"…عدن."

خرجت الكلمة من بين شفتي آشر همسًا بالكاد يُسمع، وأنفاسه تشكل ضبابًا أبيض يتسلل من خلف قناعه.

ومن بين الأرض المتجمدة، انبثق شجر جليدي شاهق، بلغ ارتفاعه ثلاثة أمتار تقريبًا، تتناثر أغصانه القليلة المتلألئة وكأنها منحوتة من الكريستال.

بدت العملية كأنها تسارع زمني لدورة الحياة — لحظات قليلة، وبدأ الجليد ينتشر من جذوره، لينبت حوله أعشابًا وشجيراتٍ وأشجارًا صغيرة من الثلج، تحاكي تمامًا نباتات معسكر الفرسان الذين كان يقودهم آشر.

وحين أدرك إيفار ورجاله ما يحدث، كانوا قد وجدوا أنفسهم محاطين بغابةٍ كاملة من الجليد، تمتد أغصانها حتى تلامس السماء!

ثم أُغلق القباب المتجمد حولهم، ليعزلهم عن العالم الخارجي — واختفى آشر من الأنظار.

أغمض إيفار عينيه لحظة ثم فتحهما ببطء وقال بصوتٍ متهدّج:

"حقًا… إنه الوعاء الذي اختارته قوة كريوس."

اتسعت نظراته بجدّية:

"إن استطاع تشكيل نطاقٍ بهذا الحجم، فلا بد أنه استنزف معظم قوته… تسعين بالمئة على الأقل."

لكن ابتسامة ساخرة ظهرت على وجهه بعد لحظات:

"في النهاية، يبقى مجرد شابٍ متهوّر."

رفع رمحه الطويل، مشيرًا به إلى الأمام:

"تقدّموا!"

صهل حصانه بقوة، وبدأ فرسان النظام القرمزي يتحركون بحذر، أعينهم تراقب الجليد الذي يحيط بهم من كل جانب.

استعاد إيفار من ذاكرته الأسطورة القديمة:

«قوة كريوس أظهرت "عدن" حين قتل آثاناتوس زوجته. متاهة الجليد تلك حاصرت حتى جيوش الآلهة. لحسن الحظ، يبدو أن آشر لم يتقن السيطرة عليها بالكامل بعد…»

لكن طمأنينته تلك لم تدم طويلًا، إذ دوّى صوت مئات الخيول وهي تندفع في اتجاههم كهدير الرعد.

التفت إيفار بسرعة، فرأى صفوف الفرسان المقدّسين قادمين نحوه، رماحهم موجهة للأمام، والثلج يتطاير تحت حوافر خيولهم.

كان في مقدّمتهم رجلان — سيمون وموسى، وكان الأخير يحمل فأسًا ضخمة بدل الرمح.

صرخ إيفار:

"تراجعوا!"

لكن الأمر جاء متأخرًا — فقد انبثق من الأرض عمود جليدي هائل، بعرض ثلاثة أمتار وارتفاع مترين، شقّ صفوف فرسانه إلى نصفين!

وعلى قمّته، ظلّ فارسٌ ومركوبه معلقَين وقد اخترقهما الجليد من أسفل إلى أعلى، وتجمد دمهما في لحظة!

ضاقت عينا إيفار من الغضب، غير أن فوضى اللحظة منحت الفرسان المقدسين فرصة ذهبية للانقضاض، فمزقوا تسعةً وعشرين فارسًا من النظام القرمزي كالسكين يشقّ الحرير.

زمجر إيفار بحنقٍ عارم، وأطلق طاقته. أحاط به ضوءٌ متوهج، لكن جدارًا جديدًا من الجليد ارتفع فجأة، عازلاً إياه مع عددٍ من جنوده داخل قبةٍ ثلجية محكمة.

تحطّم الجدار أخيرًا تحت قوته، لكن حين خرج، رأى آشر جالسًا بهدوء فوق عمودٍ بلوري من الثلج، ساقٌ فوق ساق، كملكٍ يتأمل معركة تحته.

ارتجّ الهواء بصوتٍ ضخم:

"أيها البشري!"

قفز أحد القادة من صفوف إيفار، ضخم الجسد كجبل، عيناه تشتعلان بالغضب. كانت قفازاته المعدنية مصممة لإطلاق موجاتٍ من الهواء المضغوط، أقرب لانفجاراتٍ صغيرة.

أطلق قبضته الأولى فاهتزّ الهواء بعنف كأنه يتمزق، لكن آشر تفادى الضربة برشاقةٍ كطيفٍ من ضوء.

ضرب الأرض بطرف قدمه، فانطلق للأمام بسرعةٍ تفوق البصر.

صرخ القائد:

"تعال، أيها البشري، وواجه مصيرك!"

اصطدمت قبضتاه ببعضهما، محدثتين دويًا يصمّ الآذان، ثم وجّه لكمة نحو وجه آشر.

تمتم إيفار متنهّدًا:

"يا له من أحمق… ألا يدرك من يقف أمامه؟"

وفي اللحظة التالية، تحرك آشر بخفةٍ خارقة، مدّ يده، وأمسك وجه القائد بأصابعه، ثم سحب القناع القرمزي عنه بضربةٍ واحدة.

ومع حركةٍ واحدة من سيفه إيوديس، شقّ الهواء بخطٍ عموديٍ من الضوء، استقرّ للحظة، ثم اختفى.

ظلّ القائد واقفًا مذهولًا، حتى ظهرت على جسده خطٌّ أحمر رفيع، ثم انقسم نصفين وسقط بصمتٍ ثقيل.

ساد الصمت المكان.

الفرسان الباقون حدّقوا في المشهد، مزيجٌ من الرعب والذهول يجمّد ملامحهم.

قال إيفار بصوتٍ باردٍ كحدّ السيف:

"كما توقعت من أخيل… الرجل الذي حوّل الخوف إلى شجاعة، والرعب إلى وقودٍ للقتال. قيل إنك علّمت البشر مواجهة الوحوش بدل الهرب منها، أهذا صحيح؟"

التفت آشر إليه، لكن لم ينطق بكلمة.

وفي لحظة، انقضّ عليه بسرعةٍ لا تُرى، سيفه يلمع بوميضٍ أزرق.

رفع إيفار رمحه وصده في الوقت المناسب، فتناثرت الشرارات وتشققت الأرض الجليدية تحت أقدامهما.

افترقا لحظة، ثم عادا ليصطدما مجددًا بسلسلةٍ من الضربات الخاطفة، حتى أطلقت خيوطٌ معدنية من ظهر إيفار محاولةً الالتفاف حول آشر.

صدّها، لكنه اضطر إلى التراجع خطوةً للخلف.

وبينما هو يتراجع، أطلق أحد الفرسان قذيفةً نحوه.

طنين!

شقّ آشر السهم بسيفه، لكن جسده اهتزّ قليلًا. قبض على سيفه من جديد، وتنفس بعمق، استعدادًا للجولة التالية.

تقدم إيفار بابتسامةٍ متعجرفة، غير أن ثقته تلاشت حين ضرب آشر سيفه بالأرض، فارتفعت من الجهات الأربع أعمدةٌ جليدية ضخمة — شمالًا وجنوبًا وشرقًا وغربًا!

قفز إيفار عاليًا كأنه يطعن السماء، مركزًا قوته في رمحه، ثم ألقاه نحو آشر كنيزكٍ ساقط.

دووووم!

انفجر المكان بانفجارٍ مهول، ارتجّت له الأرض والسماء.

في الأسفل، كان إليعازر وليفي داخل السجون يسمعان الاهتزازات، ظنّا أن القلعة تنهار، فسارعا بإخراج الأسرى.

سقط إيفار على قدميه وسط الركام، وراح يحدق بالمشهد من حوله — فرسانه ممزقون ومغروزون في شظايا الجليد، وآشر يقف خلف جدارٍ جليديٍّ شاهق، لم يُصب بخدش.

انفتحت عينا إيفار على اتساعهما، فقد نبتت من ظهره خيوطٌ معدنية جديدة، لكنها هذه المرة تشابكت لتكوّن ذراعين إضافيتين تمسكان بسيفين لامعين.

تجمدت ملامح آشر — أدرك أنه أمام خصمٍ من طرازٍ مختلف، أقوى عدوٍ واجهه في حياته.

قال إيفار بصوتٍ أجشّ كهدير الحديد:

"أرني أقصى ما تملكه، يا حامل قوة كريوس… وإلا فسأدفنك هنا في أرض أدوم!"

رفع آشر كفه ببطء، ومرر سيفه على راحته. سال الدم، لكنه لم يسقط — بل تجمّع وتحوّل أمامه إلى سيفٍ قرمزيٍّ متوهج، فيما خمد بريق عينيه الذهبيتين.

انبعث صوت أنثوي بارد من خلفه، صوت دوقة أرييل آشبورن، متحدًا مع صوته:

"لطالما كرهت هذه الأراضي… لكن أن يصل بكم الغرور إلى احتقار البشر؟ لو كنت في أيامي، لمزّقت وجودكم من الجذور."

ارتجف الهواء من برودة كلماتها، حتى أن إيفار تقلص وجهه توترًا.

كيف له أن يستخدم الدم بهذه الطريقة؟ أليست طاقته قد استُنفدت؟!

شعر كأن أمامه محيطًا من القوة اللامتناهية.

صرخ متحديًا:

"مهما حاولت يا أخيل، نهايتك اليوم!"

واندلع القتال مجددًا — معركةٌ كأنها بين اثنين من الأساطير، سيوفهم تمزق الجليد والهواء، وانفجارات الطاقة تضيء الأفق من الفجر حتى المغيب!

---

2025/10/12 · 52 مشاهدة · 922 كلمة
Rose
نادي الروايات - 2025