ضيّق إليعازر عينيه وقال بنبرة ثابتة:
"كلانا يعلم أن جسدك صُلّب بالقوة إلى درجة أن موهبتي لم تعد تؤثر عليك."
زمجر فارس النظام القرمزي قائلًا:
"صراحتك تلك كفلت لك موتًا سريعًا… وخاليًا من الألم."
ومن دون أن ينبس بكلمة أخرى، انقضّ الفارس القرمزي عليه، وسيفه الطويل يرسم قوسًا قاتلًا في الهواء، عازمًا على شطر إليعازر نصفين.
رفع إليعازر درعه لصد الضربة، ثم اندفع برمحه بكل ما أوتي من قوة. لكن الدهشة ارتسمت على وجهه حين مال الفارس جسده بزاوية بارعة جعلت رأس الرمح ينزلق عن كتفه المعدني!
لم تترك الضربة سوى خدشٍ طفيف على الدرع، لكنها كانت كافية ليعيد الفارس القرمزي توازنه ويرفع سيفه للأعلى، استعدادًا لضربة ثانية.
وفي اللحظة التي كادت الضربة تهوي فيها، أضاءت سيوفهم بهالة زرقاء باهتة، جمدت السيف في مكانه، لتمنح إليعازر فرصة نادرة للنجاة من الموت.
فكّر إليعازر في نفسه وهو يتراجع بخفة:
“لم يُطلق قوته بعد، ومع ذلك فهو مقاتل من المرتبة نفسها! أترى هذه هي ثمرة تقنيات دروع الأدوميين المتقدمة؟”
لكن لم يكن هناك وقت للتفكير. رفع الفارس القرمزي سيفه مجددًا، وقد تلألأ نصله بوميض رمادي مائل للبياض.
أدرك إليعازر أنه يستعد لاستخدام مهارة “الإطلاق”، فجمع قوته في رمحه وأطلقه بهجومٍ خاطف، وصرخة حماس تفجّرت من صدره كهدير العاصفة.
اصطدم الرمح بالسيف، وارتجّت الأرض بانفجار من الضوء الساطع، حتى بدا أن السماء نفسها ترتجف من شدّة التصادم.
وفي تلك اللحظة، لمح إليعازر النقوش المعقدة على درع الفارس القرمزي تومض بنور غريب، وكأن قوى خفية ترفع جسده عن الأرض.
لكن الحقيقة كانت أبسط من ذلك — الفارس قفز بنفسه، غير أن القوة الهائلة المنبعثة منه جعلت الأرض تحت قدميه تبدو وكأنها انهارت ودفعته للأعلى!
صرخ الفارس القرمزي وهو يهوي من السماء:
"مت!"
وانطلق من سيفه قوسٌ ضوئي ضخم على شكل هلال، كأنه شقّ الفجر ذاته.
كان إليعازر على وشك رفع درعه حين سمع خفقان عباءاتٍ تتراقص مع الريح.
سمعها الفارس أيضًا، لكن الأوان كان قد فات.
طعنة!
انغرس رمح من الخلف في صدر الفارس القرمزي، واخترق درعه السميك ليخرج من الأمام ملوّنًا بدمائه القانية. سُحب الرمح بخفة، ثم لوّح به ليفرغ الدم المتناثر بحركة واحدة أنيقة.
وقف ليفي خلفه، تحيط به عشرة فرسان مقنّعين يشبهون إليعازر في الزي، لا يُرى منهم سوى أقنعتهم المعدنية.
ابتسم ليفي قائلاً:
"أعجبتني مهارتك حقًا… لكن في بعض الأحيان، القوة الغاشمة وحدها تكفي."
عبس إليعازر وردّ:
"لابد أنهم استشعروا اضطراب القوى من معركتنا. هل بدأت القوات الرئيسية الهجوم على البوابات؟"
أومأ ليفي قليلًا وهو يحدّق إلى ما وراء الأسوار العالية.
"قريبًا… علينا إيجاد بقية الأسرى قبل أن يعمّ الفوضى."
ثم تبع إليعازر نحو العبد الشاب المرهق الملقى على الأرض.
وفي الوقت نفسه، عند بوابات تاكيمون الرئيسية، كان الفرسان متأهبين بأقصى درجات الحذر، يراقبون رجلاً قصير القامة، أبيض الشعر، يقف بهدوء بين الأشجار على بُعد كيلومتر واحد تقريبًا.
همس أحد الفرسان:
"إنه أخيل…"
وردّ آخر:
"يقولون إن ظهوره يعني أن فرسان النور سيصلون بعده."
قهقه قائدهم ضاحكًا:
"أهذا الرجل هو من جعل القائد إيفار ينسحب؟! مجرد بشرٍ ضئيل يمكنني سحقه كحشرة!"
لكن صوته تجمّد حين سمع صوتًا صارمًا خلفه:
"اصمت."
تجمّد القائد في مكانه. كان ذلك صوت إيفار نفسه!
تراجع على الفور، ليفسح له الطريق. تقدم إيفار بخطوات بطيئة حتى وقف على سور القلعة، يطلّ على البوابة بعينيه الحادتين.
قال بصوت يقطر بالهيبة:
"يا حامل قوة كريوس… يؤلمني أن أراك تقف إلى جانب جنسٍ ضعيف كهذا. لكنك ستدفع ثمن خيارك… ما لم تغيّره الآن."
وصل صوته بعيدًا، مشحونًا بالقوة، لكن "آشر" لم يُجبه.
تضيق عينا إيفار:
"الرماة… اقتلوه."
ثم أضاف بصوت خافت لا يسمعه إلا من بجانبه:
"…إن استطعتم."
انطلقت ثلاثون قذيفة من الأقواس العملاقة دفعة واحدة، كأنها نجوم ساقطة نحو هدفها.
لكن جدارًا من الجليد انبثق من الأرض، أوقفها كلها في مكانها.
ارتطمت السهام بالسطح المتجمد ولم تخدش حتى سطحه!
قال أحد الفرسان مذهولًا:
"ممَّ صُنع هذا الجليد؟!"
تحرك آشر، وسيفه “إيوديس” في يده، يلمع كوميض البرق. اندفع بسرعة جعلته كتلة ضبابٍ متحركة. حاول الرماة إطلاق النار من جديد، لكن لا فائدة — فقد تجاوزهم كالريح، يصدّ بعض السهام، ويحطم أخرى، ويتفاداها كلها بخفةٍ مبهرة، فيما يتلألأ جليده الأزرق في كل خطوة.
عندها أدرك القائد إيفار الحقيقة المرّة — الأسلحة التي طالما أرعبت خصومهم لم تعد تجدي أمام هذا الرجل.
تغيرت ملامحه، وقال بصوت عميق:
"أنت قوي يا أخيل… لكن قوتك ناقصة. تجهل عمق موهبتك، وهذا هو ضعفك الحقيقي."
وما إن أنهى كلماته حتى بدأ جسده يتغيّر. نما من رأسه وظهره ما يشبه القرون — لكنها لم تكن قرونًا، بل شعرات معدنية أقوى من الفولاذ، تتحرك خلفه كأذرع حية.
بصفيرٍ حاد، انطلقت تلك الخيوط المعدنية الطويلة نحوه، لكنها اصطدمت بجدارٍ آخر من الجليد.
تحطّم!
تشقق الجدار، وارتسمت عليه خيوط كأنها شقوق العنكبوت.
ابتسم إيفار وقال بثقة:
"كنت أعلم… جليدك لم يبلغ بعد درجة الكمال. وهذا يعني أنه يمكن إذابته!"
ثم التفت إلى جنوده وهتف:
"فرسان النظام القرمزي، معي! لنطهّر أدوم من هذا الطاعون العنيد!"
اندفع مع ستين فارسًا من البوابة، وسيوفهم تلمع تحت ضوء الشمس.
وقف آشر بلا حراك، عيناه الذهبيتان تشعّان ببرودٍ لا إنساني. بدأ يمشي ببطء، وسيفه يجرّ أثرًا على التراب كأنه ينذر الأرض بعاصفةٍ قادمة.
صرخ إيفار بصوتٍ مجلجل:
"أخيل! جئت لتلقى حتفك!"
لكن في تلك اللحظة، اشتعل سيف آشر بضوء أزرق متقد، متشابك بخيوط من البرق.
شهيق… وصوت القطع!
حرّك سيفه في قوسٍ واسع، مطلقًا موجة من الجليد الهائج.
وحين اصطدمت بتلك الخيوط المعدنية، قطعتها بحدٍّ نقيّ، صرخة الألم شقّت حلق إيفار.
ثبت آشر في مكانه، عيناه تشعان بعزمٍ لا يلين، قبض على سيفه بقوة، ثم نطق بكلمة واحدة جعلت القلوب ترتجف والهواء نفسه يبرد:
"عدن."
---