في الأفق، ارتفع حصن مهيب، جدرانه الشاهقة تعانق السماء بارتفاع عشرين مترًا. كانت الجدران الملطخة بآثار المعارك شاهدًا على تاريخ صلبٍ لا ينكسر، كأنها لم تمسّها يد الزمن.
على القمم، وقف فرسان برتبة الذهب، يرتدون دروعًا نصفية تلمع تحت ضوء الشمس، ورماحهم موجهة نحو السماء، في حراسة يقظة.
كان هؤلاء المحاربون من النخبة، نادرًا ما يُرى أمثالهم في أي مقاطعة أخرى، مما زاد من هيبة هذا الحصن وقوته.
اقترب آشر ومرافقوه، وأبصارهم تتجه نحو الحصن القابع فوق تلٍ مرتفع، والممر المرصوف بالحجارة يقود إلى بوابته الوحيدة.
تعلو الجدران أعمدة ضخمة، منصوبة عليها مقاليع ومنجنيقات جاهزة، وبينها رجال مدرعون تعكس دروعهم المصقولة ضوء الشمس كأنها آلاف المرايا الصغيرة.
هذا هو قلب دوقية آشبورن — حصن صغير لكنه محمي بشراسة، يضم نحو ستين ألف نسمة فقط.
همس آشر بصوت خافت يملؤه الحنين:
"لقد عدنا إلى الديار."
ارتخت ملامحه، وامتلأت عيناه بذكريات من الضحك والدموع، من النصر والانكسار، كلها تجسدت بين هذه الجدران التي يعرفها قلبه.
للحظة، خفّ عبء الرحلة الطويلة عن كاهله، وحلّ مكانه شعورٌ بالدفء والانتماء.
في البعيد، ارتفعت جبال الرماد بعظمتها، قممها الحادة تمتد نحو السماء كعمالقةٍ نائمة من الصخر.
انحداراتها مغطاة بغابات خضراء، في تباين صارخ مع الصخور الرمادية التي منحت السلسلة اسمها.
كان المشهد تذكيرًا مؤلمًا بأن هذا الحصن يقع على حدّ مملكةٍ جميلة وقاسية في آنٍ واحد.
تقدم آشر ورفاقه بخيولهم عبر السهل الأخضر، الذي كان يومًا أرضًا سوداء محروقة، تحمل آثار الفساد، حين كانت تُعرف باسم الأراضي الميتة.
من على الأسوار، انحنى أحد الحراس محاولًا تحسين رؤيته. وحين تعرّف على القادم، اتسعت عيناه دهشة، وصاح بأعلى صوته:
"إنه مولاي! لقد عاد بنفسه!"
ارتبك زميله: "ماذا؟!"
"افتحوا الأبواب! إنه الدوق بنفسه!"
في لحظة، انفتحت البوابة الضخمة، والجموع تنظر بدهشة إلى آشر يدخل المدينة محاطًا بمئتي فارس من فرسان القديس الأعلى – الأديبتوس بالادينز.
رغم أن آشر أرسل مجموعات من هؤلاء الفرسان إلى أماكن متعددة — إلى نينيفي، إلى بيت الكنوز، وحتى لحماية السيدة ماري — إلا أن مشهد مئتين منهم معًا كان شيئًا يفوق الخيال.
قال الناس بإعجاب وهم يشاهدونهم يمرّون:
"إنهم فرسان الأديبتوس!"
تطايرت الأخبار كالنار في الهشيم، أسرع من أي رسول.
وبينما دخل آشر أسوار القلعة، وجد كيلفن في انتظاره أمام المدخل، معطف فرو فاخر على كتفيه، وابتسامة دافئة تُكوّن تجاعيد حول عينيه.
قال وهو يتنفس البرد:
"أهلًا بعودتك، يا بني."
نزل آشر من على ظهر سيريوس، واقترب منه، واحتضنه بشوق.
"اشتقت إليك، أيها العجوز." قال ضاحكًا بخفة.
أجابه كيلفن بنصف تنهيدة ونصف سخرية:
"لقد شِختُ عقودًا منذ بدأت بالهرب من مهامك! اجلس في مكان واحد ودعني أعتني بك كما يليق بدوقٍ مثلك."
ابتسم آشر وربت على كتفه:
"أنت تدير الأمور أفضل مني. مكاني الحقيقي هو في ساحة المعركة… وفي عقد التحالفات."
سار الاثنان داخل القلعة، لتتبدل برودة الخارج بوهجٍ ذهبي من الدفء القادم من القاعة الكبرى.
أضاءت الشموع والثريات والجدران المشعة المكان بنورٍ متراقصٍ، يرسم ظلالًا ناعمة على الجدران. شعر كيلفن بأن دفء القاعة يحتضنه بلطف.
"هل التدفئة كافية؟" سأل كيلفن، ناظرًا إلى الموقد حيث ترقص ألسنة اللهب البرتقالية.
"كافية جدًا." أجاب آشر وهو يجلس على الأريكة، واضعًا سيفيه على الطاولة.
رمق كيلفن السيف بعين متأملة:
"ما زالت إيووديوس تخدمك."
ابتسم آشر بسخرية مرّة:
"للأسف، خدمتها انتهت… سقطت في معركة ضد تنين."
"هذا..." حاول كيلفن الكلام ثم زفر بأسى. "على الأقل رحلت في مواجهةٍ تليق بأعظم الوحوش التي عرفها البشر."
تأمل آشر وجهه، وعيناه تلمعان بقلق صادق:
"إيووديوس أدت واجبها حتى النهاية... لكن ماذا عنك، كيلفن؟ أتعامل مع كل ما حدث وحدك؟"
زمجر كيلفن:
"أتعلم ما أمرّ به بسببك؟ لدينا 45,000 عبد ما زالوا في المستوطنات، بالكاد ينجون من برد الشتاء. أجبرت البارون فلامهارت على إطعامهم وتدفئتهم كي لا يتمردوا، لأننا لا نملك القوة لقمعهم دفعة واحدة!"
تنفس بعمق، وأكمل:
"علينا نقلهم إلى مكانٍ أفضل."
قال آشر بثبات:
"سنفعل. أرسل أمرًا بنقلهم إلى الشاطئ. حين يصلون، ستكون المدينة-السفينة جاهزة. وبالمناسبة، جثث أربعة تنانين في طريقها إلينا. سنقيم وليمة كبرى لكلٍ من فيلق الخطوط الأمامية وفيلق الدرع العظيم."
عبس كيلفن بدهشة:
"تريد إطعام أربعين ألف رجل بلحم تنانين؟ ولماذا؟"
تألقت نظرات آشر بالحماس:
"لأن هناك احتمالًا أن يُغيّر هذا من بنية أجسادهم نفسها — من بشرٍ إلى مقاتلين ذوي صفات الوحوش."
توقف لحظة، ثم تابع بعينين تلمعان بالقناعة:
"إن نجحنا، فسيصبح فرساننا أقوى من مقاتلي قبائل الدببة، جلودهم أصلب من جلد وحيد القرن، وبصرهم أشد حدة، وتحملهم لا يُضاهى. ومع مثل هذه القوة، أؤمن أننا سنستطيع إعلان استقلالنا الكامل."
أغلق كيلفن عينيه وقال بصوت خافت:
"إذًا تنوي استخدام موهبتك الخاصة..."
أومأ آشر بثقة.
تابع كيلفن بجدية:
"سنحتاج إلى جميع الطهاة في المقاطعة، واستدعاء الجنود من كلا الجانبين، ليحلّ حرس المدينة مكانهم مؤقتًا. بهذه الطريقة فقط يمكننا احتمال غضب الأمير آرون."
ارتفعت حاجبا آشر:
"ماذا تعني؟"
نظر كيلفن إليه بعينين متوترتين، وصوته يرتجف:
"لقد أرسل الأمير رسالة… يطلب فيها يد أختك، السيدة ماري، للزواج."
سكت لحظة، ثم أكمل بصوت مبحوح:
"وعد بتقديم كل ما في المملكة من رفاهيةٍ لها..."
لكن صوته بدأ يرتجف أكثر — لأن الحرارة في الغرفة بدأت تختفي.
برودة غامرة تسللت في الهواء. تجمدت أطراف النوافذ، تسرب الصقيع إلى الجدران، وخمدت ألسنة اللهب في الموقد والثريات، ليغرق المكان في ظلامٍ جليدي.
انخفض صوت آشر وهو يتكلم، كالسيف يخترق الأعصاب:
"ماذا قلت أن آرون فعل؟"
تلعثم كيلفن، عروقه بارزة ووجهه يشحب:
"ه-هو… أعلن ذلك بنفسه في القاعة الكبرى… أمام اللوردات والسيدات، الأصدقاء والأعداء على حد سواء."
تابع رغم الرعب الذي يسري في عظامه:
"لقد فعلها عمدًا… ليجعل رفضه إهانة مباشرة للعائلة الإمبراطورية. حتى اللوردات المستقلين لن يجرؤوا على الاعتراض."
ظلّ آشر صامتًا، نظراته كقطع الجليد تخترق الهواء.
ثم فجأة، كما بدأت البرودة، اختفت. اشتعلت النيران من جديد، وأضاء الدفء القاعة.
لكن كيلفن بقي راكعًا، يلهث بخوفٍ صامت، وكأن ما حدث لم يكن سوى لمحة من غضبٍ يكاد لا يُقاس.