انعكست ألسنة اللهب البرتقالية المتراقصة الصاعدة إلى السماء في عيني آشر الذهبيتين. كان جالسًا على جذع شجرة، يميل إلى الأمام مرتديًا معطفًا سميكًا، يأكل بهدوء حساءً من الوعاء الذي في يده.

كانت هناك مئات المجموعات متجمعة حول النيران، والفرسان يأكلون بنهم. استغرق الأمر يومين إضافيين لجمع جيش الأورك والقضاء عليهم تمامًا.

بعد ثلاثة أيام من المعارك العنيفة، كان هذا الحساء العطري مكافأة مستحقة. فلم يكن هناك وقت مناسب سابقًا لإعداد وجبة جيدة مع تهديد الأورك المعلق فوق رؤوسهم.

قال غالانار وهو يومئ برأسه: "إنه لذيذ." كان من بين الذين جلسوا برفقة آشر، وجميعهم يُعتبرون قادة في الجيش.

ضحك عُمر قائلاً: "وجبة دسمة بعد معركة أمر رائع." غمس الملعقة في الحساء، ورفع محتواها إلى فمه وبدأ يمضغ ببطء.

ثم نظر إلى نيرو وقال: "يبدو أنك بارع في استخدام السيف، أليس كذلك يا نيرو؟"

رفع نيرو رأسه، وعيناه الحادتان تتوهجان بنظرة ثاقبة.

تراجع غالانار قليلًا، لكن التوتر تبدّد حين ابتسم نيرو ابتسامة خفيفة وأشار إلى سيريوس النائم بجانب خيمة آشر.

قال: "ذلك هو الخطر الحقيقي."

نظر الجميع — إليعازر، سيمون، ليفي، موسى، غالانار، عمر وآشر — إلى الذئب الأبيض.

قال موسى بدهشة: "ما زلت لا أصدق أنه التهم مخلوقًا من الهاوية وما زال حيًا."

أجاب آشر بصوته العميق الذي تردد صداه في آذانهم: "إنه لا يتأثر بطاقة الهاوية." لم يكن حتى صوت عمر يستطيع مجاراة عمق صوته. كان صوته أشبه بقرع طبل — عميق، مطمئن، ومع ذلك ثقيل.

كأن كلماته تحمل وزنًا حقيقيًا.

زاد احترامهم له بعد المعركة، فلم يتخيل أحدهم أنه يمكن لإنسان أن يرى عظامه بارزة من جسده دون أن يصرخ، أو أن يلكم كتلة جليدية بحجم مبنى كامل.

كانوا يعلمون أنه كان بإمكانه الهرب بسهولة، لكنه اختار إنقاذهم.

بل وناداهم بـ"إخوتي".

لم يكن بوسعهم نسيان ذلك.

سأل سيمون باحترام: "لا أقصد عدم الاحترام، سيدي، لكن ماذا تعني بذلك؟"

نظر آشر إليه وقال: "في الأزمنة القديمة، لم يكن يُطلق على الطاقة اسم القوة، بل كانت تُعرف باسم الـ«مانا». ثم انقسمت إلى قوة السحر وقوة القتال، وبعدها وُلدت قوة الهاوية. سيريوس مخلوق سماوي، يمتلك القدرة على دمج كل تلك القوى وإعادتها إلى المانا الأصلية."

تمتم سيمون: "في الأزمنة القديمة..."

تجوّل نظر آشر بين الجميع وقال: "لدي سؤال لكم جميعًا."

نظروا إليه بتعابير مختلفة، لكن شيئًا واحدًا كان واضحًا — الفضول.

قال: "برأيكم، من أكون أنا؟"

أجاب نيرو دون تردد: "سيدي."

ابتسم آشر، ثم نظر إلى الآخرين.

قال موسى بهدوء: "منقذي."

قال إليعازر وليفي معًا: "أخيل."

قال سيمون: "الدوق آشر أشبورن، آخر من سلالته، فاتح الشمال… وحاكم نبيل."

أما غالانار فقال بصوت حازم لا يتزعزع: "قائدي."

نظر عمر إلى الفرسان المتجمعين حول النيران الأخرى وقال:

"بالنسبة لهم، أنت أشياء كثيرة — رجل مَسَّه الحاكم الأعلى، مشهور في المعارك، مبارك من الطبيعة، وموسوم بالبداية الأولى..."

ثم أخذ نفسًا عميقًا وأكمل:

"أما بالنسبة لي، فأنت الأول من نوعك. يؤلمني أننا قد لا نحظى بمثلك بعد رحيلك. إنّه لشرف أن أقاتل إلى جانبك، وسأتأكد أن هذه الذكرى ستنتقل عبر أجيالي. حتى لو شوّه الناس صورتك في المستقبل، فسوف أتذكر الحقيقة أنا ونسلي. أعلم أنني أنظر إلى الرجل الذي سيعيد مجد الشمال اللامتناهي، ويمنحه عظمة لم يعرفها أحد من قبل."

ابتسم عمر بمرارة.

رمش آشر قليلاً، وقد شعر بمرارة عمر، لأنها جاءت من إدراكه بأنه ليس خالدًا.

قال آشر وهو ينهض ويضع يده على كتف عمر: "من الأفضل أن نبني ما نستطيع قبل أن يأتي الكِبر."

كان عمر أكبرهم حجمًا، لكن قلبه كان يملك شيئًا مميزًا في نظر آشر.

أومأ عمر موافقًا.

توقف نيرو عن الأكل. وعلى الرغم من أنه كان من الصعب معرفة ما يدور في ذهنه، إذ إن عينيه الصفراء كعيني الأفعى جعلت ملامحه حادة، إلا أن كلمات عمر بدت وكأنها لامسته بعمق.

رفع آشر رأسه ونظر إلى ما وراء جيشه، نحو الأفق البعيد.

قال متأملًا: "عندما تفكر بالأمر، ما الذي يوجد خلف هذه الحدود؟"

أجاب غالانار: "ما زلنا لا نعلم. لكن نعتقد أن هناك بقايا متفرقة من عشائر الدب البني وآخر أفراد العشيرة البيضاء."

قال آشر: "العشيرة البيضاء؟ تقصد التي أنجبت في الماضي وعاء كريوس القادم؟"

أومأ عمر وغانالار معًا: "الجنرال ألدرِتش كان يعتقد أن فقط السلالة المباشرة أُبيدت."

فكر آشر في نفسه:

«قتل جميع أفراد عائلة أشبورن يعني الشيء نفسه. فمهما أطلق أتباعي على الأرض اسم "دوقية أشبورن"، لن تكون كذلك حقًا من دوننا... آثاناتوس…»

ضاقت عيناه.

قال عمر: "أعتقد أنها أرض مدمرة، اجتاحتها قوة الهاوية، ولهذا لا نرى فيها شيئًا سوى الثلوج."

سأله غالانار بسخرية: "لكن بما أنك لم تذهب أبعد من ذلك، كيف تتأكد من كلامك؟"

ردّ عمر بحدة: "هل هناك حاجة للمجازفة؟ من الأفضل أن نبني جدارًا ونُحرسه ضد رعب تلك الأرض."

ضحك غالانار: "أنت تتحدث فقط بناءً على افتراضات."

قال عمر بغضب: "وأنت لا تفعل سوى قول كلام بلا دليل!"

قال آشر بهدوء: "هذا يكفي. سنأخذها..."

اتسعت أعينهما بصدمة.

لكن آشر أكمل:

"...في الوقت المناسب. أريد أن ألمس جدران جبل الحديد الأسود قبل أن أموت."

فكر سيمون:

«إن كان يخطط لغزو كل تلك الأراضي، فسيصبح حكمه بحجم إمبراطورية! رغم أن الشمال اللامتناهي لم يكن يومًا إمبراطورية، إلا أنه كان يُقال إنه بحجم واحدة.»

سأل آشر: "وماذا عن العشائر الأخرى خلف حدود دوثان؟"

أجاب عمر: "خلف جبل سعير توجد عشيرة إيل. عشيرة قوية تضم خمس مدن. سمعت أن لديهم وحشًا أسطوريًا يحرسهم، يمنح جنودهم القدرة على التحكم بالماء."

اتسعت عينا آشر وهو يتذكر حديث زانواه أشبورن له عن تلك العشيرة. كان من المفترض ألا تكون عدوًا.

قال غالانار: "دوثان لم تكن ندًا لهم، لكنهم أقوياء جدًا لدرجة أنهم لا يهتمون بنا. إضافة إلى أنهم بعيدون جدًا. لكنهم ليسوا الأقوى في هذه المنطقة."

رفع آشر حاجبيه وسأل: "أوه؟ ومن هو الأقوى إذن؟"

أجاب عمر وغانالار في الوقت نفسه: "ليس عشيرة..."

2025/10/17 · 29 مشاهدة · 890 كلمة
Rose
نادي الروايات - 2025