خطوة… خطوة… ثم خطوة أخرى.

بين ظلال الشموع المرتجفة، كان آشر يسير في الممر الطويل، المدينة المترامية الأطراف تمتد أمام عينيه إلى اليسار، بينما يقف الفرسان الحراس على اليمين.

بعد يوم شاق، كان متجهاً إلى غرفته. خلفه كان نيرو يتبعه بصمت، فلا يُسمع منه حتى خفيف وقع الدرع، فقد أتقن فنّ الصمت تمامًا!

ورغم أن ذلك بدا تفصيلاً بسيطاً، فإن نيرو كان يشق طريقه ببطء نحو القمة. لا أحد يعلم أن في الشمال فارسًا مقدس الرتبة لا يتجاوز الثانية عشرة من عمره — وأعمى الألوان!

قبل وصوله ببضعة أمتار إلى بابه، لَسَعَت أنفَ آشر رائحة عطرٍ قوي فاخرة قادمة من داخل الغرفة.

ضيّق عينيه، وتشنجت أصابع يده اليمنى تشتاق إلى ملمس مقبض السيف الجلدي.

توقف فجأة.

"أنت مُعفى من الخدمة."

تفاجأ نيرو، لكنه انحنى احتراماً ثم استدار وغادر.

نظر آشر إلى الفارسين أمام بابه، إليعازر ولاوي، الأقوى بين الفرسان، فازدادت تعابيره صرامة.

أمسك بمقبض الباب، ألقى نظرة على الرجلين للحظة، ثم فتح الباب ببطء.

ازدادت الرائحة عذوبة وكثافة من خلف الباب، ومع أنفاسٍ عميقة دفعه، لتتسع عيناه شيئاً فشيئاً أمام المشهد الذي رآه — امرأة تجلس بأناقة على سريره.

تتبعت عيناه ساقيها البيضاوين المكشوفين اللامعين تحت ضوء الشموع البرتقالي، وصولاً إلى ثوبها الأرجواني الفاتح الذي بدا شبه شفاف.

هبّت نسمة باردة على آشر، وكأنها جمدته في مكانه.

كان الفستان بلا أكمام، يشده حزام جلدي أسود، وصُمم بحيث تُكشف ساقاها بالكامل!

انسدلت خصلات شعرها السوداء كالليل على ظهرها، وجلَدها المتلألئ بزيت الزيتون العطري يبعث رائحة آسرة.

شفاهها، عيناها، كل جزء منها يقطر فتنة.

"آشر…"

نادته بصوت خافت وهي تراه متجمداً مكانه.

خطوة… خطوة…

اقترب خطوتين، ثم استدار ليغلق الباب بهدوء، ثم عاد بنظره إليها دون أن يتحرك من مكانه.

"لماذا أنتِ هنا؟"

"ألستَ تريدني أن أكون هنا؟"

أربكته بسؤالها. تنهد وسار نحو مكتبه، فك الحزام الذي يحمل سيفيه ووضعه على الطاولة.

ثم سحب سيف إيوديوس، وتأمل نصله المصقول الذي انعكس عليه جزء من وجهه.

وفجأة، ظهرت سافيرا خلف انعكاسه، ما جعله يميل برأسه نحوها.

كانت جديلة شعرها تتدلى وبها خاتم منقوش عليه زهرة صغيرة تتلألأ كقطرات ندى.

"آشر… أنا بلا والدين، فلا شيء يربطني بالعالم. منذ لحظة أن منحتني هذا الخاتم، أصبحتُ لك وحدك."

لمست راحة يدها ظهره بلطف.

استدار نحوها تماماً، أمسك خديها برفق، وقبّل جبينها.

"عودي إلى غرفتك."

لكن الرغبة المشتعلة في عينيه لم تتطابق مع كلماته.

"أتقول ذلك لامرأتك؟ هل تحتاج أن ينازعك رجل آخر حتى تدرك أنني زوجتـ…"

قاطعها بقبلة مفاجئة.

"لقد طلبتِ هذا!" قال بصوت عميق بينما رفعها بين ذراعيه وسار نحو السرير الكبير.

كانت تلك الليلة طويلة، دافئة، وغامرة بمشاعر مختلطة كالعاصفة، تفيض في الروح كما يفيض النهر.

لكن حتى أجمل الليالي لها نهاية. في تلك الليلة السعيدة نفسها، كان هناك رجل يُدعى جيرالد، الفارس المجهول الذي تنكّر في هيئة بشرية ليتسلل إلى الجنة.

رجل نحيل، طويل، ذو شعر أبيض كالثلج، يقف في شوارع الفردوس ينظر نحو قصر الحاكم بعينين ضيقتين.

"إذن… يا أميرة، أصبحتِ تُعرفين باسم سافيرا الآن."

ترددت نبرته العميقة، وعلى ظهره جسم ضخم مغطى بقماش رمادي مربوط بحبال سميكة.

صوت عصافير يغرد، تشيـرب تشيـرب!

امرأة شقراء ترتدي ثوبًا أسود دخلت غرفة الحاكم الخاصة تحمل صينية صغيرة عليها كوب يتصاعد منه البخار.

وضعتها على الطاولة، ونظرت إلى جمال نائم على السرير الكبير. ارتجفت حدقتا سينثيا عندما لمست السرير فصدر منه صرير خفيف.

دبّ الرعب في قلبها وهي تتخيل ما حدث الليلة الماضية. كيف يمكن أن يتحول سرير قوي كهذا إلى هشٍّ في ليلة واحدة!

لمجرد تخيل نفسها مكان سافيرا، شعرت بركبتيها تخوران.

سيدها وسيم، نعم، لكنه قوي لدرجة تُفقد الحياة نفسها!

تحركت سافيرا ببطء وفتحت عينيها.

انحنت سينثيا وقالت: "صباح الخير، سيدتي سافيرا "

أومأت سافيرا برقة، التفتت إلى الجانب الآخر فلم تجد آشر.

"أين هو؟"

تناولت سينثيا رسالة من على الطاولة وقدمتها لها.

> "متجه إلى جبل سير. يُسمح لكِ بالراحة اليوم فقط.

الموقّع: آشر آشبورن، زوجك."

ابتسمت سافيرا ابتسامة دافئة. رغم قِصر الرسالة، إلا أنها كانت كافية لتملأ قلبها سعادةً، لأنه كتبها بيده ووقّعها وختمها قبل رحيله.

"لقد طلب أيضًا أن أُحضر لكِ شايًا أخضر."

مدّت سينثيا الصينية.

"شكرًا لك." قالت سافيرا بلطف وهي تمسك بالكوب.

بمساعدة السحرة وقدرتهم على فتح البوابات، تمكن آشر ومئتا فارس من الوصول إلى مدينة أدوم بعد ثلاثة أيام فقط.

وعندما دخلوا المدينة، كان الليل قد حل، لكن استقبال زعيم أدوم كان حارًا.

ترددت أصوات الأقدام المنتظمة في أذن عيسو روس، وزوجته كاثرين روس، وسحرتهما المرافقين.

"إنهم هم."

أشار عيسو إلى الفرسان الرماديين لفتح الباب، وما إن فُتح حتى ظهر رجال شجعان يرتدون الدروع والعباءات يسيرون بخطوات ثابتة نحو القاعة.

في مقدمتهم رجل يرتدي درعًا لاصقًا بجسده، بدا وكأنه مصنوع من الجلد، لكن لا أحد علم أنه من معدن الأقزام الممزوج بحراشف الوِيفِرن.

كانت السيوف على خصره تتمايل مع خطواته، ووجوه الفرسان خلفه، بمن فيهم فارس الدم ذي الدرع الأسود الملطخ ببقعة دم فوق العين اليمنى، محجوبة بخوذهم.

نهض عيسو وقال:

"أخيل… إنه لشرف أن أستقبلك أنت ورجالك هنا."

ابتسم الجرذ الضخم.

2025/10/16 · 51 مشاهدة · 779 كلمة
Rose
نادي الروايات - 2025