6 - قبيلة الجني المسلم

كانت الصحراء الكبرى، بكل قسوتها وضراوتها، قد أخفت أسرارًا لا يدركها البشر. هشام الذي عرف بالفعل قوة السحر الأسود، كان يواجه الآن عدوًا لا يشبه أي شيء رآه من قبل. لم تكن الحرب بين البشر والشياطين مجرد حرب جسدية؛ بل كانت حربًا بين العقائد، الأفكار، وبين قوى لا يستطيع أحد السيطرة عليها. لكن هشام كان قد دخل بالفعل عالماً يختلف عن كل ما كان يعتقده.

تحت ظلال الجبال التي تلامس السماء، كان هناك مكان قديم، عميق في قلب الصحراء، حيث يلتقي العالم البشري بعالم الجن. وفي هذا المكان، اجتمع أفراد قبيلة الجني المسلم. كانوا كائنات عتيقة، تعرف تاريخ البشر، لكنها اختارت أن تسير في طريق مختلف. كانوا بعيدين عن الحروب التي خاضها الجن ضد البشر في العصور الماضية، لكنهم لم يكونوا بعيدين عن الصراع الدائم مع الشياطين. الشياطين الذين تمردوا على قوانين السحر، الذين اختاروا السير في الطريق المظلم.

كان أحد الجني المسلمين قد قاد هشام عبر مسار غير مرئي في الصحراء. كل خطوة كان يخطوها هشام، كان يشعر وكأن الجبال تتنفس، وكأن الرمال حوله تحاول ابتلاعه. كانوا قد أخبروا هشام أنه لا يمكن للإنسان أن يدخل هذا العالم إلا إذا كان مستعدًا للتضحية بكل ما يعتقده.

"لن يكون الطريق الذي ستسلكه سهلاً." قال الجني، الذي كان يقوده. "إذا أردت أن تفهم ما يحدث، عليك أن تقاوم. فكل خطوة تأخذها هنا ستكشف لك حقيقة قد تكون أكثر مما تستطيع تحمله."

نظر هشام إلى الجني، ووجد في عينيه نظرة مليئة بالحزن والخوف. كان الجني يعرف ما سيحدث. كانت القبيلة قد قررت أنه لا مكان للبشر في عالم الجن بعد الآن. ولكن هشام كان يصر على معرفة كل شيء. كان يشعر أن مصيره مرتبط بهذا العالم المظلم أكثر مما يمكنه فهمه.

في تلك اللحظة، بدأت الرمال تتراقص حولهم، وكان الصوت العميق للريح يعصف بالصحراء، كما لو كان هناك شيء على وشك أن يحدث. ظهر أمامهم فجأة قادة القبيلة، كائنات ضخمة، ضخمة لدرجة أن هشام شعر وكأنهم الجبال نفسها. كانت ملابسهم مصنوعة من خيوط ضوء وماء، ومملوءة بروحانية غامضة، لكن في أعينهم كان هناك شيء غريب، شيء مظلم.

"هل أنت مستعد لحمل هذا العبء، أيها الإنسان؟" سأل أحدهم، صوته يرن في الهواء كصوت صاعقة بعيدة.

هشام، الذي كان قد بدأ يعتاد على الشعور بالخوف، اجتمع شجاعته وقال بصوت ثابت: "أنا هنا لأفهم. ولأوقف كل هذا."

كانت الإجابة منهم صمتًا طويلًا، ثم هزّ أحدهم رأسه قائلاً: "لا يمكن للبشر أن يتحكموا فيما لا يفهمونه. لكنك كنت مختارًا، ولديك القوة. لكن عليك أن تدفع الثمن."

في تلك اللحظة، تضاءلت أفق الصحراء أمام عينيه، وتكشف له الطريق إلى مكان لا يمكن للبشر أن يذهبوا إليه دون أن يتحولوا. هناك، في أعماق الأرض، كان سر الجني المسلم موجودًا. وكان هذا السر يكمن في طاقة لا يمكن للبشر أن يتحملوا آثارها.

استمر هشام في السير معهم، لا يعرف ما ينتظره، لكن كان يعلم أن الحقيقة التي يبحث عنها ستكون أكثر عتمة من كل شيء يمكنه تخيله. بينما كانوا يمشون، بدأ يلاحظ تفاصيل أخرى في هذا العالم: الأشجار التي تنمو وتذبل في لمح البصر، الأنهار التي لا تتدفق بشكل طبيعي، وحتى السماء التي كانت تتغير ألوانها بين لحظة وأخرى.

"هذا ليس مجرد مكان مادي، هذا عالم بين العوالم." قال الجني الذي كان يقوده. "هنا، حيث تتداخل الروح مع الجسد، تصبح الحقيقة مشوهة."

بينما كانت القبيلة تتجه بهم نحو قلب هذا العالم الغامض، بدأ هشام يدرك شيئًا آخر: إنهم لم يكونوا فقط يختبئون من الشياطين، بل كانوا يحاولون حماية سر قديم. سر كان قادرًا على تغيير مسار كل شيء.

"إنه السحر الذي لا يعرفه البشر. سحر قديم جدًا، ومرتبط بروحانيات ما وراء الفهم." أضاف الجني. "كل سحر هنا ليس فقط عن القوة، بل عن التوازن. نحن، الجني المسلم، نحاول الحفاظ على هذا التوازن بين البشر والجن."

كانت الكلمات تتردد في عقل هشام وهو يستمر في السير، وكانت الإجابة التي كان يسعى للحصول عليها تبتعد أكثر فأكثر. في عمق الصحراء، كان هناك مكان يسمى "جسر الظلال"، وهو طريق يربط بين عوالم الجن والشياطين. وكان هذا الجسر، الذي لا يمكن للبشر عبوره، هو الطريق الذي سيقودهم إلى الكارثة القادمة. وكأن هناك من ينتظرهم في الطرف الآخر.

وكان هشام يعلم أن الوقت قد حان للقرار. هل سيستمر في هذا الطريق المظلم، أم سيعود؟ ولكنه كان يعلم أن هذا القرار سيكون الأخير.

بينما كانت الرمال تتساقط مثل الغبار في الهواء، كان هشام يشعر بثقل الخطوات التي يخطيها. وكلما ابتعدوا عن الأفق، زادت المشاعر المربكة داخله. هذا العالم، الذي لم يكن يفهمه تمامًا، كان يبتلع كل شيء في طريقه. كانت الأصوات الغريبة تلاحقهم من بعيد، وكأنها أصداء من عالم آخر.

قال الجني الذي كان يقوده، بصوت هامس كما لو كان يخشى أن يسمعه أحد، "تذكر، أيها الإنسان، أن هذه الأراضي لا تأخذ إلا ما يخصها. نحن نحاول فقط الحفاظ على ما تبقى من هذا التوازن الهش، ولكن كل خطأ هنا يمكن أن يكلفنا جميعًا."

فجأة، بدأ هشام يشعر بشيء غير مرئي يضغط عليه. كان الهواء ثقيلاً، وكانت الطاقة التي تحيط بهم تشعرك وكأنك تغرق في بحر عميق لا قرار له. أغمض هشام عينيه للحظة، وأخذ نفسًا عميقًا. كان يعلم أن كل خطوة يقوم بها تجلبه أقرب إلى مواجهة قد تغير مصيره.

"أنت الآن قريب من فهم الحقيقة الكبرى." قال الجني بلغة غريبة، ثم أضاف: "لكنك لا تستطيع العودة بعد الآن. لقد بدأت في خوض معركة مع قوى لا يمكن للبشر أن يتحملوا نتائجها."

وكان الجسر، الذي بدأ يلوح في الأفق، يبدو وكأنه أطياف من ضوء وضباب كثيف. كان معلقًا في الهواء كأنما يربط بين السماء والأرض، بين عالم البشر وعالم الجن والشياطين. وكأن هذا الجسر هو المكان الذي سيتقرر فيه مصير هشام؛ هل سيغرق في ظلمات هذا العالم، أم سيكتشف قوة لا يستطيع أحد تخيلها؟

وعندما اقتربوا من الجسر، بدأ الزمان والمكان يفقدان معانيهما. كانت اللحظات تمر وكأنها ساعات، والأصوات تتداخل مع بعضها البعض. كانت الرمال تحت قدميه تتحول إلى أرض صلبة، ثم تنقلب إلى ضباب كثيف. كان هشام يحاول أن يحافظ على هدوئه، لكن شيئًا في داخله كان يخبره أن عليه اتخاذ القرار في اللحظة التالية.

"تذكر، هشام، نحن هنا فقط لحمايتك من نفسك." قال الجني بحذر، "الجن المسلم ليسوا مجرد حراس. نحن نحن آخر خط دفاع ضد التدمير الكلي."

بصوت خافت، بدأ الجني يردد كلمات غريبة على لسانه، وكأنها تعويذة قديمة، ثم التفت إلى هشام وقال: "الآن، لقد حانت لحظة الحقيقة."

2024/12/21 · 11 مشاهدة · 988 كلمة
Fosterbad
نادي الروايات - 2025