10 - التعرف على الملك الأحمر

في الزمان الذي كان فيه هشام يواجه الأشباح والظلال، وجد نفسه أخيرًا أمام شيء لا يمكن أن يخطر له على بال. كان يشعر بأن هذا اليوم سيكون مختلفًا عن سابقيه. فقد كان يتنقل في العتمة بين عالمين، واحد يراه العين، وآخر تقبع فيه الكائنات المظلمة التي لا تنتمي لهذا العالم. لكن ما شاهده في تلك اللحظة كان أبعد من كل تخيلاته.

كان الجو في الغرفة مشحونًا، والشعور بالغموض كان يزداد. الهمسات التي كانت تملأ المكان بدأت تتضح شيئًا فشيئًا، كأنها أصوات تأمره بشيء ما. ثم، فجأة، ظهرت أمامه صورة تجسد مخلوقًا لم ير مثله من قبل، ولم يتوقع أن يكون هذا هو الملك الأحمر.

بينما كان هشام ينظر بذهول، بدأ الملك الأحمر يتشكل من الظلال التي تحيط به. لم يكن يشبه أي كائن رأه في حياته؛ كان شكله يوحي بأنه من عالم آخر، عالم بعيد لا يمكن للبشر أن يتخيلوه. كان جسمه عريضًا، ذو قوام ضخم يكسوه لون أحمر غريب، وكأن جسده قد نحت من نار ودم. عيونه كانت تلتمع بتوهج غريب، وكانت أشعة حمراء تنبثق منها كما لو أن هناك قوة هائلة تحيط به.

في الإسلام، يُعتقد أن الجن ليسوا مجرد مخلوقات خرافية، بل هم جزء من الواقع غير المرئي الذي يتداخل مع عالمنا. فقد ذكر القرآن الكريم أن الجن من خلق الله، وهم موجودون في هذا الكون بيننا، لكننا لا نراهم. بعضهم قد يكون مؤمنًا بالله، وبعضهم قد يكون فاسدًا مثل الشيطان، الذي كان من الجن. لكن الملك الأحمر لم يكن مثل أي مخلوق آخر. لم يكن من الجن الذين يؤمنون بالله، بل كان من أولئك الذين تمردوا ورفضوا الانصياع للأوامر.

"أنت لست كما تبدو" قال هشام في نفسه وهو يحاول أن يثبّت نظره على هذا الكائن. لكنه كان يعرف، في أعماق قلبه، أن هذا الكائن كان أكثر من مجرد شيطان تقليدي. كان هذا هو الملك الأحمر، أحد الكائنات القديمة التي تنتمي إلى الجن الذين ابتعدوا عن الفطرة الإيمانية، وتعلموا استخدام السحر الأسود في سبيل السيطرة على العوالم المختلفة.

في حديثه عن الجن، يعترف الإسلام بوجودهم وقدرتهم على التأثير في العالم البشري. الجن قادرون على التسلل إلى عقول البشر، ويمكنهم استخدام السحر الأسود للسيطرة على أفعالهم. من خلال هذه القوى المظلمة، يقال إن الجن يمكنهم إحداث الفتن والشرور في العالم البشري، بل قد يصل الأمر إلى التسبب في الجنون أو الإيذاء النفسي والجسدي للأشخاص الذين يتعرضون لهذا النوع من السحر.

ولكن الملك الأحمر كان أكثر من مجرد مخلوق يملك السحر الأسود. كان يحمل في طياته جزءًا من تاريخ قديم، تاريخ الجن الذين اختاروا الوقوف ضد القوانين السماوية، وتعلموا كيف يتحكمون بالأبعاد الموازية للعالم البشري. هؤلاء الجن لم يكونوا مجرد كائنات شريرة، بل كانوا قد نسجوا خيوطهم في شبكة مظلمة واسعة من السحر الأسود، حتى أصبحوا يملكون قدرة على تغيير مجرى الأحداث في العالم.

هشام كان في تلك اللحظة يدرك أنه لم يكن مجرد شخص عادي يواجه تحديًا من الجن. كان يواجه أحد أقدم الكائنات التي مرت على هذا الكون، كائنًا كان يعرف كيف يحرك خيوط اللعبة من وراء الستار. كان الملك الأحمر يتمتع بقدرة على فهم أسرار السحر بشكل لا يضاهى، وقدراته تتجاوز كل ما كان هشام قد تخيله.

"لماذا تظهر الآن؟" سأل هشام بصوت هادئ، على الرغم من القلق الذي كان يساوره. كان يعلم أن هذا الكائن لا يجرؤ على الظهور أمامه دون سبب.

الملك الأحمر ابتسم ابتسامة شريرة، بينما كانت النار التي تشع من عينيه تزيد في التوهج. "أنت تظن أنك تعرف كل شيء عن عالمنا، ولكنك لا تعلم بعد إلا القليل. نحن هنا دائمًا، نراقب، نتحكم، ولكنك الآن دخلت عالمنا. والآن، عليك أن تدفع ثمن ما فعلته."

في الإسلام، يُقال إن الجن يتواجدون في أماكن مظلمة، حيث يسودهم السحر والشياطين الذين يفسدون العالم من خلال تأثيراتهم الخبيثة. لكن الملك الأحمر كان يتجاوز هذه الفكرة. كان يمثل الجن الذين اختاروا أن يندمجوا مع قوى الشر في هذا العالم، ورفضوا العودة إلى الطريق الذي رسمه الله لهم.

كان هشام يحاول استيعاب كل ما كان يحدث، لكنه شعر بأن التحدي الذي أمامه كان أكبر بكثير من كل شيء مرّ به. كان الملك الأحمر، كما تبين له، ليس مجرد مخلوق عادي من عالم الجن، بل كان كائنًا متمردًا، متعطشًا للسيطرة على العالم البشري باستخدام كل الوسائل الممكنة، من السحر الأسود إلى القتال مع الشياطين.

في تلك اللحظة، بدأ هشام يفهم شيئًا عميقًا. لم تكن المعركة معه معركة عادية، بل كانت معركة لإبقاء البشرية على مسارها الصحيح، في مواجهة قوى غامضة تسعى دائمًا للتلاعب بعقول البشر وقلوبهم.

لكن هشام لم يكن مستعدًا للتراجع. هو الآن يعرف أن القوة الحقيقية تكمن في الإيمان، في رفض أن يكون ألعوبة في يد القوى المظلمة. كان هذا هو الوقت المناسب لاستعادة توازنه، ليقف في وجه الملك الأحمر، وليظهر له القوة الحقيقية التي لا يستطيع الجن أو الشياطين إيقافها: إرادة الإنسان الصلبة.

كانت حرارة الغرفة تزداد بشكل غير طبيعي، وكأن الهواء نفسه قد تغير، تملؤه رائحة عفنة ومختلطة بعبير يشبه رائحة البخور المحترق، محيطًا بالملك الأحمر الذي أصبح الآن واقفًا أمام هشام بكل جبروته. كان يصدر صوت همسات غير مرئية، لم تكن تأتي من فمه، بل كانت من كل مكان حوله، تدور حول عقله وتغلف أفكاره. الكلمات التي قالها هشام قبل لحظات لم تكن سوى بداية لسلسلة من الأحداث التي لا يمكن للبشر أن يفهموا تفاصيلها بسهولة.

الملك الأحمر لم يكن مجرد مخلوق عادي من الجن، بل كان تجسيدًا لشيء أعمق وأكثر خطورة. في اللحظة التي ظهر فيها، كان هشام قد دخل مرحلة جديدة من الصراع، مرحلة تجسد الصراع الأبدي بين النور والظلام، بين الخير والشر. لكن الملك الأحمر كان أكثر شرًا مما توقعه هشام، كان يجسد الجحيم نفسه، وكان يشع بسحر أسود يعيد تشكيل الواقع من حوله.

عينيه الحمراء اللامعة كانت تراقب كل حركة من هشام، كأنما هو يشاهد كل تفكير يمر في عقله، كما لو كان يقرأ كل أسرار حياته. كانت كلمات الملك الأحمر تتسلل إلى قلب هشام كخيوط مسمومة، محاولًا تمزيق عزيمته. لكن هشام لم يكن لينكسر، فالإيمان الذي كان يحمله داخل قلبه كان أقوى من أي شيء يمكن أن يواجهه.

"أنت لا تدرك بعد، يا هشام، كم نحن نراقبكم. الجن ليسوا مجرد أشباح أو مخلوقات خرافية، نحن نعيش بينكم، نؤثر في حياتكم، ونتلاعب بمصيركم. والآن، أصبح مصيرك بيدي." كانت كلمات الملك الأحمر تتسرب إلى ذهنه، تطغى على تفكيره بشكل تدريجي، كما لو أنها تحاول كسر إرادته.

من خلال الإسلام، يُقال إن الجن يمتلكون قدرة على التأثير في البشر، سواء بالإغواء أو التحريض على الشر، أو حتى بإحداث الجنون في بعض الأحيان. يُعتقد أن الشياطين، مثل إبليس، هم من الجن الذين تمردوا على الله واختاروا أن يتبعوا الشر. كانت تلك الشياطين تستخدم السحر الأسود، وهو السحر الذي يُستخدم لتحقيق أغراض شريرة، وقد ثبت في العديد من القصص الدينية والإسلامية أن الجن يمكنهم التحكم بالعقول البشرية من خلال هذه القوى الخفية.

الملك الأحمر كان يتقن هذه الفنون بشكل مرعب، وكأن كل لحظة يقضيها في عالم البشر كانت فرصة لتعميق تأثيره فيهم. كان يتلاعب بالعقول، يزرع الأفكار السلبية، يخلق الفتن. وعليه، كانت مهمته الآن أن يثبت نفسه في هذا العالم عن طريق اختراق عقل هشام وتدميره من الداخل.

لكن هشام كان يعلم جيدًا أنه لا يمكن للجن أو الشياطين أن يؤثروا عليه إذا كان إيمانه قويًا. فالإسلام يعِدُ المؤمنين بحماية من هذه القوى المظلمة إذا استمدوا قوتهم من الله. كان هشام في تلك اللحظة يذكر آيات القرآن الكريم التي تتحدث عن حماية المؤمنين من الجن والشياطين، ويعلم أن هذه الكلمات هي درعه الحقيقي.

"أنت تظن أن بإمكانك الوقوف في وجهي؟" سخر الملك الأحمر بلهجة مملوءة بالتحدي، مشيرًا إلى هشام بعينين مليئتين بالغضب. "أنت مجرد إنسان، ضعيف، لا تستطيع محاربة ما هو أبعد منك. نحن نتسلل إليكم من خلال أفكاركم، من خلال أفعالكم، ومن خلال ضعفكم. أنتم لا تملكون سوى القليل من القوة التي نتركها لكم."

كل كلمة كان يقولها الملك الأحمر كانت كالطعنة في قلب هشام، لكنه لم يسمح لها أن تُخترق دفاعاته. كانت فكرته واضحة، كان يواجه مخلوقًا يتغذى على الفوضى والضعف، ويستمتع برؤية البشر يتخبطون في ظلامه. ولكن هشام كان يعلم أن المعركة لم تكن على الجسد، بل على الروح.

وتحولت الغرفة تدريجيًا إلى مكان مظلم، كما لو أن الملك الأحمر كان يغير البيئة المحيطة به، لتحاكي عوالم الجن والشياطين التي يتواجد فيها. كانت الجدران تنبض وكأنها كانت تتنفس، وتلك الهمسات التي كانت تدور حول هشام أصبحت أكثر وضوحًا، وكأنها أصوات تهمس في أذنه بشكل متسارع، تريد أن تدفعه إلى الجنون. كان يسعى إلى أن يزرع فيه الخوف، ويشعرك بأن كل شيء يمكن أن ينهار في لحظة.

كان هشام يفكر في القوة التي يمتلكها في أعماق قلبه، تلك القوة التي لا يستطيع أي كائن أن يمسها أو يضرها. كان يذكر الله في عقله بصمت، محاولًا أن يتذكر اللحظات التي شعر فيها بالقوة عندما كان في سلام مع نفسه ومع الكون. كان يعلم أن الجن والشياطين لا يمكنهم أن يهيمنوا على تلك القوة إذا استمدها من الإيمان بالله.

عند تلك اللحظة، ارتفعت أيدي الملك الأحمر إلى السماء، وأخذ يدعو بكلمات غير مفهومة، كما لو كان يستدعي جيشًا من الكائنات المظلمة من العوالم الأخرى. كان يملك القدرة على استدعاء مخلوقات أسطورية، أشياء قديمة جدًا وشريرة جدًا لتكون تحت إمرته. كانت تلك الكلمات التي نطق بها تثير قشعريرة في جسد هشام، لكن قلبه كان ثابتًا.

ثم، في لحظة غير متوقعة، شعر هشام بشيء يتغير في الجو من حوله. كان الملك الأحمر قد انشغل في استدعاء كائنات أخرى، معتقدًا أن هشام لن يستطيع الصمود أمام هذا الهجوم المزدوج. ولكن في تلك اللحظة، بدأت أنوار غريبة تتناثر من حوله، كما لو كانت تجسد قوة غيبية لم يكن يتوقعها.

وفي تلك اللحظة الحاسمة، انتفض هشام، وكان لديه شعور غريب بأنه قد تمكن من التغلب على تأثير الملك الأحمر. كان يعلم أن هذه المعركة لم تنتهِ بعد، لكن الإيمان الذي كان يملأ قلبه كان قد أسهم في خلق طاقة جديدة، طاقة استطاعت أن تصد هذا الكائن المظلم ولو للحظة.

2024/12/21 · 16 مشاهدة · 1540 كلمة
Fosterbad
نادي الروايات - 2025