هديرٌ عظيم دوّى في السماء!
رفع أشبورن رأسه محدّقًا بالظلّ القاتم الذي كان يشقّ الغيوم متجهًا نحو ساحة المعركة. قوّته الساحقة كانت تُلقي بثقلها على الميدان حتى قبل أن يقترب مئات الأمتار.
بريق معدني حادّ انبعث حين سحب أشبورن سيفه “يوديس” بينما اندفع بيسيرك للأمام. خلفه امتطى الفرسان المقدّسون خيولهم، وطار عبيد المعبد فوقهم، متّحدين في تشكيلٍ مهيب يجوب ساحة المعركة بقوةٍ مرعبة.
كانت أرديتهم ترفرف في الرياح، وأسلحتهم مشهرة، وأعينهم تلاحق المخلوق الذي يقترب بسرعةٍ هائلة.
هدير آخر اخترق الهواء!
خرج الوَيڤِرن من غابات المنطقة الشمالية، وزفر جليدًا قاتلًا نحو جيش أشبورن الرئيسي. رأى أليك تيار الجليد المهلك، فاندفع نحوه بخطواتٍ ثقيلة حتى أنّ الأرض تهشّمت تحت قدميه.
صرخ بصوتٍ مدوٍّ وقفز لمسافةٍ هائلة، حاملاً درعه أمامه. فُتح فم التنّين المنقوش على درعه، وابتلع موجة الجليد، لكن سرعان ما بدأ الجليد يتمدّد ببطء حتى غطّى سطح الدرع كلّه.
عندما رأى فارس الوَيڤِرن أن أليك تمكّن من صدّ نفَس الوحش، أمره بالتوقّف والهبوط. وما إن لامست مخالبه الأرض حتى حدّق بعينيه المشقوقتين في جنود المشاة المدرّعين المحيطين به، وارتسمت على ملامح راكبه ابتسامةٌ ساخرة.
“هَه!” تمتم بازدراء.
هزّ الوَيڤِرن ذيله فجأة، فاجتاح صفوف المشاة الثقيلة وطرحهم أرضًا كأنهم ريش طائر في مهبّ العاصفة. كان الوحش ذا حراشف زرقاء داكنة، رفع رأسه فتلألأ بريق أزرق على امتداد عنقه، ثم أطلق من فمه زفيرًا من الصقيع النقيّ.
لكن صقيعه اصطدم بصقيعٍ آخر خرج من درع أليك نفسه!
زمجر الوَيڤِرن بغضب، ثم اندفع نحو أليك مستخدمًا جناحيه وقدميه الخلفيتين. رفع أليك درعه ليصدّ الهجوم، لكن قوّة الضربة قذفته إلى الوراء لعدة أمتار. وحين نهض، كانت عيناه خلف خوذته تضيقان بغضب، إذ لاح شقّ عميق في درعه!
حدّق أليك بالوحش الضخم الذي كان ينفث الجليد على جنوده. قبض على رمحه بإحكام وهمّ بالهجوم، لكن فجأة تشكّلت جذور من الجليد أمامه، ارتفعت لتكوّن جذعًا، ثم تفرّعت منه أغصان وأوراق!
رفع أليك رأسه بدهشة نحو تلك الشجرة العجيبة التي نبتت من العدم، ثم اتّسعت صدمته حين رأى أشجارًا أخرى تنمو من حوله لتتحوّل ساحة المعركة إلى غابةٍ كاملة من الجليد!
“ما… ما الذي يحدث بحقّ السماء؟!” تمتم الكونت ويليام وهو يلمس إحدى الأشجار، فشعر ببرودتها الصلبة الغريبة.
ثم نظر نحو اللورد ذي الدرع الذهبي الذي كان يشقّ طريقه عبر غابة الجليد مع نخبة جنوده. لم يحتج ويليام أن يُقال له من المسؤول عن ذلك — كان يعلم أنه من صنع أشبورن.
فقط هو من يملك مثل تلك القوّة التي تملأ الفراغ من شدّتها!
“يا له من جبروت… أشبورن، لقد كنت تُخفي كلّ هذا عن العالم طوال الوقت!” تمتم بعبوسٍ غاضب، ثم أشار بسيفه قائلاً: “لكن حتى الوَيڤِرن، رغم أنه ليس تنّينًا خالصًا، يظلّ وحشًا رهيبًا!”
انطلق ببرقٍ لامع على ظهر نمره الهائج، يقود فرسان “النمر الأسود” لملاقاة “كاسري الشفرات”. تصادمت الرماح، وارتجّت الأرض من شدّة الاندفاع!
لكن المفاجأة كانت أنّ “كاسري الشفرات” امتلكوا الأفضلية بسبب طول خيولهم الغريب! كانت خيولًا لم يُرَ مثلها من قبل، لها نتوءات عظمية خارجة من مفاصلها — مخلوقات لم يسمع بها أحد في أيّ سهلٍ من سهول البشر!
عبس ويليام متعجّبًا، معتادًا على فرسان المعبد، لكن هذه الخيول كانت لغزًا جديدًا. “كم سرًّا بعد تخفونه خلف تلك الجدران؟!”
ابتسم أخيرًا وقال في نفسه: “صحيح أن لهم تفوّقًا، لكن نحن نملك العدد!”
وأكمل بثقة: “العدد هو أقوى سلاح في كلّ حرب.”
صرخ أحد الفرسان: “أيها القائد، إلى يسارك!” فاستدار لامبرت ورأى نحو ألفي فارسٍ همجيّ يندفعون نحوه مثيرين الغبار، والأرض تهتزّ تحت سنابكهم. كانت المعركة في غاية الفوضى، لكن لا شيء يعادل رعب الوحش التنّيني الذي يستطيع تدمير أشجار الجليد وتجميد فرسانٍ من أعلى المراتب!
“انقسموا!”
أمر أشبورن، فانقسم الفرسان المقدّسون إلى جناحين. غرز الوَيڤِرن مخالبه في الأرض، ونفث جليدًا كثيفًا فصل بين أشبورن وبقيّة فرسانه. انبعث من جسد أشبورن نورٌ قرمزيّ غامض أحاط به وبفرسانه، مانحًا إياهم القدرة على مجابهة الوحش.
كان سطوع الوَيڤِرن كافيًا لزرع الرعب في قلوب أيّ محارب، لكن تحت هالة أشبورن ظلّ الفرسان صامدين.
قال راكب الوَيڤِرن بغلظة: “أيها الغربيون… موتوا!”
لكن قبل أن يُكمل، ارتطم سيريوس بالوَيڤِرن بقوةٍ هائلة، كاد الفارس يسقط من فوقه! صرخ مذعورًا: “اقتلوا ذلك الذئب!”
فتح الوَيڤِرن فمه ليعضّه، لكن سيريوس زفر نارًا ملتهبة مباشرة في فمه! تصاعد الدخان من فكي الوحش، وراح يهزّ رأسه بعنف، بينما كبُر جسد سيريوس فجأة، وغرز أحد مخالبه في عنق الوَيڤِرن مثبتًا إياه أرضًا، تتقاطر من فمه اللعاب وهو يحدّق في الفارس المذهول.
“من أين خرج هذا الذئب؟!” صرخ الراكب. لطالما اعتُبر فارس الوَيڤِرن من النبلاء الذين تهابهم الدوقات، ولكن الآن… كان يواجه خطرًا أعظم من كلّ ما عرفه.
الذئب الذي حجبت ظلاله الشمس!
ارتجفت حدقتاه رعبًا.
“يونا! أخرجيني من هنا!” صرخ، لكن فجأة انبثق عمود جليدي ضخم من الأرض، فالتصق رأس الوَيڤِرن به. انتهز سيريوس الفرصة وانقضّ عليه، ابتلع الفارس بالكامل، وتحطّمت عظامه تحت أنيابه!
تحرّر الوَيڤِرن بعدها من الجليد بصعوبة، وصفع وجه سيريوس بذيله الشائك، ثم خفق بجناحيه مولّدًا عاصفةً من الرياح أطاحت بالفرسان وخيولهم. لكن قبل أن يتمكّن من الطيران، اخترق الضوء الأبيض جناحه الأيسر — سيف سافيرا قطع جزءًا منه!
زمجر الوَيڤِرن تجاهها، لكنه لم يستطع التوقّف، إذ انهمرت عليه رماح الفرسان المقدّسين لتخترق حراشفه.
صرخ من الألم ونفث جليدًا عشوائيًا في كلّ اتجاه، حتى غطّى الضباب المكان بأكمله.
وبينما كان يتّنفس بصعوبة، رأى بعينيه المتألقتين قوتين ساطعتين أمامه — أحدهما رجل في درعٍ ذهبي، والآخر ذئب أبيض خلفه.
كلاهما اندفع نحوه في آنٍ واحد.
ثبت سيريوس ذيله على الأرض، مانعًا الوحش من الطيران، فيما اخترق أشبورن زفير الجليد رافعًا سيفه المتلألئ بالنقوش السحرية.
صرخة واحدة مزّقت الهواء…
قطعٌ واحدٌ حاسم!