدام الخزائن الحديثة، كما أن الخزائن القديمة تحتوي على أغراض قديمة ومن الأفضل عدم إخراجها وبيعها لمنع الشكوك، لكن هذا كله بافتراض أنه سيخرج من هذا المكان ويرجع إلى جسده.

بسبب تفكيره في جسده، وصل رافي إلى فكرة غريبة، وهي المراقبة العكسية لعملية التخزين، لذلك جعل الفراشات تراقب عددا من الخزائن الحديثة والأكثر نشاطا لمعرفة كيف يتم تخزين الأغراض، وأثناء ذلك.. بدأ رافي يشعر بشيء غريب ومثير للاهتمام، وبعد مراقبة أكثر من ألف عملية تخزين عبر الفراشات، استطاع أخيرا اكتشاف موضع الغرابة، حيث كان بعد كل عملية تخزين يشعر بأن هناك شيئا في الجهة الأخرى يجذب انتباهه، وبعد مرور وقت طويل من البحث والتجارب، استطاع اليوم بعد سنتين من الوصول إلى نتيجة.

ضحك عاليا ثم صرخ

"هل ترى ما أراه يا كارب؟"

تعمد رافي خلال هذه الفترة الحديث مع كارب وكأنه شخصية مستقلة لتجنب إصابته بالانطوائية أو أي أمراض نفسية شبيهة، وبسبب رغبته هذه.. كان كارب يجيبه بنفس الطريقة

[نعم يا رافي، لقد فعلتها أخيرا]

ضحك رافي

"لقد ساعدتني أيضا يا صديقي، في رأيك.. هل نستطيع التواصل معه؟"

في هذه اللحظة كان ينظر إلى ما يشبه المرآة، وكان يرى من خلالها شكلا ضبابيا وكأنه فتاة عارية، لم تكن واضحة تماما له لأنه كان يرى بعض جسدها فقط وليس كله، من الواضح أن الرؤية كانت تتم انطلاقا من جبهة الفتاة، ولولا صدرها لما عرف أصلا بأنها فتاة، وأمامها.. كان يقف شاب ثلاثيني يحمل ابتسامة مقرفة، وكانت يده تخترق صدر الفتاة بطريقة واضحة، نعم.. كانت حمالة، وكان يتم استخدامها وكأنها خزانة، ورغم أن الشاب الثلاثيني لا يستطيع لمسها إلا أن ابتسامته كانت تقول الكثير عن أفكاره.

كان هذا أول اتصال لـ رافي مع العالم الخارجي، وهذا جعل قلبه يرتجف بالحماس لما يحمله هذا الاكتشاف من دلالات.

2021/01/12 · 372 مشاهدة · 1203 كلمة
zombiking
نادي الروايات - 2024